الموازنة المرتقبة ونصف الكأس الفارغ الممتلئ.. ماذا تقول الأرقام؟
جو 24 :
تامر خورما - وكأنّها وعود بالمنّ والسلوى، والارتقاء إلى حدائق بابل المعلّقة، جاءت وعود حكومة د. عمر الرزاز، تمهيدا لإقرار قانون الموازنة المرتقب، حيث كثر الحديث عن التحفيز الإقتصادي، ونمو الإيرادات، ورسملة النفقات، والأهم من هذا كلّه، التأكيد على مبدأ: لا ضرائب أو رسوم جديدة في العام 2020.
وزير الماليّة، د. محمد العسعس، علّق جرس الإيذان بالاستنفار الحكومي، من أجل التغيير المنشود، عبر تصريحاته التي قال فيها حرفيّا: "لا إملاءات خارجيّة علينا"، في إشارته إلى العلاقة التي تربط الأردن بصندوق النقد الدولي.
الحكومة تعلن اليوم أنّها لن تعيش في جلباب صندوق النقد.. موقف لا يمكن إلاّ الإشادة به وتثمينه، فهذا جوهر المطالب الشعبيّة المنادية بالتغيير الإقتصادي، والخروج من دائرة التبعيّة المقيتة، التي دفع ثمنها الفقراء، وأبناء الحرّاثين.
بعيدا عن خطاب العدميّة، التي لا يرى الضوء في نهاية نفق الوعود الرسميّة، يسجّل للحكومة أنّها فعلا بدأت باتّخاذ خطوة جريئة، عبر إلغاء ودمج بعض المؤسّسات المستقلّة، المستنزفة للخزينة، دون عوائد ترجى، كما أنّها تعهّدت بالمضي في عمليّات الدمج، بالتوازي مع عمليّة إزالة التشوّهات الإقتصاديّة.
ولكن الحديث حول الخروج عن وصاية صندوق النقد حكاية أخرى، تعكس رفع سقف الأهداف المتعلّقة بالإصلاح والتغيير، إلى مستوى جديد، يليق بحجم الطموح الشعبي.. فهل فعلا يملك الدوّار الرابع الإرادة الكافية لتحقيق هذا الإستقلال الإقتصادي؟
فيما يتعلّق بأمل التوقّف عن سياسة صبّ الزيت على نار ضريبة المبيعات، قال العسعس إنه سيكون هنالك تخفيض "جزئي"، و"بسيط"، في ضريبة المبيعات المفروضة على السلع الأساسيّة.. بصراحة "جزئي وبسيط" مفردتان تعكسان حبوة باتّجاه التغيير، وليس قفزة في فضاءات التحرّر من السياسات الإقتصاديّة المنحازة ضدّ الغلابى.
أمّا اللافت في تلك التصريحات فكان إشارة وزير الماليّة إلى أنّ الإيرادات المحليّة حقّقت نموا بنسبة 10.4% مقارنة بالعام 2019، لترفد الخزينة بـ 733 مليون دينار إضافيّة. بما أن الموازنة المنتظرة اعتمدت نفس قيمة المنح للعام الماضي، فإن هذه الزيادة في الإيرادات تعكس ما حقّقته الإيرادات الضريبيّة من ملايين اعتصرت معظمها من ضريبة المبيعات.
كما أن العسعس ذكر أن العجز في الموازنة المرتقبة يبلغ 1.247 مليار دينار، بعد المنح، أيّ أنّه تجاوز العجز الوارد في أرقام القانون الذي كان قد أعدّ لإقرار الموازنة السابقة، فهل فعلا تحقّق هذا التراجع بفضل الخروج عن إملاءات صندوق النقد الدولي؟
ومن أهمّ ما أورده الوزير في تصريحاته أن الموازنة ستشهد نموّا للإيرادات من ضريبة المبيعات بحوالي 591 مليون دينار. قد يفسّر هذا قليلا سبب عدم حاجة الحكومة لفرض ضرائب جديدة!
وعودة إلى محاولة التفاؤل لا بد من الإشارة إلى أن تلك التصريحات أوردت زيادة الإنفاق الرأسمالي بنسبة 33%، مقارنة بإعادة تقدير موازنة العام 2019، وأن رفع رواتب العاملين في القطاع العام تمّ في موازاته تخفيض النفقات الجارية.. هذه بداية مبشّرة بالخير. زيادة الإنفاق الرأسمالي مقابل تخفيض النفقات الجارية من شأنه فعلا تحقيق التحفيز الإقتصادي، وهذا كان أيضا مطلبا ملحّا طيلة السنوات الماضية.
خلاصة التصريحات الرسميّة تؤكّد وجود يقظة فيما يتعلّق بالنفقات، ولكن ما ورد حول العمل جديّا على الخلاص من معضلة ضريبة الدخل مازال يحتاج إلى المزيد من التوضيح. عدم فرض ضرائب جديدة على المبيعات لا يكفي لتحقيق العدالة الإجتماعيّة، والمطلوب رفد الخزينة بحصّة الأسد من الإيرادات عبر سياسة ضريبيّة عادلة، يتحمّلها أصحاب النفوذ والثروات والمؤسّسات الماليّة الكبرى.
والتحرّر الحقيقي من إملاءات المؤسّسات الماليّة الدوليّة يجب أن ستند إلى تفعيل الإنتاج المحلّي، والتوقّف عن استهداف القطاعات الإنتاجيّة الوطنيّة بسياسات البيع والخصخصة. على أيّة حال ما ورد من تصريحات يبشّر بقطرة نأمل أن تكون أوّل غيث الإصلاح والتغيير.