jo24_banner
jo24_banner

أسباب الفقر

جمال الطاهات
جو 24 :

هذا العنوان مضلل، إذ إن المقاربة السببية في محاولة فهم «ظاهرة الفقر» تنطلق من فرضية وجود مسؤول عنها لتحميله وزرها، كما أنها تخفي فرص البحث عن طرق الخلاص من الفقر كظاهرة اجتماعية اقتصادية. كما أن تعلق الظاهرة بالشروط الاجتماعية للانتاج تربطها بإحدى عاملين: الأول حرمان المنتجين من نصيبهم العادل من الانتاج، وتم تصحيحه بالثورة الاشتراكية ودولة الرفاه. والثاني عدم توفر فرصة لزيادة لانتاج.
إن الفقر متعلق بالأساس «بفرص» انتاج الثروة ونصيب المنتجين منها. ولما كانت الثروة تنمو وتزداد بالعمل، لم يعد الفقر في المجتمعات الحديثة لعنة أبدية كما وصفه الشاعر الإنجليزي «وليم بليك»: «في كل ليل وكل ضحى... البعض للبؤس يولدون». والتاريخ أثبت أن تشاؤومه لم يكن بمحله. فالشروط الاجتماعية والتكنولوجية للانتاج لا تتعلق فقط بالمنتجين الموجودين الآن، ولكن بالفرص المتاحة للجميع لينخرطوا بانتاج سلع وخدمات جديدة.
كما أن العلاقة السببية تفتقر للموضوعية الحاسمة. فالقول مثلاً بأن المرض والجهل سبب للفقر، يتضمن فرضية أن كل الأصحاء المتعلمين غير فقراء. مقولة إن اعاقة البعض الجسدية او العقلية أو النفسية، او جهلهم، (مسؤولة) عن فقرهم، تكون صحيحة فقط إذا كان كل من لا يعاني من هذه الإعاقات، غير فقير. تعميم بعض الشواهد من الفقراء الذين يعانون من اعاقات، هدفه تحميل الفقراء مسؤولية فقرهم، وتجاهل فرص التخلص من الفقر، وهو فوق ذلك تعسف معرفي يخفي حقيقة ارتباط الفقر بالشروط العامة للانتاج. إن الفقر منتج لشروط الانتاج وليس بخصائص الفقراء. وهذا ما يتبناه البنك الدولي بطرح عنوان: «ما وراء الفقر المالي»، لاكتشاف علاقة الفقر بالشروط الاجتماعية للانتاج.
البحث في الشروط الاجتماعية للانتاج، هو الذي يمكن من عدم الوقوع في مصيدة التفسير التعسفي للفقر وربطه بعلاقة سببية. فالقول بأن السياسات المالية هي المسؤولة عن الفقر، فيه تسطيح لفهم السياسات المالية. كما أن القول بأن قانون ما مسؤول عن ظاهرة الفقر، فيه استعجال بفهم ديناميكا ظهور القوانين وانفاذها. كما أن التمسك بمفهوم «الشروط الاجتماعية للانتاج»، دون تعريف هذه الشروط وكيفية التحكم بها، يضعنا مكتوفي الأيدي وبحالة عجز في مواجهة الفقر.
الشروط الاجتماعية للانتاج تتألف من مثلث ركنه الاول التكنولوجيا التي يتم تطويعها للعمل ضمن بيئة وشروط الانتاج، وهذه يتم إدارتها من خلال الرواد ومراكز البحث والتطوير. والثاني البنية المؤسسية للعلاقات الاجتماعية ومدى انسجامها مع التكنولوجيا المتاحة، وتنظيم العمليات الانتاجية، وهذه يتم تطويرها بالتفاعل المتوازن بين عناصرالانتاج. والثالث، الدور الاقتصادي للحكومة وقدرتها على الربط الفعال لكل فرد بسوق وطنية محمية من منظومة تمويل فاحشة. فمثلاً، من لديه الآن دخل خمسة آلاف دينار سنوياً، ولكنه محروم من نقل عام رخيص، وممنوع من استثمار التكنولوجيا التي تتيح له الحصول على طاقة رخيصة، ولا توجد له ولأسرته خدمات صحية، ويتحمل أعباء العناية بأقارب كبار بالسن، او عاجزين، هو فقير. ولكن شخص لديه ذات الدخل، متاح له خدمات نقل وصحة وتعليم ومياه صحية وطاقة، وبأمكانه استخدام التكنولوجيا بشروط ملائمة، فهو بالتأكيد ليس فقيراً.
تحرير فهم الفقر من منطق السببية، والتعامل معه من خلال «الشروط الاجتماية للانتاج»، ضرورة للسيطرة عليه والتخلص منه، وتحويله من شبح لا يمكن فهمه إلى حالة متعينة (مشخصة). إن مضمون عبارة الإمام علي كرم الله وجهه «لو كان الفقر رجلاً لقتلته»، تؤكد أن مهمة الدولة: قتل الفقر وليس التعايش معه. ربط الفقر بالشروط الاجتماعية للانتاج تحوله كظاهرة من غول يبتلع مواردنا البشرية إلى قزم.

تابعو الأردن 24 على google news