معاملة حكومية
راجعت بالاسبوعين الماضيين عدة دوائر حكومية للاطلاع عن كثب وقرب على مشاهد مفارقات ومشاهد ساخرة وطريفة في بعض الادارات الحكومية. الجولات المتفرقة خلفت صورا او انطباعات عن المؤسسات والموظفين كنت اتمنى لو اني لم ارها في البيروقراط الاردني، ولكن ثمة ضرورة لنقلها من باب وجوب الاصلاح والتنبه الى مكامن الخلل العنيف والعميق.
في إحدى الدوائر مواطنون يتقدمون للحصول على براءة ذمة، الموظف يطلب منهم التقدم من خلال خدمة الحكومة الاكترونية، وليس المشكلة هنا ذهبنا الى شباك الخدمة الالكترونية الكهرباء مقطوعة انتظرنا عودة التيار الكهربائي فاذا الموظف يبلغنا ان النت انقطع.
على عتبة الخدمة الالكترونية بقينا أكثر من ساعتين ننتظر الفرج من عمو «جوجل وياهو». وبالصدفة التقيت بتاجر يجري معاملة، قال لي: والله من اسبوعين وانا رايح جاي بين عدة دوائر. الرجل ستيني العمر من شدة الالم دخن خمس سيجارات وراء بعض وشرب فنجانين قهوة، واخذ كومة حبوب مخدر ومهدئ.
واسدل علي الحاج نصيحة عندما عرف اني صحفي بالذهاب الى دائرة أخرى والتجوال هناك للاطلاع على واقع اداري صاخب بمعاناة المراجعين. وقد استجبت للنصحية، بصراحة لم افهم حتى الان كيف تسكت الحكومة عما يجري في ادارات عامة حيوية؟
ترهل ومحسوبيات، وشغل على الواسطات، ومعاملات متراكمة على الادارج والمكاتب وبعضها بملايين الدنانير، وينتظر لفتة من موظف لتمشي في الاجراء الاداري التراتيبي.
ولا اسهل من اختفاء ملف معاملة، وان ترمى في سلة المهملات. ومن ليس عنده واسطة حقه ودوره مهضوم. عبارة كثير ما نسمعها، وهي ثقيلة على المسامع وجارحة، وما كان بيوم من الايام البيروقراط الاردني مصاب بهذه التشوهات والامراض. واذا ما عندك ظهر دورك على ظهر.
احدى المعاملات بحاجة الى مراجعة دائرة أخرى نصحني أن ارافقه ذهبنا معا. الموظفة خلف الكانتور تلعب على الموبايل ومشتبكة على الواتس اب مع مجموعات من كثرة الرسائل ورناتها التلفون كاد ان يقع من يديها. طلب منها النظر في المعاملة لمعرفة ما هو الاجراء الاداري المطلوب، وبقيت لخمس دقائق حتى استجابت.
دفعتنا الى مكتب اخر، سألنا عن الموظف قالوا انه يتوضأ لصلاة الظهر. بقينا ننتظر نصف ساعة لما حضرته خلص الصلاة وعاد الى مكتبه. جلس على الكرسي خلف المكتب وبقي لخمس دقائق يتمتم بادعية غير مسموعة، قال لي رفيقي يمكن انه يدعو علينا؟!
وبعد طول الانتظار امسك بالمعاملة، وقال: ليست من اختصاصه. وذهبنا الى مكتب اخر، الجالس يبدو عليه انه مسؤول امامه لوحة خشبية مكتوب عليها اسمه من اربع مقاطع، مشغول في الكاميرات يعمل زووم على المراجعين يسرق وجوهم واجسادهم. وبعد أن تنحنحت مرتين التفت جنابه الى وجود مراجعين في مكتبه، نظر الي وقال ماذا تريدون أعطاه الرجل المعاملة وتطلع بها لدقائق، وقال راجعوا يوم الاحد بكون أحسن وانسب، ودون ان يبدي سببا ومبررا للتأجيل.معاملة بسيطة كلفت من الوقت اسبوعين. فما بالكم في معاملات اخرى!.الدستور