خصخصة
فارس الحباشنة
جو 24 :
اذا ما فتشت في المزاج العام فان الخصخصة من أكثر الكلمات في معجم الاردنيين تثير رعبا وغضبا. شعبيا الخصخصة لا رصيد لها، وكل محاولات تسويق هذا الخيار قوبل بسخط شعبي.
اللهم «قلة قليلة» تدافع عن الخصخصة، وقلة من منظري سياسة الانفتاح الاقتصادي ومن موظفي المؤسسات المالية الكلاسيكية «البنك الدولي والصندوق الدولي».
و للامانة فان هناك وزراء سابقين سياسيين وتكنوقراط كانوا في لحظة شركاء في قرارات لخصخصة اصول دولة وخدمات عامة الا أنهم راجعوا مواقفهم، دعوا الى مراجعات وطنية لاعادة تقييم خيار الخصخصة ومدى نجاعة التجربة الاردنية.
ولو اجرينا فحصا حسيا لردود فعل الاردنيين فان كلمة خصخصة من متلازماتها السريعة شبهات فساد وهدر للمال العام، وخوف من الاجنبي. ولربما أن الخوف من الخصخصة مربوط وجدانيا في حب الاردنيين لوطنهم، وخوفهم على هويته وتاريخه، ولانهم شركاء في البناء الوطني، يخافون أن تندثر وتمحو مؤسسات الدولة.
الخصخصة في التجربة الاردنية لربما اختلفت عن تجارب عربية واممية. فالمسألة تعدت حدود بيع موجودات وهيمنة على العقلية التي تدير الملف التنموي. فالاخيرة عقلية تفكر بالارقام لا الحس الاجتماعي -الاقتصادي مما ادى الى فشل السياسة التنموية.
شعبيا، الخصخصة تحولت الى سؤال مشبوه، ولم تغب عن مطالب الحراكات والقوى الاصلاحية الشعبية والمجتمعية. ولربما أن الفقر وازدياد اعداد العاطلين عن العمل، والفجوة الطبقية في الاعوام الاخيرة أدت الى زيادة السخط الشعبي ازاء الخصخصة ومنظريها.
الخصخصة راكمت تشوهات في الاقتصاد الاردني، عجز بالميزانية غير مسبوق في تاريخ المملكة، ومديونية باهظة، وضعف اصاب اهم الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة، وارقام ومعدلات مرعبة للفقر والعاطلين عن العمل.
موقفي من الخصخصة وكما كثيرون ليس ضد الفكرة بصورها ونموذجها في الاقتصاديات الرأسمالية، ولكن ضد تطبيقاتها. وخلفت ما خلفت من اسئلة كثيرة عن المال العام وشبهات فساد وملابسات اخرى ما أن تنطق كلمة خصخصة حتى تتدافع على ألسنة الاردنيين دون مواربة.
سياسيا، ثمة ما يستوجب التنبه لتبني سياسات اقتصادية وطنية تحمي الاردنيين من الفقر الفاحش والجوع والعوز، وتؤمن تنمية متوازنة وعادلة في الاطراف، وتجفف منابع التوتر الاجتماعي والشعبي. وطبعا هذا ما يعطي الاردنيين ثقة بدولتهم وهويتهم ووطنهم ومستقبلهم أيضا.