التلوث البيئي .. مأساة لا متناهية تهدد حياة الإنسان
كتبت-سلام الخطيب
تنص مواثيق ومعاهدات دولية عديدة على حق الإنسان في العيش ضمن بيئة سليمة نظيفة يستطيع من خلالها استغلال الموارد المتاحة لتحقيق أكبر قدر من المتعة الذاتية والتنمية الشخصية، لتخلص إلى أن على الدولة توفير جميع الخيارات اللازمة لذلك.
لكن ما يشهده الواقع اليوم، يحمل في طياته كوارث، أخطر مما يتخيله البشر، فالبيئة التي يعيش فيها الإنسان تنعدم فيها أوجه السلامة البيئية كافة، بحسب خبراء ومختصين، يشيرون إلى المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على أن "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه "، ما يتوجب على الدولة توفير الدعم اللازم للحفاظ على البيئة بكافة الأشكال.
كما ورد في المادة (25) من نفس الإعلان أن "لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك العناية الطبية والتغذية والمسكن والملبس والخدمات الاجتماعية اللازمة ، (...) وغيرها من وسائل العيش"، ما يتطلب، وفقا لخبراء ومختصين، توفير بيئة سليمة متوازنة تضمن للإنسان التمتع بمعيشته، بعيداً عن مخاطر التلوث التي تؤثر سلبا على كل مناحي الحياة.
أسر تعاني يوميا من مشكلة التلوث
يشتمل التلوث العديد من الأشكال، التي تبدأ من التلوث بالمخلفات الصناعية، مروراً بالتلوث بالنفايات الصلبة والسائلة والغازية، وانتهاءً بجميع أشكال النفايات الطبية، والتي تؤثر جميعها بصورة سلبية كبيرة على صحة الإنسان بالدرجة الأولى، وعلى كافة عناصر معيشته بالدرجة الثانية.
إلى ذلك، تعاني عائلة أبو سامر، التي تقطن قرب أحد المستشفيات الكائنة في مدينة اربد، أشكال تلوث متعددة يخلفها المستشفى، التي تقول إن مسؤولي النظافة فيها لا يتخلصون من النفايات بالطريقة السليمة، مما يسبب تراكم هذه النفايات عند الحاويات التي تحيط بالمستشفى، وبالتالي تؤثر بشكل مباشر على كل من يجاورها.
ورغم أن لدى أبو سامر العديد من الملاحظات لإدارة المستشفى، إلا أن محاولاته لوقف مسببات التلوث "باءت بالفشل"، كما يقول "فلا إدارة تستجيب ولا موظفين يخلصون في عملهم، ولا حتى بلدية تتخذ الاجراء اللازم للتخلص من نفايات المستشفى" بصورة سليمة.
ويشابه وضع عائلة أبو سامر، حالات عائلات أخرى تتواجد حول محيط المستشفى، وجميعهم يواجهون معاناة متكررة من تجمع النفايات الطبية في حاويات المستشفى بشكل لا يليق به كمكان لعلاج الأمراض.
ومن هؤلاء عائلة أبو مصطفى، الذي يقول إن تكرار تجمع هذه النفايات من شأنه أن يضر بصحة الأفراد، وبالتالي يجب وقف تجميعها، والعمل على تصريفها في أماكن مناسبة، فالنفايات بطبيعة تركيبها تتسبب بالعديد من الأمراض والأوبئة التي من شأنها أن تخل بسائر مكونات النظام البيئي.
وفي ذلك، يشير استشاري الباطنية في إحدى المستشفيات، الدكتور محمد أبو سردانة، إلى أن للنفايات "مضار لا متناهية تؤثر بشكل أو بآخر على سلامة جسد الإنسان مهما كان مصدرها، وهي بطبيعة الحال مكان ملائم لانتشار البكتيريا والفيروسات على مدى واسع، فإذا لم يتم حصرها والتخلص منها في أماكن خاصة، فإن ذلك يسبب العديد من الأمرض كالسحايا وغيرها من الأمراض".
وينوَّه إلى ضرورة اتخاذ التدابير المناسبة من قبل المسؤولين في المستشفيات، وأخذ الحيطة والحذر وعدم تجاهل مثل هذه الأمور، نظراً لما قد تتسبب به من مشكلات يمكن أن تصل إلى آفاق تصعب معها السيطرة عليها.
ومن جانبها، أكدت الناشطة في حقوق الإنسان هيفاء حيدر على حق الإنسان في العيش ضمن جو بيئي صحي، يمكنه من ممارسة حياته اليومية بشكل طبيعي دون أن يكون هناك أي معوق قد يعترضه، كحق طبيعي يتمتع به أي شخص.
وأضافت ان حق الانسان في الحصول على الصحة الجيدة، يتطلب "إيجاد وترسيخ نقاط التقاء بين الحركات البيئية وحركات حقوق الإنسان، نظراً للترابط العضوي بين حق الإنسان في بيئة نظيفة وفي تنمية مستدامة وحقه في العلم والغذاء والمأكل".
موظفون رسميون يقرعون جرس الإنذار
ولم يتردد موظفو بلديات ومديريات بيئية من مختلف مناطق المملكة، من قرع جرس الإنذار وهم يتحدثون عن مخاطر التلوث البيئي، التي أصبحث ماثلة حاليا بأشكالها المتعددة.
ومن هؤلاء إبراهيم عبد العزيز، وهو موظف في إحدى البلديات، والذي قال إن الوضع البيئي في الأردن وصل إلى مستويات غير مطمئن، ومن شأنها أن تعود بالخطر على الانسان أولا، والحياة البيئية ثانيا، حيث تتراكم النفايات والملوثات بشكل متزايد وبجميع أشكالها، ما يهدد حياة الجميع، وهذا يزيد من درجة القلق العام عند الناس.
ووافقه في الرأي محمد العلي، الذي يعمل على إحدى كابسات النفايات في محافظة إربد، حيث قال إن الكابسة "تعمل على وقتها المحدد لها، وتتنقل بين الحاويات المسؤولة عنها، إلا أن الوضع يتراجع إلى الوراء". والسبب في ذلك من وجهة نظره أن "الناس في تزايد، وهذا يزيد من تراكم النفايات، نتيجة الثبات في عدد الكابسات المتنقلة بين المحافظات، وهذا من شانه أن يرفع نسبة الخطر لدرجة قد تقضي على العديد من أشكال الحياة على الأرض، والإنسان كونه جزءاً من الحياة فهو سيكون المستهدف الأول من هذا الخطر".
وفي السياق، أشارت إحدى المهندسات العاملات في مديرية البيئة، إلى أن تزايد الخطر البيئي يقلق الجهات المسؤولة في وزارة البيئة، نظراً لما ستؤول إليه الأحوال مستقبلا،في ظل الواقع القائم حاليا، فـ"البيئة بوصفها مسكن المواطنين، فإن أي تهديد بحقها يمس المواطنين أنفسهم".
ومن جهته، قال مدير مديرية البيئة لمحافظة اربد المهندس خلف العقلة إن "ما تشهده محافظات المملكة بشكل عام، ومحافظة اربد بشكل خاص من ارتفاع ضخم في الملوثات البيئية بجميع أنواعها يعود سببه إلى الأفراد أنفسهم، فالوضع يبدأ من الشخص ذاته قبل انتقاله إلى المجتمع عامة".
ويرى العقلة أن "الكثير من الناس بحاجة إلى توعية مكثفة لمعرفة كيفية المعاملة مع تلك المخلفات، نظرا لما تخلفه من آثار سلبية قد تنعكس بشكل ملحوظ على صحة البيئة، وبالتالي على صحة الإنسان نفسه".
ولفت إلى أن "البلديات بمختلف مواقعها يجب أن تتحمل مسؤولية ذلك، فهي مقصرة نوعا ما في الحفاظ على سلامة البيئة، وكون البيئة مسؤولية الدولة يجب عليها تشديد الرقابة على الجهات المعنية لضمان القيام بدورها على الوجه الأكمل".
ويشار إلى أن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ينص في المادة (12) منه على أن: "تقر الدول الأطراف في هذا العهد يحق لكل إنسان التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمانية والعقلية يمكن بلوغه، وبالتالي يتعين عليها اتخاذ التدابير المناسبة من أجل تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية".
تعددت أشكال الملوثات والنتيجة واحدة!
وتوسعت قائمة الملوثات لتضم تحت مظلتها أشكال جديدة منها التلوث الاشعاعي، الذي تتسبب به التطورات التكنولوجية الهائلة جراء ثورة المعلومات، فباتت التكنولوجيا مسبباً رئيسيا يضاف إلى قائمة المسببات التي تنتهك حق الانسان في العيش ضمن بيئة نظيفة.
ويقول أنس، الذي يعمل في إحدى شركات الاتصال، إنه يعاني في كثير من الأحيان من صداع في رأسه، وقد يصل هذا الصداع ليجعله يأخذ قسطاً مطولاً من الراحة. ومع استمرار ذلك الصداع قرر أن يزور الطبيب ، فما كان رد الطبيب سوى: "عليك أن تتحمل ذلك، فالجلوس المطول بين الأجهزة، والتعرض المباشر للأشعة الصادرة وبشكل متكرر يسبب صداعا ًقد يفقدك صوابك".
وتصف رولا معاناتها، التي دفعتها لأن تستخدم النظارات الطبية نظراً لما عانته من ألم في عينيها نتيجة الجلوس اليومي أمام شاشة الحاسوب، أثناء عملها طيلة ثلاثة أعوام في أحد البنوك.
ويرُد أخصائي الطب العام علي جوارنة على ذلك، مشيرا إلى أن الأشعة التي تبعثها تلك الأجهزة سواء أكانت حواسيب أو هواتف نقالة، هي أشعة تبلغ درجة عالية من الخطورة، والمشكلة هي في الثورة المعلوماتية التي يشهدها العصر والتي يصعب ايجاد بدائل أخرى من شأنها أن تخفف من وطأة المصيبة.
ويشير إلى أن التكولوجيا الحديثة تلعب دوراً كبيراً في تعرض الجسم للعديد من الأمراض التي قد تضر به، فالأشعة المنبعثة عنها تلعب دورا لا بأس به في الإصابة بأنواع السرطانات المختلفة، إضافة إلى ما تسببه من تعب وارهاق وضرر قد يلحق بالعين أو أية أجزاء أخرى من الجسم.
ومن جهته، يبين المحامي في حقوق الإنسان حسين العمري أن "تقصير الدولة في توفير متطلبات الصحة والسلامة العامة، يعتبر واحداً من أبرز المخالفات التي تعود بالضرر على الإنسان، فحق الإنسان في العيش ببيئة نظيفة يعد معياراً يحدد مدى التقارب بين سياسات التنمية والإنسان، وبالتالي فإن هذه التجاوزات هي محصلة علاقة غير متوازنة بين الإنسان والبيئة".
ويلفت إلى أن العديد من المواثيق والمؤتمرات العالمية "تؤكد على ضرورة الحفاظ على حق الانسان وتكريمه، وعدم المساس بأي شيء قد يقلل من مقداره". ويدعو إلى الالتفات لأهمية "احتواء المشكلات البيئية أولا بأول، والعمل على حلها تدريجيا حتى يتوفر للإنسان بيئة صحية تمكنه من اجراء نشاطه اليومي دون أدنى مخاوف".
أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين