لنرسم الأردن!
كنت فخورا جدا بطفل يرسم صورة البترا ويعلقها على رقبته، ويركض فرحا ويدور بها في الشوارع. الوطن ينحت بصورة ليست من ورق انما حبرها من دم.
الطفل مسك ورقة وقلم رصاص واخر ملونا. وبدأ يرسم على ورق ابيض صورا للاردن من مخيلته البريئة والفطرية. وبدا الطفل ايضا يرسم باللون الاسود صورا لشخوص صنفهم لاوعيه البريء بانهم خطر على الاردن، يرسم وجوههم، ومن بعد يقوم بتشطيبها وتلوينها بالالوان الغريبة، ومن ثم يمزق الصورة ويرميها في الحاوية.
نظرت الى الطفل يرسم، والشرار المتوقد يشتعل من عينيه. وكما لو ان الطفل يتخيل وطنا كما يريد هو! وطن من التاريخ.
الطفل لم يكن متهما وهو يتحدث عن الوطن ويرسمه عن الاستثمار وفنادق الخمس نجوم والمناطق التنموية والبنوك والعقارات الضخمة، والمناطق الحرة، والاحياء الراقية، ولا نجوم العلاقات العامة والبزنس، فهو يعرفها جميعا، ولكن ليس هذا الوطن الذي يريد ويحلم.
وليس الوطن صورة فلكورية لمنسف واكياس جميد وسمن بلدي، واحتفال بالخبيزة ، وخبز شراك وطابون. ولا الوطنية تلذذ بتذوق المأكولات والتقاليد الفلكورية، ولبس الشماغ الاحمر المصنوع بالصين العظيم. ولا صور لمطاعم الوجبات السريعة، والاجنبية التي تغزو فضاء المدينة من المركز الى الهوامش الفقيرة والضعيفة والحزينة.
كاد يقول وهو يرسم قضية وطن بصورة. فالوطن كما ينظر اليه الطفل بأنه ابو الحضارات ومهدها، وينظر الى الانباط والمؤابيين والكنعانيين والادوميين، وينظر الى وطن قامت منه حضارات ودول عظيمة في التاريخ القديم.
ولو ان الجميع ينظر الى الوطن كما رسمه طفل جميل اختلط غضبه بابتسامته! كنت اتمنى لو ان صوره تكون مقررا في المنهاج المدرسي والجامعي. الطفل لم يخرج كل مشاعره عن الوطن، بعضها اختفى من باب المواربة وعدم طرح اسئلة ثقيلة. ولكن لربما لا يريدها ان تكون مانعا للاستمتاع في رسم صورة وطن من خياله.
انا واثق من صورة الوطن كما رسمها الطفل المشاغب بان الاردن عنيد في التاريخ والجغرافيا. وان الاردن ايضا مستحيل على المؤامرات وعصي علي تمريرها. الاردن جبهة التحدي والنضال والصمود والصور مجلوبة من التاريخ، ولنحيا بالتاريخ اولا.
