الهدنة الروسية -التركية.. هل تصمد طويلاً؟
الرئيس التركي اردوغان ذهب الى موسكو بحثا عن خلاص، وللخروج من المأزق السوري، الجيش التركي خلال اسابيع من معركة ادلب والشمال السوري تكبد خسائر بشرية كبيرة بين صفوق جنوده.
مفاتيح الحل، وادوات اللعبة في الازمة السورية بايدي الروس. وهي خلاصة استراتيجية غير ملتبسة في متابعة المجريات الاخيرة من الصراع على الساحة السورية الممتد زمنيا من 2010، وتدخلت به اقطاب وقوى واطراف دولية واقليمية.
وليس من شك أن الجيش السوري وحليفه الروسي ربحوا الفصل الاخير من المعركة. والهدنة والتفاهمات الروسية -التركية ثبتت بقوة الانتصار العسكري الذي حققه الجيش السوري، سيطرة على الطريق الدولي حلب-دمشق، وابعاد خطر المسلحين المدعومين من تركيا عن مدينة حلب، وفرض واقع جديد دفع الاتراك للابتعاد عن التفكير عن مشاريع وسيناريوهات كثيرة كانت انقرة تروج لحسمها كخيارات فاصلة ومصيرية في الازمة السورية ومنها مثلا، خيار المنطقة الامنة التي يطالب بها اردوغان لجمع اللاجئين بها.
صرخات اردوغان المدوية وصلت الى مسامع الامريكان، وذلك في طلب العون والاسناد والدعم العسكري واللوجيستي في حرب ادلب، ولكن يبدو ان واشنطن حقيقة انسحبت من المنطقة الاكثر اضطرابا في العالم. واشنطن كانت هي اللاعب الوحيد في الشرق الاوسط، وكل مفتايح الازمات بين يديها، واليوم لم يجد اردوغان المتورط في حرب ادلب طريقا للخروج من المتاهة السورية الا بالذهاب لموسكو.
الهدنة الروسية -التركية. لا تعني نهاية معركة ادلب. الاتفاق لم يحسم كثيرا من الخلافات بين الطرفين السوري والتركي. وما يبقي المنطقة مرشحة الى معارك جديدة. وقف اطلاق النار كما ورد في البيان الختامي للهدنة لم يشر الى الجهة الراعية والضامنة، وكما ان البيان لم يشر الى الجماعات الارهابية وما هو مصيرها، وغاب عن البيان الاشارة الى المنطقة الامنة التي تطالب تركيا بها، واضافة الى «اتفاق اضنة» الحاضن لمسارات الحل النهائي والسياسي.
اردوغان ذهب الى موسكو مرعوبا، وتحت ضغطين محلي واقليمي ودولي. فالجيش التركي تكبد خسائر هيجت الرأي العام التركي ضده. وبروز اصوات معارصة لاردوغان تتهمه بانه رمى الجيش الى معركة خاسرة وغير وطنية، ورغم صعود نبرة تركية جديدة تطالب بالعودة الى حدود «ميثاق الملي»، وتخويف الرأي العام التركي من عقدة بشار الاسد واعتبار ان الانسحاب من ادلب يعني لاحقا الانسحاب من الاسكندرون.
وخارحيا، لم ينجح اردوغان في خلق حشد ودعم دولي لمعركة ادلب، ورغم استعماله لورقة اللاجئين، وابتزاز الاوروبيين، وفي قضية اللاجئين فان اردوغان بدأ ضعيفا وليس قويا. وكما ان حلف الاطلسي لم يقف الى جانبه، وتركه وحديا في مأزق ادلب، وواشنطن الصديق الاكبر لتركيا لم توافق على ارسال صواريخ باتريوت التي طلبها اردوغان.
ولا ورقة قوة بين يدي اردوغان يمكن ان يلعب بها. عقدة اردوغان في الازمة السورية من بداياتها هي نظام بشار الاسد والاكراد. وفي 2012 كان اردوغان بدعم إقليمي واثق من سيناريو الحسم باسقاط نظام بشار الاسد، وجيش الاخير قد الحق خسائر فادحة في الاتراك في معركة ادلب.
يبدو ان للازمة السورية لعنة، وهي الالعن من كورونا. وشرارها المندلع والمتفاعل قد يحرق اردوغان سياسيا. تركيا في اسوأ ظرفية اقتصادية، وتركيا معزولة ومنبوذة اقليما واوروبيا ودوليا، فلا اردوغان استطاع ان يمد قدميه لاوروبا ولا الى الشرق والمجال الشرق اوسطي.
الهدنة الاخيرة متعثرة في ظل علاقات متشابكة ومتداخلة ومعقدة في المنطقة بين روسيا وتركيا وسورية، ولربما أن سقوطها سيعيد كلمة الفصل والاخيرة الى المعركة والخيار العسكري. وما بعد الهدنة لسنا بصدد تقييم والنظر الى تركيا منفردة، واردوغان بعزلته، ولكن بصدد ماذا يقول الغرب: الحلف الاطلسي وامريكا واوروبا في الازمة السورية، وقالوه ايضا بما يخص تحديات الدور الروسي كلاعب وحيد.