معركة الأردنيين مع الخبز في زمن الكورونا
د.لؤي بواعنة
جو 24 :
كم كان ذلك اليوم (الثلاثاء الأسود) يوما مازوما، وغريبا على الأردنيين، وسلوكياتهم الايجابية التي اعتدنا عليها سابقا. كم كان يوما مخالفا لكل المعايير الصحية المطلوبة منهم في ظل الخوف من انتشار فيروس كارونا. لقد كانت صورة الأردنيين في ذلك اليوم~ المتمثلة بتهافتهم على ربطة الخبز بعد طول انتظار، وحظر دام لمدة ثلاثة أيام ~ صورة سلبية للغاية بالتزاحم على على أبواب البكبات بطوابير تزيد عن مئات الأمتار تارة ،وتضارب وتكسير تارة أخرى، وتكدس وتجمهر تارة ثالثة أمام باصات الأمانة وغيرها من مركبات البلديات المهترئة والمتهالكة والغير صحية في بعضها . لقد عاش الأردنيون يوما أسودا في تاريخهم وقيمهم وسلوكياتهم. لقد كانت مشاهد تقشعر لها الأبدان. مشاهد تعكس كارونة جديدة بامتياز لاسمح الله. مشاهد ضربت الحظر بعرض الحائط. لقد أضاع يوم "الثلاثاء الأسود" جهود الحكومة لأسبوعين فائتين. لقد كانت صورة منفرة اكثر من الكورونا نفسها باسم الجوع والخوف على بطونهم دون الالتفات لصحتهم وأمن مجتمعهم الوطني بعامة. كنا بكارونا وابتلاء من الله فاصبحنا مهددين "لا سمح الله" بكارونا بشرية من صنع ايدينا أيضا، وبسوء إدارة بعض وزاراتنا وفي مقدمتها البلديات،وأمانة عمان الكبرى. ووزارة والصناعة والتجارة. والعمل في بعض منها.
إن ما شاهده الأردنيون في هذا اليوم
" ثلاثاء الخبز "يذكرنا بل ويعكس في اذهاننا صورتين متفاوتتين ومتغايرتين للأردنيين في التعامل مع أزمة كورونا. الأولى: تلك الصورة الناصعة التي نسجها جندي أردني نشمي من جنود ابي الحسين تعكس ولائه وانتمائه وحرصه على الأمن الوطني الأردني عندما سأل من يتقدمه رتبة " بردان سيدي "فيجيبه مرؤوسه "كله من أجل الوطن، وفداء ابو حسين". وفي صورة أخرى بتقديم جندي آخر ارزاقه من خبز لامرأة خرجت تبحث عن خبز لاولادها في ظل حظر التجوال في يومه الثاني. وباخر يضع فلذته العسكرية ليدفئ امرأة طاعنة بالسن خرجت كاسرة الحظر لترى ابنتها وقام بواجبه بايصالها لبيت ابنتها.انها اخلاق النشامى الأردنيين،الذين دافعوا عن القدس و الذين لا يعرفون الا الانتماء للارض والتراب الاردني الطهور والولاء للهاشميين. . وفي المقابل نجد المشهد الآخر القاتم والمحزن في الوقت نفسه والذي عبر عنه بعض الأردنيون بتهافتهم على الخبز يوم الثلاثاء الأسود بارتال وطوابير محزنة ومزعجة في بعض الأوقات بتخالطها وتزاحمها غير ابهة بعدوى او غيرها ، والتي عكست انحدارا في سلوكهم وفكرهم وثقافتهم وتعاضدهم ورفضهم رفضا قاطعا لبعض مباديء عقيدتنا السماوية السمحةوقيمنا الدينية بالحفاظ على النفس والمجتمع لقوله عزوجل "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما".
ما تم القيام به من قبل بعض الأردنيين البارحة من " أجل لقمة الخبز" مرفوض رفضا قاطعا بغض النظرعن الذرائع والأسباب، ان كانت مبررة ام لا، وبغض النظر عن الأخطاء المرتكبة من قبل الوزارات المعنية وفي مقدمتهم وزارة الإدارة المحلية وأمانة عمان الكبرى .ولكن ما أفهمه ويفهمه كل العقلاء والحريصين على سلامة الأردنيين،وفي مقدمتهم أجهزة الدولةكاملة،واجراءاتها الأخيرة المتمثلة (بقرار الدفاع ٢) بتطبيق الحظر باشراف القوات المسلحة، لمنع انتشار وباء فيروس كورونا لهم ولعائلاتهم، إنما كان لمصلحتهم،
وما تصرفوه اليوم سعيا في الحصول على خبز لأبنائهم دليلا على سلوك سلبي للغاية، ومؤشرا على عدم وعي البعض. كما ويعكس اشياء تنذر بمجتمع متهالك، لا يقدر على الصبر ولا على النوازل والملمات.
نقدر جهود الحكومة في التعامل مع هذه الأزمة وتضافرجميع الأدوار والتشاركية لجميع المؤسسات الوطنيةوفي مقدمتها القوات المسلحة والاجهزة الأمنية ومركز إدارة الازمات وخلية الأزمة المقدرة على سهرها وحرصها على معالجة الأزمة بحكمة واقتدار للخروج من النفق المظلم وتجاوز المحنة. وعلى الرغم من حجم العمل وتعدد المهام والمسؤوليات وصعوبة الأزمة تعقدها، وانها تجربة جديدة صعب على دول عظمى التعامل معها. ومع ذلك ما يهمنا من هذا اليوم التغذية الراجعة، وتدارك الأخطاء والدروس المستفادة ومن اهمها:نقص الوعي لدى الكثيرين من مواطنينا وتقديمهم رغيف الخبز على صحتهم. الاعتراف بأن جزءا كبيرا من الخطط والمسؤولية وخاصة تلك المتعلقة بالجزء المسند بتوزيع الخبز كانت نظرية اكثر منها عملية وغير مدروسة بشكلها الكافي من خلال اعتمادهم فيها على وزارة الإدارة المحلية "البلديات" وأمانة عمان الكبرى، لأسباب كثيرة منها ضعف كوادرها وحرفيتها وصلابتها بدليل انها لم تحسن التعامل مع الكثير من الكوارث والازمات سابقا ومنها غرق وسط مدينة عمان اكثر من مرة.ولو ترك الامر لجهات أخرى لكان الأمر افضل بكثير. والدرس الثالث الذي يجب أن نتعلمه يكمن في تقصير وزارة الصناعة والتجارة ووزارة العمل ووزارة الإدارة المحلية البلديات سابقا في كثير من مسؤوليتها وواجباتها. الدرس الرابع سيطرة الأنانية والانتقائية والشللية والمحسوبية على عملية توزيع الخبز من قبل البلديات وأمانة عمان. الدرس الخامس وهو ذلك الأمر المتعلق بالصورة المثالية التي رسمتها الحكومة لالية توزيع الخبز ، فقدمت صورة نموذجية للتخطيط والوعود الحالمة لإيصال الخبز للمنازل~ لمنعهم من الخروج والاختلاط، وهي الغاية من الحظر،فكانت الكارثة والأمة الكبرى يوم الثلاثاء بمجيء ذلك بشكل معاكس ومخالف ومغاير تماما ~الأمر الذي قاد المواطنين للقيام بكسر جزئي لحظر التجوال المفروض من قبل القوات المسلحة وذلك بقصد او بغير قصد، بحثا عن ربطة من الخبز أمام المخابز او الشوارع الرئيسية او الحارات او الازقة، لا في بيوتهم كما وعدوا وطلب منهم عدم مغادرتها."خليك ببيتك وخبزك بيجيك لعندك". كما قاد الحظر وإغلاق كل المحال وعدم الخروج لظهور سوق سوداء لبيع الأغذية والدخان وغيرها مستغلين المواطن باسم الحاجة، وهذا لعب دورا في هشاشة الحظر ولو بشكل جزئي.
حمى الله الأردن وقيادته وشعبه بكافة مكوناته وأعانه الله ومتعه بالصبر والتضحية لنتجاوز هذه المحنة التي تعد مقياسا للولاء والانتماء وحب الوطن.
*محلل سياسي