في ذكرى الاستقلال اليوم : نستذكر الأميرعبدالله ومواقفه المعارضة لسياسة الإنجليز
.
لن أتكلم اليوم عن معاني الاستقلال والحفاظ عليه ,بل سأستذكر البناة الأوائل الصناع الحقيقيون للاستقلال, بشواهد عملية لسمو الأمير عبدالله بن الحسين, الذي قام هو ورجالات الأردن وزعمائها في الوقوف سدا منيعا في وجه الإنجليز كلما سنحت الظروف حتى نيل الاستقلال عام 1946م .
مامك أمام المستعمر ومقارعته والوقوق في وجهه . كثيرة هي المواقف التي تبرهن على مواقف الأمير المعارضة للأنجليز . وساستشهد بعدد منها مما ورد في كتاب تيسر ظبيان المربي والصحفي المعروف رئيس تحرير صحبفة الجزيرة عام 1940الصادرة من عمان ,وقد كان أحد مقربي الأمير . وكثرا ما كان الأمير ينشر آراء وتعليقات معادية لسياسة الإنجليز في صحيفته تحت أسم مستعار . ويقول تيسر ظبيان " ولا أذيع سرا الآن ,وقد أنتقل الفقيد إلى دار الخلود , إذا أعلنت بأنه كثيرا ما كان ينشر في جريدتي ( الجزيرة ) بعض المقالات والتعليقات بتواقيع مستعارة ينتقد فيها سياسة الإنكليز ويحملهم تبعية بعض ما كان يصيب الأقطار العربية من محن وأرزاء . ".
وقد سرد تيسر ظبيان في كتابه - الملك عبدالله كما عرفته - وقائع معينة ومواقف مشهودة ,قرأها أو سمعها أو حضرها وكلها تتكلم عن نفسية الملك وما يلج صدره من استياء وتبرم من تلك السياسة ومنها : أنه في عام 1921م عندما جاء خيالة من بني معروف لعمان لتحية رئيس الحكومة رشيد طليع . فضربوا خيامهم في قرية ماركا على مقربة من المقر الأميري . وأثناء ذلك شاهدوا فريقا من الجنود الإنجليز ينصبون خيامهم في ذلك المكان , فأخبر خيالة بني معروف رشيد طليع رئيس الحكومة فأمر باقتلاع خيام الإنجليز عنوة .وعندما وصل النبأ للمعتمد البريطاني ( أبرامون ) حضر للمقر وقابل الملك وعلى رأسه قلنسوة الاحتجاج مستنكرا ذلك العمل . فاستدعى الملك رشيد طليع رئيس الحكومة واستوضح منه الأمر فاعترف بما حدث للملك وقال للملك : كيف يجرؤون على القيام بذلك العمل دون الحصول على إذن مسبق من سموك ,فاقتنع سموه بذلك والتفت للمعتمد البريطاني وإمارات الاستياء ترتسم على وجهه وقال له : إنكم لستم في بلادكم حتى تتصرفوا هذا التصرف وأنا أرفض احتجاجك بشدة وعليك أن تغادرعمان حالا. فاذعن لإرادة الملك وغادر عمان بالفعل .
وفي ذات يوم أستقبل سمو الأمير في قصره وفدا من شيوخ العشائر وأخذوا يتداولون في الوضع الراهن ويعربون عن تذمرهم من تدخل دار الاعتماد البريطانية في شؤون البلاد ,وكان محمد باشا الحسين أحد زعماء عشائر البلقاء أشد هؤلاء الزعماء تحاملا على الإنكليز ,وأقساهم لهجة مع الملك ,وقد طلب من الملك وضع حد لتلك التصرفات الشاذة التي يقدم عليها المعتمد البريطاني فأجابه الملك وعلامات الأسى تلوح في وجهه : إنني معكم يا قوم ,وأشعر بشعوركم وأشاطركم آلامكم ,فإن ممثلهم ركب رأسه ولم يتورع عن التدخل حتى في شؤوني الخاصة وفي الإشراف على نفقات قصري ,ولكن ما العمل ؟ هل تريدون مني أن أعلن عليهم حربا شعواء ,وأشهر السلاح في وجوههم ؟ وهل أنتم على أستعداد إذا ما فعلت ذلك أن تشدوا أزري وتقاتلوا معي حتى النهاية ؟ أم أنتم سوف تتخلون عني كما تخلى العرب عن والدي وتركوه أسيرا في أيدي الإنجليز ؟ فأطرق الجميع واجمين كأن على رؤوسهم الطير ثم أستطرد الملك حديثه قائلا : علينا أن نعالج الأمور بالحكمة وحسن التدبير , فلابد من الاستعداد وتحين الفرص حتى ننال حقوقنا كاملة غير منقوصة بعون الله.
هذه الأمثلة والشواهد الحية والحقيقية وغيرها تعطي صورة مخالفة لما حاول خصوم الأمبر وأعداؤه ومنافسوه من وصفه بأنه صديقا للإنجليز . لم يكن صديقا لهم بقدر ماكان راجح العقل ذا حنكة سياسية تقتضي مداراتهم لأخذ مكاسب يتعذر الحصول عليها بوسائل العنف والمقاومة . فتمكن من خلاها من الحفاظ على إمارة شرق الأردن حتى أصبحت مملكة مستقلة عزيزة قادرة على الصمود في وجه التحديات . رحم الله الملك عبدالله بن الحسين ( المؤسس) وورحم الله رجالات الأردن وزعمائها الذين ما تباطؤوا يوما عن واجبهم في المطالبة بالاستقلال والدفاع عن القضايا العربية . .