محمد قطيشات يكتب: الأصل أن يخدم الدستور الدولة، لا أن تقوم الدولة بخدمة الدستور
جو 24 :
كتب المحامي محمد قطيشات -
تعتبر قاعدة الناسخ و المنسوخ من اهم قواعد تفسير نصوص الدستور، والتي تقضي ان النص اللاحق ينسخ النص السابق (لطفا انظر كتاب القضاء الدستوري بين النظرية والتطبيق للقاضي السابق في المحكمة الدستورية فهد ابو العثم صفحة (٢٩٦).
وحيث أن ما ورد في المادة ١٢٤ من الدستور والتي تعطي لرئيس الوزراء إصدار أوامر دفاع و اتخاذ كافة الإجراءات للحفاظ على امن الدولة قد يناقض ما ورد في المادة ٨٦/١ من الدستور التي تمنع توقيف النواب خلال فترة انعقاد المجلس ، فانني أرى ان المادة ١٢٤ من الدستور تنسخ المادة 86/1 فاعتبار ان اللاحق ينسخ السابق. فتفسير الدستور يقوم على النظر الى النصوص الدستورية باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بحيث لا يفسر اَي نص منها بمعزل عن نصوصه الأخرى . (لطفا انظر كتاب النظرية العامة للقضاء الدستوري للدكتور كامل السعيد صفحة ٢٣٢ وما بعدها)
وعليه لو كان امر الدفاع رقم 3 يجيز توقيف أي شخص حتى لو كان نائبا او عينا لمخالفته قرار حظر التنقل والتجوال ، وتم بالفعل ذلك لما كان هناك أي مخالفة دستورية لانه ينسجم تماما مع نص المادة 124 من الدستور والتي تنسخ نص المادة 86/1 من الدستور.
أما عن حالة النائبين اللذين خالفا قرار حظر التنقل والتجوال هذا اليوم ، فان توقيفهما غير جائز قانونا ليس بسبب عدم جواز توقيفهما خلال فترة انعقاد المجلس عملا بالمادة 86/1 من الدستور ، وانما لان الجريمة المرتكبة وهي مخالفة امر الدفاع رقم ٣ القاضي بحظر التجول لا يجوز التوقيف فيها أصلا كونها ليست من الجرائم التي لا يجوز فيها التوقيف وفقا لنص المادة ١١٤ من قانون أصول المحاكمات الجزائية غير المعطل باي امر من أوامر الدفاع .
حيث نص أمر الدفاع رقم 3 على الآتي:
[ أولا: يعاقب كل من يخالف أمر الدفاع رقم (2) لسنة 2020 بحظر تنقل الأشخاص وتجوالهم في جميع مناطق المملكة ، والبلاغات الصادرة بمقتضاه بالعقوبات التالية:
1. بغرامة لا تقل عن (100) دينار ولا تزيد على (500) دينار اذا كانت المخالفة لأول مرة ، ولا تتم الملاحقة اذا قام المخالف بدفع الحد الأدنى من الغرامة خلال أسبوع من تاريخ وقوع المخالفة.
2. الحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن (100) دينار ولا تزيد على (500) دينار أو العقوبتين معا في حال التكرار.
3. تضبط المركبة المستخدمة أثناء حظر التجول مدة (30) يوما.]
وهذا يعني أن الجريمة المرتكبة هي من نوع المخالفات التي لا يجوز فيها التوقيف أصلا سواء ارتكبها مواطن عادي أم نائب.
اما عن مسألة ضبط المركبة المخالفة لمدة ٣٠ يوم فهذا أمر واجب قانونا ولا يحتاج الى قرار قضائي وانما هو احد إجراءات التحقيق التي يقوم بها المدعي العام باعتبارها رئيسا للضابطة العدلية ولكن مصادرتها تحتاج لقرار قضائي بات ومبرم اذا كان هناك نص قانوني يجيز المصادرة .
اما توقيع عقوبة مالية لا تقل عن ١٠٠ و لا تزيد على ٥٠٠ دينار . فهذا امر يحتاج لحكم قضائي، الا اذا اختار المخالف لامر الدفاع أن يدفع الحد الأدنى للغرامة خلال أسبوع من تاريخ وقوع المخالفة حيث لا تتم الملاحقة في هذه الحالة سندا للفقرة الأولى من البند (أولا) من أمر الدفاع رقم 3.
كما يجب التفرقة في هذا المقام بين ما قامت به الضابطة العدلية من إجراءات بالقبض على النائبين والإحالة للمدعي العام المختص وهي إجراءات صحيحة دستوريا و قانونيا و بين إصدار قرار التوقيف من المدعي العام المختص. وهذا ما لم يتم للان.
وبناء عليه فانني اقترح في حال اصدار أوامر دفاع أخرى تتضمن قواعد موضوعية ( الجريمة والعقوبة) ان يتم الإشارة فيها صراحة الى استثناء فئات محددة مثل أعضاء مجلس الامة، وان القول بان النائب يتمتع بحصانة خلال انعقاد المجلس عملا بالمادة 86 من الدستور لا يستند لصحيح من الدستور، لا بل يتناقض مع نص المادة 124 من الدستور ذاته. والدستور لا يناقض ذاته بل يكمل بعضه.
وهذا النهج ليس بالامر المستهجن او الغريب لان المادة 124 من الدستور جاءت واضحة عندما اشارت الى أنه اذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طوارئ فيصدر قانون باسم قانون الدفاع تعطى بموجبه الصلاحية الى الشخص الذي يعينه القانون لاتخاذ التدابير والاجراءات الضرورية حتى لو كان فيها انتقاص من الحقوق والحريات الدستورية.
فالمادة 4 من قانون الدفاع تضمنت صلاحيات لرئيس الوزراء تخالف نصوص واضحة في الدستور. فمثلا اشارت هذه المادة الى أنه لرئيس الوزراء ممارسة صلاحيات وضع قيود على حرية الاشخاص في الاجتماع والانتقال والاقامة، والقاء القبض على المشتبه بهم او الخطرين على الامن الوطني والنظام العام واعتقالهم. وهذا يخالف المادة 7 من الدستور التي اشارت الى أن الحرية الشخصية مصونة. وكل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون.
ولا يخفى على احد الحكمة والهدف المنشود من المادة 124 من الدستور فغاية الدستور من قانون الدفاع هي مصلحة عليا للدولة هو الحفاظ على بقاءها واستمرار وجودها من خلال الحفاظ على مكوناتها الثلاث واهمها الشعب. حتى لو ترتب على ذلك الانتقاص من بعض الحقوق الدستورية مثل حق النائب في الحصانة . فحماية الدولة من الخطر الجسيم الذي يحيط بها أولى بالرعاية من حقوق فئات معينة مثل حقوق النواب. فالاصل أن يقوم الدستور بخدمة الدولة لا ان تقوم الدولة بخدمة الدستور.