jo24_banner
jo24_banner

ما هكذا تورد الإبل يا "حاج"!!

كمال ميرزا
جو 24 :


الكتاب الموجّه من قبل جمعية رجال الأعمال الأردنيين إلى رئيس الوزراء من أجل التعامل مع التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا هو تأكيد على فكرة أنّ "الرأسمالية" في وجدان ومخيال هذا الزمان ونموذجه الكامن هي "المقدّس" الذي لا "مقدّس" بعده:

الرأسمالية بمقولاتها ومبادئها وقوانينها وديناميكياتها هي الثابت الذي لا يمكن تجاوزه، وهي المعيار الذي لا يمكن تعطيله أو تجميده أو تعديله أو استبداله!!

الكتاب ممهور بتوقيع رئيس الجمعية الأزلي "الحاج" حمدي الطبّاع!!

يا "حاج" مَن قال لك أنّ تجربتنا الاقتصادية في الإسلام لا يوجد فيها سوى النموذج الأموي حيث مظاهر التديّن تحمي المصالح التجارية، أو النموذج العباسي صعودا، حيث الإقطاعيات "الجهادية" العسكرية هي مَن تحمي المصالح التجارية؟!

ما هي مشكلة نموذج "أبو بكر الصدّيق" يا "حاج"، والذي تبرّع بكلّ ماله في كل مرّة استدعى الصالح العام ذلك، ورفض أن يمنح أحدا أي "امتيازات" أو "تسهيلات" على حساب شرع الله ولو كانت "عقال بعير"؟!

ما هي مشكلة نموذج "عمر بن الخطاب" يا "حاج"، هذا الذي تحدّى "مسامير صحن" نظامه وقادة جيوش فتحه من الأشراف وزعماء القبائل والمحاربين في توزيع عوائد الفيء حتى لا تصبح الثروات "دُولة بين الأغنياء" من أبناء الأمّة الواحدة؟!

ما هي مشكلة نموذج "عثمان بن عفّان"، وهو أمويّ أيضا، والذي جهّز جيشا كاملا من حرّ ماله ساعة العُسرة، وتبرّع بقافلة كاملة من شحيح ونادر البضائع ساعة الحاجة، وأوقف بئرا للماء يشرب منها جميع الناس مجانا حتى يومنا هذا؟!

ما هي مشكلة نموذج "علي بن أبي طالب" الذي رفض حتى الرمق الأخير أن يستميل قلوب الناس ويلتمس النُصرة بالمصالح والتنفيعات، وكانت حجّته ومرجعيته دائما "الحق" و"الشرعيّة"، "الحق" و"الشرعيّة" فقط؟!

ما مشكلة هذه النماذج الأربعة يا "حاج"؟!

ولكن معك حق، هذه النماذج الأربعة أثبتت فشلها، "أبو بكر" ارتدّ عليه سواد الناس وعارضه أقرب الناس إليه!!

أمّا الثلاثة الباقون فقد انتهوا مقتولين.. ولا عجب!!

هل نقول تباركت "الرأسمالية" يا "حاج"؟!

تباركت "رأسمالية" بني أميّة وبني العباس صعودا حتى يومنا هذا!!

حيث التجارة والسلطة والعسكرتاريا تتزاوج تحت شرعيّة دين السلاطين!!

وحيث لسان حال هؤلاء الذين سيفوزون بزَعمهم بخير الدنيا والآخرة:

"قال إنّما أُوتيته على علم عندي"..

"ولئن رُددتُ إلى ربّي لأجدّن خيرا منها منقلبا"..

"ليس علينا في الأمّيّين سبيل"!!

كنّا نتمنى لو نستطيع القول لكثير من رجال الأعمال وأرباب المال ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لـ "صهيب الروميّ":

"ربح البيع أبا يحيى"!!

ولكنّنا لا نرى حال كثيرهم هذه الأيام إلا كحال أصحاب الجنّة:

"فتنادَوا مُصبحين.. أنِ اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين.. فانطلقوا وهم يتخافتون.. أن لا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين"!!

طبعا الله أعلم بالقلوب والسرائر والنيّات، ولكنّنا نذكّر أنفسنا ونذكّر من خلالك يا "حاج" بما نعلمه يقينا مما أخبرنا به ربّ العزّة صراحة في مُحكم قرآنه:

"والذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم"!!

وإذا لم تكن مراكمة الأرصدة والثروات في بنوك الداخل والخارج، وفصل الذمة المالية للشخص عن ذمة شركاته ومشاريعه واستثماراته التي طالما راكم من ورائها الأرباح.. إذا لم يكن ذلك كلّه "كَنزاً" فما هو الكنز يا "حاج"؟!

هل نقول تبارك معدل النمو السنوي، والناتج القومي الإجمالي، ومؤشرات الاقتصاد الكليّ؟!

"فذكّر إن نفعت الذكرى" يا "حاج"!!

وأنت اليوم "راعٍ" ومسؤول عن رعيتك..

وأنت "أبوها وسمّيها"..

فهل نتوقع منك ونتفاؤل بك كتابا لاحقا موجّها لكل ذي ثروة ومال، ولكل صاحب سلطة وقرار؟!

هو حقٌّ "معلوم و"غير معلوم" يتعدّى حدود الزكاة والصدقة والتبرّع، وهو ليس كرما أو منيّة أو فضل!!

"ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون"..

و"العفو" ما عفا وزاد عن الحاجة الأساسية، وعفو أصحاب الملايين والمليارات هي أيضا ملايين ومليارات يا "حاج"!!

مرّة أخرى، "وذكّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين"..


واعتذر عن مخاطبتك بـ "حاج"، ولكن ظّني أن مثلك يفضّل أن يُنادى بحاج بدلا من لقب "معاليك" أو غيرها من ألقاب الدنيا الزائلة!!
 
تابعو الأردن 24 على google news