jo24_banner
jo24_banner

طوفان الأقصى: الوجع.. والوجع المضاد!

كمال ميرزا
جو 24 :
 

من الأقوال العربيّة المأثورة: إذا أطعمتَ فأشبِع.. وإذا ضربتَ فأوجِع!

الشقّ الأول من هذا القول يصلح للأنظمة والمنظّمات التي تختبئ وراء جهود الإغاثة الاستعراضيّة في غزّة.. ولكن هذا سياق آخر للكلام!

أمّا الشقّ الثاني الذي يعنينا فهو نقيض لكلّ الهراء المتعلّق بالمفاوضات العبثيّة والحراك القانونيّ و"الجهاد الدبلوماسيّ" والمجتمع الدوليّ والشرعيّة الدوليّة.. بكونه يلخّص المعادلة الوحيدة التي يمكن أن تجبر العدو - أي عدو - على الرضوخ والموافقة والالتزام، وهي المعادلة التي سبق لأبطال المقاومة "السنوار" والضيف" و"نصر الله" وسائر الشهداء أن صكّوها بأرواحهم الطاهرة ودمائهم الزكيّة: نقطة بنقطة.. وضربة بضربة.. ووجع بوجع.. وقَرْح بقرح!

ولكن للأسف هنا مكمن المعضلة؛ ما يوجعنا نحن هو غير ما يوجع هذا العدو الخسيس!

نحن يوجعنا البشر، يوجعنا الإنسان، يوجعنا الدم الذي لا يصبح ماءً، والظفر "إللي ما بطلع من اللحم".. لذا فإنّ العدو بخسّته ونذالته وقذارته يصرّ على ضربنا هنا، وابتزازنا هنا، واستنزاف عواطفنا ومشاعرنا هنا!

في المقابل فإنّ هذا العدو لا يعنيه البشر، ولا يوجعه الإنسان، ولا يبالي لو قُتل مَن في الأرض جميعاً بما في ذلك أسراه وجنوده ومواطنيه!

هذا العدو لا توجعه إلّا النقود.. لا توجعه إلّا المادة.. لا توجعه إلّا المصالح.. لا توجعه إلا آبار النفط وأنابيب الغاز وخطوط الطاقة.. لا توجعه إلّا سلاسل التزويد وأسواق المنتجات.. لا توجعه إلّا استثماراته ومشاريعه وقروضه وخدمة ديونه التي تغذّي لديه شهواته الهَوَسيّة: شهوة الكسب ومراكمة الفائض بلا حدود.. وشهوة التحكّم والسيطرة بلا حدود.. وشهوة الغطرسة وتأليه الذات بلا حدود.. وشهوة "الخلد والملك الذي لا يبلى".. وشهوة إقامة "الفردوس" الموعود أو "صهيون" الموعودة الآن وهنا على الأرض وعدم انتظار جنّة السماء!

هنا مثلاً يكمن سرّ الهجمة الشرسة التي شنّها العدو وزبانيته وأذنابه منذ بدايات "طوفان الأقصى" على أشكالٍ للحراك الشعبيّ مثل "المقاطعة" و"الإضراب العام"، والعمل على شيطنتها، والتلويح بالهراوة والقبضة الحديديّة في وجه كلّ من تسوّل له نفسه الدعوة إليها والتحريض عليها.. لماذا؟ لأنّها أساليب مؤثّرة حقاً وتضرب العدو وأعوانه حيث يوجعهم حقّاً!

وهنا مثلاً يكمن سرّ الأثر الكبير وقلب الموازيين الذي أحدثه إخوة الصدق اليمنيّيون، رغم محدودية المواجهة وكثافة النيران على جبهتهم قياساً بجبهات أخرى.. لماذا؟ لأنّهم بالحصار الذي فرضوه قد ضربوا العدو في مقتل حقيقيّ وحيث يوجعه حقّاً!

وهنا مثلاً يكمن سرّ ذعر العدو الصهيونيّ من المواجهة التي ابتدأها هو مع إيران، وتوسّله بأمريكا والوسطاء من أجل وقف إطلاق النار بعد 12 يوماً من المواجهة.. لماذا؟ لأنّ إيران بتوسيعها دائرة استهدافها، وبدئها بضرب بنى العدو الاقتصاديّة والصناعيّة والتكنولوجيّة قد أصابته حيث يوجعه حقّاً!

وهنا مثلاً يكمن سرّ تحوّل "إرهابيّي" الأمس إلى "ثوّار" و"فاتحي" اليوم وحكّامه "الشرعيّين": لأنّهم قبلوا أن يُوقّعوا ويبيعوا ويُطوّبوا!

وفي المقابل، هنا يكمن سرّ قوّة العدو وعلوّه في الأرض؛ أنّه جعل أفئدة الجميع تهوي إليه، الأعراب قبل الأعاجم، والمؤمنين قبل الكافرين.. يهوون إليه، ويَصْبون إلى فردوسه وصهيونه، ويُمنّون أنفسهم أن ينالهم ولو الفتات على مائدة مشاريعه واستثماراته و"إزدهاره" و"رخائه" و"سلامه الاقتصاديّ"!

وهذا هو سر تعلّق الأنظمة العربيّة والإسلاميّة بالعدو على حساب الدين والمروءة والأخلاق ومستقبل دولهم ومصير أوطانهم..

وهذا هو سرّ تعلّق النخب الحاكمة العربيّة والإسلاميّة بالعدو على حساب الشعوب والأكثريّة..

وهذا هو سرّ الصفقات الكبرى التي نسمع بها وسط القتل والدمار والدماء..

وهذا هو سرّ الإصرار العجيب على استمرار العلاقات والتبادل التجاريّ مع العدو رغم كلّ شيء..

وهذا هو سرّ الإصرار على الفصل الوقح والصفيق بين ما هو سياسيّ وما هو اقتصاديّ، وجعل الاقتصاديّ هو المطلق والثابت والمرجعيّة النهائيّة المهيمنة على كلّ شيء حتى على "الله" وشرع الله!

نعم، هناك بشر يموتون ويبادون فقط من أجل أسعار الصرف وأسعار الفائدة و"النمو الخطيّ" وأسعار الافتتاح وأسعار الإغلاق والاستئثار بالموارد والممرات والمعابر..

وهناك دول تُدمّر ومجتمعات تُمزّق وأوطان تُباع فقط لأنّ هناك فاسداً ما يريد أن يتنعّم بالأبهة والامتيازات الوظيفيّة التي يمنحه إيّاها لعب دور "العميل" و"الوكيل" و"السمسار" لحساب "رأس المال" الشرس و"الصناديق السياديّة" المتجاوزة للدول والشركات العابرة للقارّات والقوميّات والضمائر.. ولأنّه يريد أن يراكم الثروات له ولذرّيته وبطانته في حسابات سريّة آمنة وملاذات ضريبيّة نائية يضمن بها تقاعداً مريحاً في حال حانت اللحظة لأن يحمل شنطة سفره ويغادر!

هؤلاء جميعاً "ملّة واحدة"، وهؤلاء جميعاً "صهاينة" من حيث الجوهر والمضمون و"النموذج الكامن" بغض النظر عن اختلاف أسمائهم وسحنهم وجنسيّاتهم وقشور تديّنهم الظاهريّ.. صهاينة لا يؤلمهم البشر ولا يعنيهم البشر إلّا بمقدار ما أنّهم مجرد "غوييم" أو "حيوانات بشريّة" أو "مادة استعماليّة" مسخّرة من أجلهم ولا ضير من التخلّص منها عند الضرورة!

غابة دارونيّة نيتشويّة لا كرامة ولا حُرمة فيها لإنسان بما هو إنسان رغم كلّ هراء "الحضارة" و"الشرعة الدوليّة" و"حقوق الإنسان"!

المصالح والنقود، هذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها هؤلاء، وهنا يجب أن يضربهم مَن يريد أن يضربهم، وهنا يجب أن يستهدفهم مَن يريد أن يستهدفهم؛ بكون هذا هو مكمن قوّتهم ومقتلهم في آن واحد، وبكونها الوسيلة الوحيدة لإيلامهم حقّاً وإفشال كيدهم ومخططاتهم وجعلهم "يشعرون بالحامي"، وبكونها الورقة التفاوضيّة الوحيدة التي يمكن أن تجعلهم يستجيبون وينصاعون صاغرين.. وما دون ذلك فإنّ شيئاً لا يمكن أن يردعهم ويضطرهم للتراجع أو حتى تخفيف الوطأ قليلاً طالما أنّ الثمن الوحيد الذي يُدفع هو مجرد بشر يقتلون بشراً، وبشر يصفّون بشراً، وبشر يُنكّلون ببشر!

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير