جيشنا ملاذنا
د.لؤي بواعنة
جو 24 :
مهما قيل فيك أيها الجيش العربي الأردني ، وانتي أيتها الأجهزة الأمنية، فلن نفيكم حقكم. انتم من تعملون بصمت في كل الظروف سواء في برد، اوحر، اوثلج، ووباء وزلازل ونيران وغيره. انتم من تضربون مثلا دامغا ودرسا ناصعا في الوطنية والانتماء، بما تعملونه فداء للوطن، وبما تقومون به بتلبيتكم لواجب الوطن المقدس وقت النداء بتضحيتكم من أجله وقت السلم والحرب وعندما تداهمنا النكبات والكوارث. انك الجيش الذي عشناه وعايشناه. وانا كغيري من أبناء الوطن الكثيرين، يكفينا شرفا اننا من أسر عسكرية كباقي الأسر الأردنية العريضة .كم انا فخور بك أيها الجيش وانا اعرض بعض هذه السطور عن ثباتك على العهد وبطولاتك وتضحياتك الانسانية في النكبات والكوارث التي تعترض الوطن وأهله. إن أجمل ما فيك أيها الجيش انك ثابت مرابط على العهد والوفاء دائم. أيها الجيش الوحيد الذي لم تغير ولم تبدل، باق على العهد، في كل الأوقات والازمات وان تنوعت المهام، من عهد الإمارة في عهد عبدالله الأول حتى عهد عبدالله الثاني. فكلما احتاجتك الدولة وقت ازماتها ونكباتها وكوارثها، ودورها الانساني كنت ملبيا، بكل حرفية والتزام وانضباط.وما ذلك كله بجديد عليك، لما تكتنزه من الخبرة والكفاية والمهنية العسكرية والامنية والطبية والهندسية واللوجستية.
من يجول ويبعثر أوراق التاريخ الأردني يلتقط بين ثناياه ومذكراته حقيقة ذلك الدور البطولي والانساني لهذا الجيش العربي واجهزته الأمنية من درك وشرطة منذ تاسيسه. فمثلما يقوم الجيش والاجهزة الأمنية الأخرى معه اليوم بواجبهم الأمني والتنظيمي والانساني إزاء فيروس كورونا لعام ٢٠٢٠م بين تطبيق امر الدفاع وحجر وعزل، وغلق للمدن وللبؤر الساخنة، وجهود حثيثة لخلية أزمة كورونا، وتامين الناس وتلبية حاجاتهم الانسانية والتموينية والطبية . فقد قام بذلك الدور في سابق عهده وتاسيسه عندما اجتاحت امارة شرقي الأردن اسراب من الجراد لالوية الإمارة وقراها وبواديها بين عام ١٩٢٨_١٩٣٠. وهذا ما استدعى الحكومة آنذاك لتشريع قانون لمكافحته، وتشكيل لجنة تتولى مكافحته عهد برئاستها للمستر (كركبرايد ) مساعد المعتمد البريطاني وتسميته بمدير المكافحة العام، والأمر الذي اضطر الحكومة حينما اشتدت وطاة الجراد في السنة الأخيرة منها لاستخدام ٧٠ الف رجل في مكافحته. لقد تشابهت الواجبات والصعوبات والادوار والجهود التي لازمت الجيش، بين كارثة الجراد والكورونا، ولكنها اختلفت في طبيعة المهام والكارثة وماهيتها ووسائلها، مع توسع رقعتها بين الماضي والحاضر لتشمل مساحة أوسع وتعاظم في الخطب والكرب ، وزيادة في اعداد سكانها.
تمثل الدور الانساني للجيش العربي وقوات الدرك والشرطة زمن الإمارة واضحا إزاء غزو اسراب الجراد لارض امارة شرقي الأردن بين الأعوام ١٩٢٨-١٩٣٠ وتحديدا عندما توسع انتشار الجراد في معظم أنحاء الإمارة، وأصبح الموقف اكثر خطورة ويستدعي إشراك الجيش والدرك والشرطة مساندة للمؤسسات الأخرى من وزارة الزراعة والحكام الاداريين وغيرها. وكان السبب الرئيسي في إسناد هذا الدور لهم أيضا ، لما كان يتحلون به من الانضباط والقدرة على تنظيم امر المكافحة.
لقد سجل التاريخ للجيش العربي سجلا ناصعا بدور إنساني وتنظيمي واداري عظيم في مكافحة الجراد انذاك - برتبهم المختلفة صغرت او كبرت من ملازم ثاني وجندي وغيره، وكذلك لأفراد الشرطة والدرك بين قائد مخفر وقائد درك بمناطق الأردن المتعددة. وكانت تلك الأعمال والواجبات موضع فخر الجميع حتى دونوها بمذكراتهم _ بجهودهم وتفانيهم في مهمتهم إزاء تلك الكارثة ومساهماتهم في إنجاح هذه المهمة بتعاونهم مع الحكام الاداريين،وفرض سلطتهم على تنفيذ الواجب الوطني حتى تم تجاوز هذه الكارثة . وتراوحت مهام البعض منهم في تلك الكارثة بين الاخبار عن اماكن ظهور الجراد وبيوضه، ومراقبة المكافحين للجراد، وحثهم على العمل،كما استعين بهم في كثير من الأحيان في بعض المناطق لاجبار المتقاعسين عن المشاركة في المكافحة على القيام بدورهم،. واوكل لهم القيام بتسجيل اسماء القائمين بعملية المكافحة في سجلات خاصة ورفع تقارير خاصة لرئاسة الحكومة والقائمين معهم .كما برز دورهم اللوجستي واضحا في نقل لوازم المكافحة من قاذفات للهب والخيم وغيره إلى مراكز المكافحة.مما قاد وساهم في نهاية المطاف لانجاح المهمة الوطنية التي اوكلت بهم ونجاح الوطن برمته، على الرغم من قلة إمكانياته، لكنها تلاشت جميعها أمام صدق الانتماءوالعزم والتصميم والتضحية والواجب،فعاد الحرث والزرع وعاش الوطن.
وها هي الأحداث تعود من جديد ليقوم الجيش بدور مماثل ولينسج القادة والابطال فسيفساء تضحياتهم وتفانيهم ،إزاء فيروس كورونا الذي يجتاح الأردن والعالم اجمع، والاخطر على الأرض والعباد،ليسجل التاريخ لهم بعد حين، انه كان هناك على هذه الأرض جيشا عربي سجل أروع قصة في تا يخ البشرية بحماية الأرض والعباد على هذه البقعة الطاهرة..( الأردن). وها هم يقومون بدورهم بكل عزيمة واقتدار ليخرج الوطن منتصرا في محنته بهمتهم وهمة مؤسسات الوطن كافة ووعيهم وحبهم.
آه كم انت مخلص أيها الجيش. آه كم انت منتميا أيها الجيش. كم انت عاشق للوطن وقيادته أيها الجيش!! . آه كم انت إنسانا أيها الجيش.كم انت مستحقا للتقدير والثناء أيها الجيش... كيف لا، وانت من تقطر دما فداء للوطن،وحدوده وأهله، وحبا ودفئا وامنا..وتضحية، لينبت قمحنا، ويشفى مريضنا ونحيى بأمان نحن وابنائنا في ظل خيمة الوطن.
*أكاديمي