القادم كيف سيكون؟
د. اياد النسور
جو 24 :
الاستحقاقات الدستورية القادمة مهمة للتخلص من التداعيات والإرباكات التي سببتها حكومة الأنسباء والأصحاب "حكومة الرزاز" ، فهذه التداعيات تركت عميق الأثر على الجانب الاقتصادي والذي نحتاج إلى فترات زمنية مطولة للتخلص منه ، فالاقتصاد المبني على الفشل في التخطيط وعدم الرغبة في تجديد أولويات الاقتصاد واستشراف المستقبل القريب فهي جميعها مظاهر للعبء الذي سيواجه الحكومة القادمة .
الحكومة الحالية كان لها جهد استثنائي في إبراز الإنجازات الوهمية التي فاقت حدود التوقعات وزادت عن قدرة الاقتصاد المحلي لاستيعابها ، وبالنتيجة لها كانت البطالة في تزايد مستمر وربما جائحة كورونا سترفع من هذا المؤشر إلى مستويات مرتفعة جداً ، كما ان معدلات الفقر قبل الجائحة تصل إلى 30% حسب الإحصائيات والتقديرات والتي من المتوقع أن تصل إلى 50% أو أكثر ، وهذه تحديات جديدة تضاف إلى مخزون الإحباط والفشل المتراكم في الاقتصاد ، ناهيك عن كلفة استعادة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للشعب والاقتصاد على حد السواء.
قدرة الحكومة الحالية على تدوير النقود وتوزيعها على القطاعات الاقتصادية المختلفة يجب أن تكون وفقاً للاحتياجات والأولويات التنموية في الاقتصاد ، ولا يكفي ضخ المبالغ دون وجود أهداف واضحة ومرسومة لذلك ، إذ أن هذه السيولة من المفترض أن تزيد من عملية خلق النقود وتعظيم أثر مضاعف الإنفاق .
الحفاظ على الودائع ستكون محطة صعبة في قادم الأيام ، ولن تكون البنوك المكان الاكثر تفضيلاً أو أماناً للاحتفاظ بالمدخرات ، حيث كان لحالة الشره التي أظهرها بعض مسؤولينا السابقين تجاه هذه الاموال وتشجيع الحكومة على القوة في استغلالها عبر إصدار أوامر الدفاع ، سيلقي بظلاله على هذه الحسابات . بحسب معرفتي بمجموعة من المغتربين فقد أظهروا استياء واضح من تلك التصريحات ، رغم عدم وجود خطط استثمارية حالياً وليس لديهم أية أفكار حول كيفية استغلال هذه الاموال ، ولكن همهم الوحيد سحب هذه الودائع وإخفائها عن عيون المسؤولين وأصحاب الافكار الخلاقة ، حتى لو كلفهم الأمر بنقل هذه الأموال إلى حسابات أكثر آماناً في دول أخرى.
700 ألف عامل يعملون في القطاع غير الرسمي يعني الحاجة إلى تنظيم آلية انخراط وتنظيم هذه الفئة من العمال ، وتسهيل دمج مشروعاتهم الصغيرة في الاقتصاد المنظم من خلال تخصيص اماكن للبيع أو استهدافهم في مرحلة قادمة لتوسيع نشاطهم وشمولهم بالقروض والحوافز التي تشجعهم على العمل والبقاء على قيد الحياة، مع ضرورة العمل على وضعهم ضمن قطاع يطلق عليه المشروعات الأهلية ووضع الضوابط والقوانين المنظمة له .
بقاء شعارات الحكومة كما هي وتضخم إحساسها بالإنجاز والتقدم ، يعني مزيد من إضاعة الوقت والفشل في مستقبل الأيام ، ومحاولتها لكسب الوقت لتوزير المزيد من المحاسيب وتعبئة الشواغر المتحاة من أقارب الوزراء وأخوانهم ( ربما صندوق التنمية والتشغيل دليل واضح على هذه الممارسات الحالية) .
على الصعيد الأمني تمكنت الدولة من خلال الحجر الصحي معرفة الطبيعية الديمغرافية للسكان والمقيمين في البلد ، وتحديد توزيعها الجغرافي على حقيقته بعيداً عى التنبؤات والتقديرات ، وهي بذلك تكون قادرة على رسم السياسة الأمنية بشكل أكثر فعالية وتحسين سياسة التخصيص والاستهداف بشكل أدق ، ولكني كاقتصادي اتمنى ان تكون المعلومات التي حصلت عليها الدولة مدعاة لوضع خطة اقتصادية تنموية محكمة قادرة على خدمة الشرائح الاقتصادية المختلفة واحتياجاتها بشكل أفضل من منطلق التنمية المتوازنة بين كافة الأقاليم والمناطق.
امنياتي الشخصية ، أن ترحل الحكومة ومجلس النواب في اليوم ذاته غير مأسوف عليهما، فالبلد لا تحتمل المزيد من التأزيم من قبل الرزاز وحكومته ، والشعب غير قادر على تحمل المزيد من التجارب والاختبارات ، وربما التغيير سيرافقه فرصة للتخلص من سياسة التوزيير والتعيين غير المسؤول الذي انتهجته الحكومة ، وجاءت جائحة كورونا لتعرية وزراء التأزيم من ذوي القربى والمصلحة .
على خطى النهضة برنامج جف حبره وانتهى لحظة ولادته لأننا لم نلمس شيئا ملموساً ، والشعارات الفضفاضة كشفتها كورنا وعرتها تماماً . لذلك فالانتخابات القادمة حتى ولو لم تستطيع تغيير النهج الاقتصادي ، لكنها تبقى فرصة للعب ولو على جزئيات بسيطة في بعض الملفات الحساسة ، وربما يحمل تغيير بعض الوجوه في طياته أفق تنموية وحلول من شأنها تحفيز الواقع الاقتصادي ولملمة أشلاء الاقتصاد التي قضى الرزاز عليها منذ الوهلة الأولى لاستلامه .