أبجديات الإرادة الحرة.. حتى لا تكون النكبة مستمرة
جو 24 :
تامر خورما - اثنان وسبعون عاما، ومازالت النكبة مستمرة إلى اليوم، حتى باتت متلازمة الاحتلال قرينة وبائية لكل محطة، أو منعطف سياسي. العدو لايزال موغلا في توحشه وجرائمه مستهدفا أرض فلسطين وشعبها، فهل باتت هذه النكبة قدرا يفترض تقبله والانصياع لشروطه، باعتبارها واقعا مفروضا على كافة تفاصيل الحياة اليومية؟!
المعادلة واضحة تماما، إما صرخة "لا" غير قابلة للمساومة، وإما حياة العبيد، المفرغة من أي معنى أو قيمة وجودية. القبول بالنكبة كواقع يومي، والاستسلام للمحتل، والرضوخ لسيادته، مازوشية لا تعني سوى التجرد الكامل من الكرامة، بل وكافة القيم الإنسانية، للتحول إلى محض غبار بشري يتناثر على الأرض العربية، في مهب العبث!
لا يعقل أن هذا هو المصير الذي يمكن لأبناء الضاد اختياره بمحض إرادتهم الحرة! وإذا كان هذا هو الحال، ألا يفترض قرع طبول الرفض، بكامل صخبها الثوري، ونسف كافة أوهام "السلام"، وأخواتها من رهانات ساقطة، سياسيا وأخلاقيا؟!
كفى! آن لكل التنازلات التي قدمها العرب لآلة القتل والاحتلال الصهيونية أن تحترق! كل من لايزال متمسكا بهذا الخيار العبثي ليس إلا كتلة بشرية منتفخة بدهن الذل والخنوع، بل ورما خبيثا لابد من استئصاله وإلقائه في مكانه الطبيعي خارج السياق الاجتماعي، فلا مكان بعد اليوم لأية نفايات سياسية!
الخيار الوحيد للخروج من دائرة النكبة المستمرة يتمثل بالعودة إلى المربع الأول: التعبئة الشعبية.. إذا كان اليوم لا يسمح بتحرير فلسطين، كل فلسطين، فأضعف الإيمان هو ترك باب الصراع مفتوحا أمام الأجيال القادمة. لا سلام مع الإحتلال.. ونقطة!
فلسطين ليست فقط الضفة الغربية، وغور الأردن، والأراضي التي تسعى الصهيونية إلى الاستيلاء عليها هذه الأيام. فلسطين هي الأرض المقدسة من النهر إلى البحر، وهي التي علمتنا أبجدية حبها أنها لا تقبل القسمة على اثنين. إما هذه الأمة، أو الإحتلال والعدم.. القضية لم تتغير، والمعادلة هي ذاتها: إما أن نكون، أو لا نكون!
أما قوى الرجعية، التي تحاول استدامة النكبة المستمرة، عبر ذبابها الإلكتروني على وسائل التواصل الاجتماعي، وقيحها المسموم عبر فضائيات وشاشات التطبيع، فباتت في خندق الأعداء بشكل أكثر من فاضح. محاولات تفكيك وإعادة تركيب البنية الثقافية، وتشويه الهوية الجمعية لأبناء الأرض العربية، أسقطت ورقة التوت عن هذه الرجعية، التي تدفع الأرض إلى تقيؤها خارج سياق التاريخ، ولا مكان لها في خندق هذه الأمة، التي عليها التخلص من مثل هذه الطفيليات!
السلام مع الاحتلال، وإقامة علاقات "طبيعية" معه، هو انتحار وجودي لا يجب أن يكون هنالك أية مساحة لطرحه بعد انهيار كافة الأوهام، التي علقها البعض على حبال المفاوضات. حتى سلطة أوسلو استنفدت كافة مبررات وجودها، وباتت دمية مستهلكة، لا دور لها خارج حدود التنسيق الأمني، وقد آن الأوان لإنهاء هذا العبث، وإعادة الصراع مع العدو إلى مجراه الطبيعي. القضية كانت ولاتزال وستبقى تحرير فلسطين، وليس إقامة هياكل سلطوية عبثية، تخدم الإحتلال!
وفي الأردن، على صناع القرار العودة إلى أبجديات الإرادة الحرة، عبر فتح باب المواجهة، على مصراعيه، مع هذا العدو الذي يستند إلى عقيدة إجرامية، وسمت تاريخيا، بنقض كل ما يعقد مع جلاوزتها من اتفاقيات أو عهود. الرهان على المعاهدات المبرمة مع آلة الحرب الصهيونية هو عبث لا جدوى منه، وإلغاء اتفاقية الغاز يجب أن تكون أول غيث رفض لعنة النكبة المستمرة، فاحتضار القدس يعني قرع أجراس جنازة عمان!
كل ما تحقق من رهانات "السلام" العبثية، هو تحويل أرض فلسطين إلى سجن كبير، وتمكين العدو من احتلال المزيد من الأراضي، بل والتنسيق معه لمنع أية مقاومة.. وها هو المسخ الصهيوني يسعى بكامل وحشيته إلى تحقيق وهمه التلمودي "من الفرات إلى النيل"، ليكون القوة المهيمنة المنفردة، التي تتحكم بمصير الشعوب في المنطقة بأسرها! هذه هي النكبة الحقيقية، التي آن الأوان لتجاوزها، عبر أبجديات الإرادة الحرة، التي تبدأ بكل بساطة بصرخة "لا"!