jo24_banner
jo24_banner

سن التدريس في الجامعات… قراءة مختلفة للمبررات

الاستاذ الدكتور محمد ابودية معتوق
جو 24 :


إطلعت - والكثير ايضا طالع- توجه مجلس عمداء الجامعة الام الاردنية نحو اتخاذ قرارات إدارية ومالية صعبة في ظل الجائحة الحالية للوباء، ولعل اسوأها تخفيض رواتب اعضاء الهيئة التدريسية للفصل الصيفي القادم، والعودة كما هو الحال في كل أزمة الى جيب المواطن كحل وحيد للتخفيف من الاعباء والتبعيات الاقتصادية التي لا بد ان نتوقعها على المستوى المحلي والعالمي.

وأخشى أن تقلد كثير من الجامعات ذات التوجه في ظل غياب منهجية واضحة حول التعامل مع مصير الفصل الصيفي في الجامعات، وصعوبة الوضع المادي لكلا طرفي المعادلة الطالب والجامعة.

من جهة، فالطالب يتلقى معونته الدراسية من اهله وهم ليسوا بوضع يحمد عليه، ومن جهة أخرى الجامعات تعاني من شح الموارد المالية، فهي حلقة متصلة متكاملة ونخشى فرط هذه السلسلة لا قدر الله.

ومن هنا اعتقد انه يجب في ظل هذه الظروف الطارئة ان نضع النقاط على الحروف، والحديث صراحة عن النص الذي أورده قانون الجامعات الاردنية وأجاز فيه تمديد خدمة عضو الهيئة التدريسية حتى سن الخامسة والسبعين.

أنا أعلم ان هنالك نسبة من اعضاء مجالس العمداء في جامعاتنا ممن تجازوا الستين من العمر -متعهم الله بالصحة والعافية- وهم لا يرغبون باتخاذ اي قرار يمس بمصالحهم الشخصية في ظل هذه الظروف الصعبة ، لكن لا بد هنا من التضحية وعدم الالتفات الى المصلحة الشخصية بل النظر الى مصلحة الجامعة التي هي بالضرورة مصلحة الوطن ككل.

لا أحد ينكر توجهات الدولة حاليا نحو تخفيض اعداد المستخدمين في القطاع العام من أجل فتح فرص عمل جديدة امام الشباب ومنحهم دورا في ادارة عجلة الدولة، و توافقت إدارات الجامعات مع تلك التوجهات بإلاستغناء عن خدمات الكثير من الإداريين فيها من خلال اللجوء إلى بند الإحالة على التقاعد المبكر لمن حقق شروطها، وغادرت الجامعات خبرات وكفاءات خدمت وادت واجبها الوطني بكل اقتدار، ولها كل تقدير واحترام، وسارت الامور كما كان مخطط لها بحجة ترشيد الكادر الإداري وإتاحة الفرصة أمام الوجوه الشابة الجديدة.

نعود الى بيت القصيد، هناك كثير من الاقسام الاكاديمية في الجامعات الاردنية اصبحت من ذات الطبقة الواحدة من العمر، بل ان الهرم اصبح مقلوبا بغياب جيل كبير من الشباب في تلك الاقسام، وحتى عند الطلب والاعلان عن فرص التعيين من أجل ضخ دماء جديدة في الاقسام تجد كثير من الافواه المعترضة بحجة ان الخبرة الاكاديمية مطلوبة ولا بد من امتلاك القدرة على البحث العلمي والتدريس الى آخره من مبررات هي كلها حقول من الالغام والعراقيل حتى يحفظ القدامى مكانهم في القسم او الاستفادة من عوائد الساعات الاضافية؟!

الجائحة الاخيرة اعطتنا مؤشر خطير عند تقييم تجربة التعليم عن بعد، الا وهو ان الجيل الحالي من الطلبة كانوا أكثر قدرة وكفاءة في بعض الاحيان على كثير من المدرسين الذين (بعضهم) لا يملك اي خبرة في التعامل مع برمجيات التعليم عن بعد وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وحاول اولئك اللحاق بالركب، اما عن طريق الواتس اب او الاكتفاء برفع المحتوى العلمي على مواقع او منصات التعليم عن بعد دون بذل الجهد المطلوب، لكنهم افتقروا الى محاولة التطوير الشخصي وتعلم مهارة التعامل مع تلك البرمجيات، بل وجزء منهم لم يمتلك جهاز حاسوب شخصي لاستخدامه بالحد الأدنى في هذه المرحلة. ومنهم من استعان بأبنائه لهذه الغاية، وهذا ليس عيبا او تقليل من شأنهم، بل هو جهد يشكرون عليه، فهم لا يمتلكون المهارة اللازمة للتعامل مع كثير من المنصات العلمية ولم يتم تدريبهم اصلا على كيفية استخدامها.

وفي الجانب المادي، فان عضو هيئة التدريس ممن بلغ الستين من العمر وبحكم القانون حصل على راتب تقاعدي من الضمان الاجتماعي، وهو راتب ليس بالقليل ومقارب للراتب الأصلي الذي كان يتقاضاه، والسماح له بالاستمرار في العمل حتى سن الخامسة والسبعين ، يعني تقاضيه راتبا آخرا بكافة الميزات والعلاوات والمكافآت ودون أي اقتطاعات لصالح الضمان الاجتماعي فهو متقاعد اصلا ويستحق راتبا تقاعديا، وبالتالي فإن وضعه المالي مريح بالمقارنة مع غيره من أعضاء هيئة التدريس، فتقاضي راتبين يكفل العيش الكريم وتحقق الهدف من النص القانوني الذي أتاح له تمديد الخدمة.

لكن الذي يجري على أرض الواقع هو أن بعض هولاء الاساتذة لم يكتفي بذلك، بل أصبح يزاحم من هم ادني رتبة واقل راتبا في تدريس مواد الفصل الصيفي والتكليف بالتدريس الاضافي، بل ويصر على أن يكون له ساعات تدريس اضافية حتى وصل الأمر به- كما حدثني كثير من الزملاء- ان يصر اثناء اجتماعات الاقسام الأكاديمية التي تعقد من اجل تحديد الاعباء التريسية على طلب تدريس مواد تحقق نصابهم التدريسي، ثم طلب تحديد ساعات اضافية على الاقل بنفس النصاب التدريسي الأصلي، وكل ذلك من أجل الحصول على بدل التدريس الإضافي ودون مراعاة لمن هم يتقاضون راتبا اقل مستحوذين على الاخضر واليابس كما يقال، ودون اعتبار للعدالة التوزيع بين الزملاء.

والخلاصة ، والذي اريد ان اصل إليه هو التمني على صاحب القرار في جامعاتنا الأردنية إلى الأخذ بهذه الملاحظات:

1-بدلا من تخفيض الرواتب لكافة اعضاء الهيئة التدريسية لماذا لا يتم حصر التدريس في الفصل الصيفي بمن لا يملك دخلين (راتب جامعي وراتب ضمان) اخذين يعين الاعتبار ان من بلغ الستين غالبا هم برتبة استاذ، ومن المعلوم أن العبء الاكاديمي للاستاذ هو تسع ساعات وبالتالي سوف يتقاضى ثلاث رواتب (بدل صيفي وضمان وراتبه الشهري المعتاد) علما بأن أجر ساعة الاستاذ أكبر بكثير من الاستاذ المساعد مثلا، ولاحظ كم سوف تدفع الجامعة مقابل هذا التدريس.

2-معظم الاساتذة يرغبون في العمل الاضافي ويستحوذون عليه في كثير من الاقسام ويتركون الفتات لمن هم برتبة محاضر او استاذ مساعد.

3-غالبا كثير من الزملاء لا يرغبون بتدريس اي مادة جديدة بل المواد التي اعتادوا على تدريسها من بداية تعيينهم دون القبول بأي اضافة جديدة.

4-في ظل نظام الضريبة الجديد لا يخضع الراتب التقاعدي لهذه الفئة الى اي اقتطاع بينما المدرس الذي لم يبلغ الستين يخضع راتبه الى استحقاق ضريبي، وكثير من الزملاء ممن قام بالتدريس في الفصل الصيفي دفع على الاقل نصف مكافاة الصيفي بدل ضريبة دخل، بينما الاستاذ الذي يتقاضى راتب ضمان وراتب جامعة وحتى لو تم اقتطاع ضريبة دخل من بدل الصيفي وراتبه الشهري فهنالك مصدر اخر ولن يتضرر مثل زميل اخر ليس له مصدر الا راتبه، وهذا خلل كبير وعدم عدالة، اذ لا بد من اخضاع الراتب التقاعدي للضريبة لمن له اكثر من مصدر دخل.

5-لا بد من الاخذ بعين الاعتبار مصلحة الجامعة بدلا من الضرر الذي سيطال المدرسين وذلك من خلال اعادة النظر - في الوقت الحالي- في منح من تجاوز الستين من العمر ويتقاضى راتب من الضمان فرصة التدريس وفتح المجال امام الزملاء الآخرين حتى لا يتم اقتطاع النسبة التي قد تقر من راتب الفصل الصيفي.

6-فعليا الجامعات بحاجة الى دماء جديدة لمواكبة التطورات العلمية الحديثة وجيل شبابي قادر على التعامل مع تحديات العصر، مع الحفاظ على اقل عدد ممكن من الزملاء الذين تجاوزوا الستين من العمر خاصة من لهم انجازات عالمية وعلمية مرموقة في العمل الاكاديمي والبحث العلمي، واركز هنا على معيار ومبدا ضروري جدا الا وهو "ويرتبطون بعلاقات جيدة مع زملائهم في القسم" ويغلبون مصلحة القسم الاكاديمية على مصالحهم الشخصية، دون مشاحنات او طعن في الزملاء و اشياء كثيرة يعلمها الزملاء ويعلمون كيف تدار الامور.

7-من يرغب بالعمل بعد سن الستين وبناء على حاجة القسم وعلاقة المدرس بزملائه لماذا لا يتم تقنين العبء التدريسي له بثلاث ساعات فقط، وعقد سنوي يجدد كل عام ووفق آلية جديدة لتقدير قيمة الساعة المعتمدة ماليا بحيث تراعي بها الوضع المالي للجامعة، ويحاسب على عدد معين من الساعات حتى لا يتعدى على اعباء زملائه في القسم كونه يتقاضى راتب اضافي ولا يجوز ان يكون له ساعات إضافية.

8- لا يعقل ان يكون العبء التدريسي لاستاذ دكتور في الصيفي تسع ساعات على مواد لا تحتاج الى ذلك الجهد اكاديميا، فبعض الزملاء امضى الصيفي الماضي كله على مادة ندوة ساعتين او ثلاث ساعات في الأسبوع، وترك زملاء له يدرسون مواد نظرية كل يوم ثلاث ساعات ويمكن متابعة مثل هذه الامور في كثير من الاقسام عند ملاحظة الأعباء.

أعتقد لو تم الاخذ بهذه المقترحات افضل من تخفيض رواتب الزملاء وسيتم توفير الكثير من الرواتب العالية وتخفيض النفقات الجارية في الجامعات خاصة اذا استمر التعليم عن بعد.
 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير