عشر اعوام على كارثة فوكوشيما ماذا حصل ؟
الاستاذ الدكتور محمد ابودية معتوق
جو 24 :
** الكاتب رئيس الجمعية الاكاديمية الاردنية اليابانية.
في كل عام من الحادي عشر من اذار تستذكر اليابان اسوأ كارثة طبيعية في تاريخها المستمر مع الكوارث الطبيعية "كارثة فوكوشيما" على الرغم ان اليابان تعاني من قسوة الطبيعية من الاعاصير والزلازل والبراكين والفيضات الا انها ركعت لهذه القوة الطبيعية وسخرت كل تقنياتها نحو التعايش مع المخاطر لا منعها ،الا ان كارثة فوكوشيما كان له وقع اقوى على اليابان بسبب الاشعاعات النووية الناتجة من تبعيات التسونامي مما ادى الى انفجار مفاعل دايتشي النووي مخلفا اسوأ كارثة نووية عالمية بعد تشيرنوبيل .
في 11 مارس 2011 ، ضرب أكبر زلزال مسجل في تاريخ اليابان الساحل الشمالي الشرقي-9 درجات- تبعه تسونامي عبر المحيط مخترقا عمق المدينة لمسافة تقدر بعشر كيلومترات وارتفاع مد بحري وصل الى اكثر من 43 مترا في بعض المناطق واجتياح مدن بأكملها في ثوانٍ.
خلفت هذه الكارثة ما يقرب من عشرين الف نسمة بين قتيل ومفقود كما دمرت محطة المدينة النووية دايتشي للطاقة مخلفة مواد مشعة على مساحة كبيرة سببت في إجلاءالسكان على نطاق واسع وخسائر اقتصادية كبيرة وإغلاق محطات الطاقة النووية في اليابان في نهاية المطاف. بعد عقد من الزمان ، لا يزال يتعين على الصناعة النووية أن تعالج بشكل كامل مخاوف السلامة التي كشفت عنها فوكوشيما.
على الرغم من عشر سنوات مضت يبقى السؤال ماذا حدث وهل رجعت فوكوشيما كما كانت عليه وهل عاد السكان الى منازلهم وهل الحياه صالحة للبشر ، للوقوف على هذه الاحداث دعنا نلخص الامور كما يلي:
•اخترق تسونامي الجدار البحري الواقي للمحطة واغرق أجزاء من الموقع للمفاعلات النووية الثلاث مسببا باغراق المحطة كاملة بمياه المحيط مما عمل على توقف اجهزة المحطة.
•أدت الفيضانات إلى تعطيل وظائف المراقبة والتحكم والتبريد في وحدات متعددة من مجمع المفاعلات الستة على الرغم من الجهود البطولية التي بذلها عمال المصنع ، أصيبت ثلاثة مفاعلات بأضرار بالغة في قلبها محدتثا تسرب مواد مشعة وتضررت مباني المفاعل الثلاثة بسبب انفجارات الهيدروجين
•الانبعاثات للمواد المشعة من خارج موقع المفاعلات عملت على تلويث الأرض في فوكوشيما والعديد من المحافظات المجاورة.
•غادر حوالي 165 الف شخص المنطقة ، وأنشأت الحكومة اليابانية منطقة حظر حول المصنع امتدت الى ما يقارب من 807 كيلومترات في أكبر مرحلتها.
•.لم تقم الحكومة اليابانية بإعادة فتح القرى والبلدات بالكامل داخل منطقة الإخلاء الأصلية التي يبلغ طولها اكثر من 18 كيلو متر حول محطة فوكوشيما دايتشي النوويةالى تاريخه وحتى لو حدث ذلك ، فليس لدى العديد من السكان السابقين أي خطط للعودة تستحق مخاطر الإشعاع المتبقية
•تم بناء جدار بحري جديد ضخم لمنع تسونامي في المستقبل من الاندفاع إلى المدينة ، يقف كحارسًا على ساحل المحيط الهادئ القريب من المحطة
•عندما تضرب عواصف جديدة ساحل اليابان على المحيط الهادئ ، يرتجف بعض الناس في محافظة فوكوشيما من ذكريات صدمة عمرها 10 سنوات.
•تركت أسوأ كارثة نووية في العالم منذ كارثة تشيرنوبيل والزلزال الناجين يكافحون للتغلب على حزن العائلات والممتلكات المفقودة في الأمواج في بضع ساعات
•أنفقت الحكومة اليابانية حوالي 300 مليار دولار لإعادة بناء المنطقة ، لكن المناطق المحيطة بمصنع فوكوشيما لا تزال محظورة ، والمخاوف بشأن مستويات الإشعاع باقية واستقر الكثير من الذين غادروا في أماكن أخرى.
•لا يزال حوالي 40 ألف شخص نازحين بسبب الكارثة تاركين ممتلكاتهم ومقتنياتهم في المناطق المنكوبة والكثير من سكان المنطقة قرروا عدم العودة أبدًا لأنهم يخشون الإشعاع وبنوا حياة جديدة في مكان آخر ولا يريدون العودة إلى حيث ضربت الكارثة
•إن العمل على إيقاف تشغيل مصنع فوكوشيما داي إيتشي المحطم ، والتعامل مع المياه الملوثة والنفايات الصلبة ، وجعل المنطقة آمنة ، هو عمل جبار ، لكن إن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى قرن لإعادة المصنع إلى حالة صالحة للاستعمال.
•يمر حوالي 5000 عامل عبر بوابات كل يوم للعمل على تفكيك المحطة المعطلة ، والتي لا يزال بها حوالي 880 طنًا من حطام الوقود المنصهر في مفاعلاتها.
•تم تصنيف كارثة فوكوشيما كحدث من المستوى السابع من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وهو أعلى حدث من نوعه وثاني كارثة بهذا التصنيف بعد تشيرنوبيل
•خلص تحقيق مستقل أجراه البرلمان الياباني إلى أن فوكوشيما كانت "كارثة عميقة من صنع الإنسان" ، وألقى باللوم على شركة الطاقة لفشلها في تلبية متطلبات السلامة أو التخطيط لمثل هذا الحدث.
•لا تزال هناك تحديات كبيرة ستكون هناك حاجة لعشرات الآلاف من العمال خلال الثلاثين إلى الأربعين عامًا القادمة لإزالة النفايات النووية بأمان وقضبان الوقود وأكثر من مليون طن من المياه المشعة التي لا تزال محفوظة في الموقع.
•قامت العديد من دول العالم بتقديم الدعم والمساعدة الى الشعب الياباني بهذه المحنة وضربوا مثلا على التعاون السلمي والتضامن مع الشعوب والاردن بتوجيهات ملكية سامية قدم مساعدات عينية من خيم ووسائل عيش وارسال فريق طبي من المدينة الطبية الى المنطقة المتضررة وعملت الجمعية الاكاديمية الاردنية اليابانية باقامة حفل خيري برعاية السفير الياباني كوسوجو في ذلك الوقت وريع الحفل كاملا تم التبرع به لمدينة سوما اكثر المناطق تضررا ولمدرسة من الاطفال الايتام الذين فقدوا ابائهم وامهاتهم في هذه الكارثة وقد عمل فريق رائع قاده السيد كريم زاهي عرفات والجالية اليابانية في الاردن بالتواصل مع الجهات الداعمة وتسخير كافة الوسائل اللازمة من الانترنت والكفاءات لبث الحفل على الهواء مباشرة بالمشاركة مع عمدة مدينة سوما -مرفق صور للفعالية والجهات الداعمة- الذين نشكرهم على هذا العمل الخيري والجهود التي بذلوها.
•على الرغم من انه تم معالجة أكثر من مليون طن من المياه لتقليل النشاط الإشعاعي وإزالة معظم النظائر المشعة باستخدام عملية ترشيح معقدة لكن بقي إزالة أحد النظائر ، وهو التريتيوم صعبة ، لذلك تم تخزين المياه في خزانات ضخمة ستمتلئ بحلول عام 2022 يأتي ذلك بعد سنوات من الجدل حول كيفية التخلص من السائل ، اذ ان من الحلول المقترحة طرحها في البحر بعد التخفيف لكن تعارض مجموعات البيئة وصيد الأسماك هذه الفكرة
•بحلول عام 2010 ، اعتمدت البلاد على الطاقة النووية في 30٪ من طاقتها. كانت لديها طموحات لرفع هذه النسبة إلى 50٪ بحلول عام 2020. انخفض هذا إلى الصفر تقريبًا بعد الزلزال ، مما أجبر البلاد على استيراد كميات هائلة من الغاز حيث تم إيقاف تشغيل المفاعلات في جميع أنحاء البلاد. واخذت اليابان تفكر جديا بالتخلي عن فكرة الطاقة النووية على الرغم من الالتزام باتفاقيات المناخ لخفض تركيز الكربون وتقف الان امام تحدي كبير للوفاء بهذه الالتزامات
•بعد الكارثة ، كان 12 في المائة من محافظة فوكوشيما محظورًا ، وفر حوالي 165 ألف شخص من منازلهم إما بموجب أوامر إخلاء أو طواعية. ومنذ ذلك الحين ، تم إعلان العديد من المناطق الآمنة بعد إزالة التلوث على نطاق واسع ، ويتم تقديم حوافز لجذب الناس للعودة لكن الكثيرين يترددون في ذلك
•على الرغم من الاغراءات التي قامت بها الحكومة من اطلاق ساحل فوكوشيما للابتكار، وهو عبارة عن سلسلة من المشاريع التي تعزز الطاقة الصديقة للبيئة ، وتكنولوجيا الروبوتات وغيرها من الصناعات عالية التقنية ، تهدف إلى إعادة بناء الناتج الصناعي. مما أفسح المجال أمام مجال أبحاث الطاقة الهيدروجينية في فوكوشيما والتخلي تماما عن الطاقة الذرية لكن ذلك لم يجذب كثير من الشركات التي تعتبرها مخاطرة للعمل هناك
•لا تزال عمليات تطهير التربة قائمة وتنقل الأكياس البلاستيكية المليئة بالتربة السطحية والنباتات التي تُزال من المناطق السكنية وإعادة بناء الحقول بالتربة التي تم جلبها من أجزاء أخرى من المحافظة ومع ذلك ، لا يمكن إجراء التنظيف في مناطق الغابات والجبال. وبالتالي السماح للناس بالعودة في نهاية المطاف إلى منازلهم السابقة حلم لن يتحقق
•لا يزال بعض الخبراء يشككون في إمكانية إزالة كل حطام الوقود المنصهر ويقترحون مقبرة على غرار تشيرنوبيل للمصنع ومع ذلك ، تم نفى هذا الخيار ، اذ إن التخلي طويل الأجل قد يشكل خطرًا أكبر من التنظيف الخاضع للرقابة ويعيق تعافي المنطقة
•قد تبدو إعادة تشغيل المفاعلات وكأنها عودة إلى الماضي وإلى نظام مختل خيب آمال الكثيرين ، بمن فيهم اليابانيون ، الذين وثقوا في التطمينات بأن الطاقة النووية آمنة ، وخاصة سكان فوكوشيما
•أن أحد الدروس المهمة هنا ان العالم أمضى الكثير من الوقت في استخدام تقييمات المخاطر لإثبات أن موقع المفاعل آمن ولا يوجد اي مخاطر على وجوده لكن للاسف لم يمضي وقت طويل لتخيل كيف يمكن أن يفشل بابسط الطرق
•على الرغم من أن الجروح التي يحملونها سكان فوكوشيما لن تلتئم تمامًا الا ان أهم شيء بالنسبة للكثيرين هو التطلع إلى المستقبل عما سيتركه هذا الجيل لمن هم وراءهم ولمن سيأتي بعدهم ، اذا لم يعد الشباب الى مدينتهم سيموت هذا المكان ، فلا خيار لهم سوى ان يشمروا عن سواعدهم للبناء وهكذا هي اليابان خلقت لتعيش التحدي
•في الساعة 2:46 مساءً ، من يوم 11 اذار 2021 بالضبط لحظة وقوع الزلزال قبل عقد من الزمن ، قاد الإمبراطور ناروهيتو وزوجته لحظة صمت لتكريم الموتى في حفل تذكاري في طوكيو ، وأقيمت صلاة صامتة في جميع أنحاء البلاد . قال الامبراطور ناروهيتو في الاحتفال الرسمي لذكرى كارثة فوكوشيما "يتألم قلبي" عندما يفكر في أولئك الذين كافحوا للتكيف مع التغييرات الجذرية في حياتهم بسبب الكارثة الثلاثية ، بما في ذلك فقدان الأحباء والوظائف والمجتمعات بأكملها.وقال: "كما أعتبر أنه من المهم شفاء الندوب العاطفية ومراقبة الصحة العقلية والجسدية لمن يعانون ، بما في ذلك كبار السن والأطفال".وشدد على أنه من المهم أن يقف الناس إلى جانبهم ويساعدوا في إعادة بناء حياتهم "دون أن يتركوا حتى روحًا واحدة وراءهم في هذا الوضع الصعب".
•ولعل الاحتفال الرسمي الذي تم هذه السنة يعني تعافي اليابان من الكارثة مع تطلع لانطلاق الالعاب الاوليمبية في صيف 2021 لكن بعض الناجين يقولون إن التعافي لم ينته بعد.
•وفي نهاية الحديث انقل حرفيا ما رواه احد الناجين من الكارثة التي بها العبرة والخلاصة "ما أقوله للناس هو أن يفعلوا ما فعلناه وندرسه ، ولا يؤمنون بأن الطاقة النووية آمنة وان التاريخ يعيد نفسه دائما".