من زيارة ليبيا!
في 2009 زرت ليببا للمرة الثانية، وبدعوة من رئاسة الجمهورية لحضور مؤتمر عن العلاقة الليبية- -الافريقية، ويشارك به سياسيون ونقابيون واعلاميون من العالم العربي وافريقيا.
واذكر ان اعمال ونشاطات المؤتمر اقيمت بمنطقة قريبة من طرابلس العاصمة. ونشاطات وفعاليات المؤتمر كانت تقام في مخيم صحراوية ضخمة ومكيفة، ومجهزة بكل اللوجيستيات. وبالسؤال عن السبب باقامتها، فكان الجواب : ان هذا هو الخيار المفضل للرئيس معمر القذافي، دون تعليق إضافي.
في الجلسة الافتتاحية، وبعد الاعلان عن بدء المؤتمر، وجدول الاعمال والمشاركين، القى الرئيس معمر القذافي كلمة طويلة استغرقت حوالي ساعتين، استعرض بها مستقبل العلاقة الليبية والعربية -الافريقية، ارهاصات الحلم الافريقي، والصراع العربي -الاسرائيلي، وتجربة ليبيا، والتحدي الغربي والامبريالي.
درجة الحرارة في الصحراء الليبية تقفز عن خمسين، وتصل الستين مئوية في ايام الحر الشديد. وفي منتصف النهار تخلو طرابلس من البشر والسيارات من شدة الحر، مدينة خاوية.
الزيارة كانت هي الاخيرة، لربما ليس لي وحدي انما كل الوفود العربية والافريقية المشاركة. فبعد اقل من عام تقريبا اندلعت الحرب والمواجهات في لبيبا، والتي اسفرت عن سقوط نظام القذافي ومقتله فيما بعد.
الكلمة التي القاها الرئيس الراحل معمر القذافي في المؤتمر كنت حريصا على متابعة نشرها في الاعلام الليبي. وفي اليوم التالي نشرتها صحيفة يومية ورقية بالكامل، واحتلت مساحة اربع ورقات من الحجم المتوسط، وكانت كلمة الرئيس في المؤتمر هي الخبر الرئيسي والوحيد.
كان القذافي مشغولا بهموم وقضايا الامتين العربية والافريقية، والعالم الثالث. لم يتحدث عن ليبيا بكلمة واحدة. الحلم الافريقي الذي ولد في خياله بعدما شعر بانتكاسة عربية، وسمى نفسه ملك ملوك افريقا.
صورة الرئيس نشرت بالكامل على الصفحة الاولى للجريدة، واقفا على المنصة يلقي بكلمة، ويحمل بيده عصا قصيرة. وفي اليوم الثاني من اعمال المؤتمر ابلغونا بان الرئيس القذافي سيلتقي مشاركين من دول عربية، وكنت من بين المدعوين على اللقاء الليلي مع الرئيس القذافي.
الجلسة ارضية، سجاد وفراش ارضي في خيمة تستوعب اكثر من 500 رجل، وتتوسطها نار كبيرة. وبدأت الجلسة بعد صلاة العشاء، وامتدت لبعد منتصف الليل.
في الجلسة نزع القذافي قناع السياسي والقائد، وتحدث عن الادب والشعر والفلسفة والكتاب الاخضر، والتراث العربي والاسلامي، والغرب وعصر التنوير، والاشتراكية الناصرية العربية، والاستعمار الايطالي والتركي والمجازر التي ارتكبت بحق الليبيين.
وابحر بالحديث، وقد ظهرت شخصية القذافي المثقف والمفكر والفليسوف، والاديب، وحافظ الشعر الجاهلي. كان ذلك المؤتمر هو المؤتمر الاخيرفي ليبيا قبل الثورة والحرب الاهلية.
ولربما هي اخر وفود عربية واجنبية تزور لبيبا. كنت اشعر من كلام القذافي وعموم الليبيين بان البلد تنتظر قادما مجهولا، لا يعرفون ان ثمة عدوا يتربص بليبيا.
وفي ذاكرة الليبيين فان الاحتلالين: الايطالي والتركي من ابشع المحطات في تاريخ ليبيا المعاصر. لبيبا اليوم ممزقة ومفككة، وتعاني من فراغ سياسي، ويعم الخراب بها، وتغزوها قوى الاحتلال التركي، ومشاريع التقسيم بين ولايات الغرب والشرق والجنوب تلوح في ابعاد افق تعقيدات الازمة، وما بعد التدخل العسكري التركي.
وما لا يقدر بالامن القومي العربي ان الوجود العسكري التركي في ليبيا بمباركة من الامريكان، لا يقل خطرا عن الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين. وذلك تمهيدا لتقسيم ليبيا، والمساومة على احياء مجد السلطنة التركية في ليبيا والساحل المتوسطي الشمالي، وزرع تركيا كثالوب محتل واستعماري في الشمال الافريقي العربي.