حق الطفل في الرضاعة الطبيعية
كتبت سلام الخطيب :
توجب كافة الشرائع السماوية والإنسانية توفير كل ما يلزم الأطفال من الحماية والرعاية والأمان؛ لينشئوا مسلحين بكافة حقوقهم باعتبارها حقوقا طبيعية أقرتها القوانين والتشريعات العالمية لكل أفراد المجتمع كل حسب طبيعته ومتطلباته فحق الطفل في الرضاعة واحدة من أهم الحقوق الواجب توفيرها له لينعم بصحة جيدة، ولينمو جسده بطريقة سليمة.
وتأكيدا على ذلك نص قانون الأحوال الشخصية في المادة (150) منه على ضرورة الزام الأم بإرضاع ولدها، وإذا أبت الأم ارضاعه في الأحوال التي لا يتعين عليها ارضاعه فعلى الأب أن يستأجر مرضعة.
كما نصت المادة (15) من ميثاق الطفل العربي المتعلقة بالرضاعة على أن "للطفل الرضيع الحق في أن ترضعه أمه، إلا إذا منع من ذلك مصلحة الرضيع، أو المصلحة الصحية للأم".
وفي السياق نفسه، نصت اتفاقية حقوق الطفل في المادة (24) على أن "تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه وبحقه في مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي، وتبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية هذه".
كما تتابع الدول الأطراف إعمال هذا الحق كاملاً وتتخذ بوجه خاص، التدابير المناسبة من أجل خفض وفيات الرضع والأطفال ومكافحة الأمراض وسوء التغذية حتى في إطار الرعاية الصحية الأولية، عن طريق أمور منها تطبيق التكنولوجيا المتاحة بسهولة وعن طريق توفير الأغذية المغذية الكافية ومياه الشرب النقية، آخذة في اعتبارها أخطار تلوث البيئة ومخاطره، كذللك كفالة تزويد جميع قطاعات المجتمع، ولا سيما الوالدين والطفل بالمعلومات الأساسية المتعلقة بصحة الطفل وتغذيته، ومزايا الرضاعة الطبيعية.
أسباب تحرم الطفل من حقه في الرضاعة
يعود حرمان الطفل من حقه في الرضاعة إلى عدة أسباب متباينة اختلفت وجهات النظر في طرحها؛ فـ"أم سامر" تقول إنها أنجبت خمسة أطفال وكانت الفترة التي أرضعت بها أطفالها لا تتجاوز 4-5 شهور من عمر الطفل، ثم بدأت تتوجه لإعطائه أنواع الحليب المجفف المختلفة، وكانت حجتها بأن ذهابها إلى العمل وعدد ساعات عملها الطويلة تمنعها من البقاء مع أطفالها فترة مناسبة لإرضاعهم وبالتالي فضلت التوجه للحليب الصناعي على الطبيعي.
بدورها، أشارت "أم محمد" إلى أن الأحمال المتقاربة كانت السبب الرئيسي في إجبارها على حرمان أبنائها من الرضاعة، حيث أنها كانت تحمل وتنجب أطفالها واحدا تلو الآخر، الأمر الذي كان يرهقها ويجعلها تفضل عدم إرضاعهم لتنال مزيدا من الراحة.
كما بينت "أم سارة" أن الدراسة في المرحلة الجامعية كانت تشغلها عن إرضاع طفلتها، فذهابها إلى الجامعة وانشغالها بالدراسة وما يتبعها من واجبات، كانت تحرمها من رؤية طفلتها التي كانت تضعها في الحضاتة لحين عودتها إلى المنزل، ما كان يسبب حرمان الطفلة من حليب أمها.
وردّاً على ذلك، قالت الناشطة في حقوق الإنسان هيفاء حيدر إن حق الطفل في الرعاية والرضاعة "حق مقدس" يجب أن يُصان وأن تسن القوانين التي تخدمه وتنفذه، بمعنى أنه يجب مساعدة المرأة العاملة المرضع في منحها اجازة رضاعة تصل إلى ساعتين على أن تكون اجازة الأمومة لها خمسة شهور، لكي لا يقع عليها اللوم في تقصيرها بإرضاع طفلها.
وأضافت بأن خمسة شهور كافية لمنح الطفل حقه في الرضاعة الطبيعية في المرحلة الأولى من عمره، وبعد الخمسة شهور يجب أن يتم توفير ساعتين لإرضاع الطفل يوميا، وهكذا يكون الطفل قد أخذ حقه الكامل في الرضاعة.
ولفتت حيدر إلى ضرورة منح رب العمل المرأة العاملة مكان لحضانة طفلها في موقع عملها، مشيرة إلى أن للمرأة المرضعة أيضا مجموعة من الحقوق فهي مسؤولة عن عمل البيت والعديد من المسؤوليات التي تتحملها أثناء حملها وارضاعها، وبالتالي ينبغي أن تتغير نظرة المجتمع لها.
وفيما يتعلق بدراسة المرأة وما يسببه من حرمان الطفل في الرضاعة، قالت حيدر إن تلك الفئة من النساء اللاتي يتوجهن للدراسة "يستحقن التكريم والتقديس (...) فالعلم هو سلاح في تطوير وإنماء الوطن".
وتابعت أنه و"بالتالي إذا لم يكن هناك أي عائق أو أي مسوغ مشروع أمام المرأة لإرضاع طفلها فعليها ذلك، والدراسة لا تقف عائقا أمام نيل الطفل حقه في الإرضاع".
وشددت على أنه في حال تم منح المرأة إجازة أمومة كافية وساعات إرضاع كافية، فهنا لا يوجد أي مسوغ للمرأة لأن تحرم طفلها من الرضاعة .
إلى ذلك، نصت المادة (16) من ميثاق الطفل العربي على حق الحضانة، حيث ذكرت في البند (أ) ان "للطفل الحق في أن يكون له من يقوم بحضانته، أي ضمه، والقيام على تنشئته وتربيته، وقضاء حاجاته اليومية والنفسية، والأم أحق بحضانة طفلها وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية".
وجاء في اتفاقية حقوق الطفل، والأردن من بين الدول الموقعة عليها، أن الأسرة باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، ينبغي أن تولي الحماية والمساعدة اللازمتين لتتمكن من الاضطلاع الكامل بمسؤولياتها داخل المجتمع.
ووضعت الاتفاقية في اعتبارها أن الحاجة إلى توفير رعاية خاصة للطفل قد ذكرت في اعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924 وفي اعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1959 والمعترف به في الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تضمنت المادتين (23 و24) منه على بنود تمثل حق الطفل، حيث نصت المادة (23) في البند الرابع منها على "تتخذ الدول الأطراف في هذا العهد التدابير المناسبة لكفالة تساوي حقوق الزوجين وواجباتهما لدى التزوج وخلال الزواج ولدى انحلاله، وفي حالة الانحلال يتوجب اتخاذ تدابير لكفالة الحماية الضرورية للأولاد في حالة وجودهم".
كما نصت المادة (24) من نفس العهد على أن "يكون لكل ولد ودون أي تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب، حق على أسرته وعلى المجتمع، وعلى الدولة اتخاذ تدابير الحماية التي يقتضيها كونه قاصرا".
إلى ذلك، تتباين وجهات نظر الأزواج حيال التزام زوجاتهم في إرضاع أطفالهم. ويقول "أبو إبراهيم" إن زوجته كانت تعمل في إحدى الشركات لفترات طويلة تتجاوز الست ساعات ما كان يؤدي بها إلى إبقاء أطفالها عند والدتها وبالتالي كانت لا تفيهم حقهم بالرضاعة.
ويوضح أنه ورغم محاولاته "البائسة" في إقناعها بترك عملها والتفرغ لأطفالها لكنها رفضت ذلك وأصرت على البعد عن أطفالها، الأمر الذي أدى إلى شعورهم بالنقص تجاه والدتهم بعدما تجاوزوا مرحلة الطفولة.
بدوره، ينوه "أبو زيد" إلى ضرورة تفرغ الأم لأطفالها في السنتين المبكرتين من عمرهم، حيث أن الطفل في هذه المرحلة يكون في "أشد الحاجة إلى صدر حنون وهذا الحنان لا يمكن أن يقدمه أحد للأطفال سوى والدته". ويشير إلى أن الرضاعة الطبيعية توفر مقدارا كبيرا من ذلك الحنان.
ومن جانبه، لفت "أبو مصطفى" إلى أنه اضطر إلى القيام باستئجار مرضعة كي ترضع أطفاله بسبب انشغال زوجته الدائم بعملها ودراستها، ما كان يحملّه مزيدا من المصاريف التي كان من الممكن لزوجته أن توفرها، فما تكسبه من عملها يدفع زوجها مقابلا له للمرضعة المستأجرة.
وفي ذلك، قالت حيدر إنه يجب على المشرع الأردني تعديل قانون العمل المتعلق بالمرأة وذلك ليتوافق مع طاقاتها وقدراتها على إرضاع أطفالها فهي بالنهاية ليست "سوبر مان" وبالتالي المسؤولية تقع على عاتق الدولة في ذلك.
وحملت حيدر الزوج مسؤولية استئجار مرضعة لإرضاع أطفاله و"السبب في ذلك أن الزوج يريد من زوجته أن تبقي جسدها جميلا دون أي تشوهات، فالرضاعة تؤدي إلى العديد من الترهلات وهذا يزعج الزوج".
بدوره، أضاف المحامي في حقوق الإنسان محمد العمري أنه لا يوجد أي قانون يجبر المرأة على إرضاع طفلها، وحتى التشريع الإسلامي لم يجبرها على ذلك، فهي فقط ترضعه على سبيل الندب لا الوجوب.
وأشار إلى أن المرأة بفطرتها تتوجه إلى ارضاع طفلها، وكما أنه يحق للمرأة أن تأخذ أجرا على إرضاع طفلها.
ومن جهتها، أكدت دكتورة الشريعة أسماء الشبول على أن الرضاعة الطبيعية بوصفها حق من الحقوق التي كفلتها الشريعة الإسلامية للطفل وبالتالي لها فوائد جمة تساهم في بناء جسد الطفل بالأسلوب الصحيح، والرضاعة الصناعية تفتقد الفوائد التي تحتويها الرضاعة الطبيعية.
وأضافت بأن الرضاعة الطبيعية تشبع الحاجات النفسية من الحب والحنان، حيث أن الأم ترضع طفلها بالإضافة للحليب الحب والحنان.
أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين