الأردن وقانون قيصر
دخلت العقوبات على سورية مرحلة جديدة مع بدء تنفيذ ما يسمى بقانون حماية المدنيين في سورية «قانون قيصر» في السابع عشر من حزيران الماضي من خلال الإعلان عن حزمة جديدة تطال تسعه وثلاثين شخصية سورية بالإضافة لمؤسسات حكومية وحلفاء للحكومة السورية وتحديدا إيران وروسيا وحزب الله اللبناني، ويأتي في ظرف تسيطر فيها قوات «قسد» الكردية المدعومة أميركيا على ثلثي ثروات سورية النفطية والزراعية والمائية شمال شرق الفرات بينما تحتل تركيا أجزاء من ادلب.
القانون هو الأقسى لأنه يطال معظم القطاعات والأنشطة الاقتصادية والمصرفية، ولن يقتصر تأثيره على الحكومة والشعب في سورية وعلى الحلفاء المباشرين فقط، بل يشمل كل من يتعامل تجاريا مع الحكومة السورية ومع الدول والكيانات التي تتعامل معها ومع عمليات التبادل من خلال مصرف سورية المركزي، وسيوضع من يرد اسمه على قائمة العقوبات الأميركية.
أردنيا لا يوجد تصور واضح حول تداعيات تطبيق هذا القانون على مستقبل العلاقات الاقتصادية باستثناء إجابة رئيس الوزراء على سؤال لقناة المملكة قبل أسابيع حول مدى تأثر العلاقات بين البلدين بعد دخول القانون حيز التنفيذ بأنه لن يكون هناك تأثير على الأردن لأن المواد المتبادلة بين البلدين معفاة في الأصل وهو الأمر الذي رحبت به دمشق عبر وزير خارجيتها وليد المعلم.
القطاع التجاري والصناعي ما يزال في مرحلة دراسة وتقييم تطبيق القانون بالرغم من رسائل تحذير الملحق التجاري الأميركي للتجار والصناعيين من خطورة وتبعات التعامل التجاري مع دمشق، وهو ما جوبه برفض واستياء عام لأن الأردن لا يستطيع تحمل المزيد من الخسائر. فقد دفع كلفة اقتصادية للأزمة عبر ما يقارب عشر سنوات تقدر بأكثر من 12 مليار دولار ناهيك عن أكلاف اللجوء السوري.
يتردد حديث عن آليات كثيرة يمكن اللجوء لها للتعامل مع مفاعيل قانون قيصر، وربما اللجوء لاستثناءات قد تمنح لبعض أصدقاء الولايات المتحدة ومنهم الأردن. لكن نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي جوول ريبورن أكد بأن هذا الأمر لن يحدث؛ فالولايات المتحدة الاميركية جادة في تطبيق القانون وقد وضعت ستة شروط على الحكومة السورية للاستجابة لها لرفع القانون.
الأردن لديه عدة أوراق يستطيع التلويح بها للحصول على استثناء واضح وصريح ومنها ورقة اللاجئين السوريين البالغ عددهم أكثر من مليون وثلاثمائة ألف لاجئ حسب تقديراته بينما تقدرهم مفوضية اللاجئين وحسب المسجلين لديها بـــ 656 ألفا من أصل 747 يعيشون في الأردن بالإضافة لتقديرات رسمية تقول بأن المواليد من اللاجئين منذ العام 2011 يقارب عددهم 150 ألف مولود جديد، ولم يعد منذ إعادة فتح الحدود إلا 44 ألف لاجئ. فكيف يعود البقية طواعية في حال التزام الأردن وفي ظل ظروف اقتصادية تهدف لخنق الدولة والمواطن السوري.
لا بد من التوقف عند أرقام اللجوء وهي كبيرة إذا ما أضيفت إلى اللاجئين الفلسطينيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى للدرجة التي أصبح فيها 40 % من سكان الأردن لاجئون، وهناك من يتحدث عما يقرب من نصف سكان الأردن. ولا أعتقد أن هذا يحدث في أي بلد آخر في العالم.
إذا ما استمرت العقوبات على سورية والأرجح انها مستمرة لاعتبارات مرتبطة بالصراع الإقليمي في المنطقة فلا أعتقد أن الأردن قادر على تحمل المزيد من موجات لجوء جديدة قد تحدث بفعل الظروف الاقتصادية. ولا بد حينئذ من مقاربة جديدة تطرح ملف اللاجئين على الطاولة؛ فلا يجوز أن ندفع الثمن مرتين مرة باستقبال اللاجئين والثانية بالاستجابة لقانون قيصر السيئ.