2024-11-27 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

تريدون الاصلاح؟ اذن غيروا ما بأنفسكم!

حسين الرواشدة
جو 24 : اعرف نفسك..، ، دعوة اطلقها اجدادنا الفلاسفة قبل آلاف السنين ، وكررها فقهاؤنا في مجالات الحضّ على اصلاح الانفس وصلاحها ، ومعالجة امراضها وما جبلت عليه من استعدادات متقلبة او ميل للهوى ، ثم اخذها دعاة التجديد والاحياء والتغيير ، فارتبط “التغيير” بالنفس اولا “ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم” وارتبط الوعي بمعرفة الذات والآخر ، اي بمعرفة “النفس” الانسانية ، بمختلف احوالها ومراتبها وميولاتها..

لكن هل يمكن لنا ان نعرف انفسنا ونفهمها؟ .. او: هل “النفس” الانسانية واضحة بما يكفي للتعرف عليها والاحاطة بجوهرها ووضع ما يلزم من ادوات للتعامل معها؟ لا يمكن - بالطبع - ان يتحقق ذلك دون معرفة معنى النفس ، وهذا المعنى مختلف عليه ، إذْ اجمع الفلاسفة مثلا - من افلاطون وارسطو الى الكندي والفارابي والغزالي..الخ ، على ان النفس امر معنوي لا يخضع للحواس وانها مباينة للجسم الانساني وان كانت مسيطرة عليه وموجّهة له ، فيما انتهى القرآن الكريم وهو يتحدث عن “النفس” في اكثر من 360 آية الى معان مختلفة تحمل دلالات مختلفة ايضا للنفس ، فهي مرّة تدل على الانسان ذاته ، بجانبيه المادي والروحي ، ومرة على “الضمير الانساني” وثالثة على طبيعة الانسان ، ورابعة على “الذات الالهية” ومع ذلك يقدم لنا القرآن الكريم اوصافا محددة لهذه النفس فهي مجبولة على الهوى ، ولديها قابلية للتقوى والفجور ، ومتقلبة غير مستقرة ، تمتاز بالعجلة والتسرع ، والخوف والرجاء ، والبخل والشحّ ، والهلع والفزع ، .. الخ ، كما ان لها احوالا ومراتب منه النفس المطمئنة ، والاخرى اللوّامة ، وكذلك الراضية والامّارة بالسوء.

حتى الآن ، لا يعرف احد على وجه الدقة معنى النفس الانسانية وطبيعة علاقتها مع الروح والجسد ، وحدود التفاعل الذي يحصل بين هذه المكوّنات ولا تكاد تجد اجابات حاسمة على كثير من الاسئلة التي تتعلق “بالنفس” مثلا: هل حياة النفس مستقلة عن حياة الجسد؟ هل كانت النفس موجودة قبل ان توجد في جسم الانسان؟ هل اختلاف الانفس متعلقة باختلاف الاجساد التي تحملها والارواح التي تسكنها؟ لماذا اقترن الموت بالنفس واقترنت الحياة “بالروح”؟ هل تفنى الانفس وتموت ام تعود للحياة مرّ اخرى؟ لماذا ارتبطت “النفس” بالانسان فقط دون سائر الحيوان؟

هذه عينة فقط من اسئلة تداولها - كما ذكرنا - الفلاسفة ، والفقهاء ايضا ، واجابوا عليها - بالطبع - لكنهم انتهوا الى التسليم بالموجود - كما هو - وفهمه في حدود افهامهم ومدى حاجتهم للتعامل معه ، ولم اجد - على حدّ علمي - دراسة علمية كاشفة لمعنى ومفهوم النفس كما وردت في القرآن الكريم ، لا على اساس معرفي محض او اجتماعي او سياسي او غيره ، مع ان في هذا الكتاب الكريم الذي تكررت فيه لفظة “النفس” مئات المرات ، ما يمكن التبصر فيه لارشادنا - كبشر - الى حقيقة انفسنا ، معرفة وفهما واستدلالا.. على اعتبار ان معرفة النفس - بدلالاتها وخصائصها وامراضها وسبل علاجها - هو “سر” التغيير.. ومفتاح الاصلاح ايضا ، اذا كنا نريدهما فعلا.

هل يكفي ان نقول “غيّروا ما في انفسكم” قبل ان نفهم ما هي “انفسنا”؟ هل يمكن ان يقودنا الجهل بحقيقة انفسنا وما فيها من استعدادات وقدرات وميولات الى “العلم” بواقعنا ومواجهة اسئلة عصرنا؟ لا ، بالتأكيد ، لكن ذلك لا يمنع من الافادة بما وصل اليه العلم الحديث ، وقد ندهش فعلا حين نسمع - مثلا - ان في “الجين” الواحد مناطق واسعة وطبقات مختلفة ، تشبه الكرة الارضية ، كل نقطة فيها مسؤولة عن جانب لا ارادي في العقل البشري ، كما ندهش - ايضا - حين نسمع ما انتهى اليه العلم الحديث في مجال التعامل مع “الذكاء” البشري او الاستعدادات النفسية لدى الانسان.. لكن هذه الدهشة لا تغدو ذات بال حين نقرأ في القرآن آيات معجزة عن “النفس” والروح وما تخضع لهما من حدود ومعايير وقوانين في وجودهما وحركتهما ومصيرهما. مما يستعصي على فهمنا في كثير من الاحيان.

سنظل عاجزين عن معرفة انفسنا ، لأن كمال معرفتها مرتبط بمن خلقها فقط ، لكن اليس من واجبنا ان “نقرأ” ونبحث ونتعلم ، لكي نفهمها - كما يفعل غيرنا - ولكي “نغيّرها” حتى نغيّر واقعنا.. هذا الذي تكدّس فيه الجهل والقنوط والخوف.. وغابت عنه شمس الحضارة.

المسألة لا تتعلق فقط بالنفس الانسانية وانما بقضايا وقيم ومعان اخرى كثيرة في حياتنا تحتاج الى منطق التفكير قبل التغيير.. والفهم قبل الحكم ، والوعي المنتج لا الاستهلاك الذي اصبح شعارنا في هذا العصر.
الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير