خيري حنون ورايته الذهبية... رمز الكرامة العربية الباقية
د.لؤي بواعنة
جو 24 :
أعجبني واحزنني واستثارني وحفزني ودعاني للكتابة بألم وحرقة وحب في الوقت نفسه، منظر خيري حنون ابو ناصر وهو حامل ورافع (ومقربط) برايته الفلسطينية خوفا من سقوطها، للحديث عن الراية والعلم. قالوا فيها وفي العلم، في تعريفه ومكانته وأهميته ورمزيته.... العلم رمز العزة والكرامة والسيادة والأصالة والمكانة والشموخ، فيه يلف جسد الشهداء، شهداء الواجب، شهداء الوطن، فخرا بما قدمه. العلم رمزا للقوة والشجاعة والتضحية، فضلا على أنه وساما للأحياء، يرفع على جميع الرؤوس.
ما حصل قبل أيام على مراى ومسمع العالم اجمع شرقه وغربه، من اعتداء وحشي وهمجي وعنف غير مبرر من جندي يهودي مرتزقة من اي بقعة في العالم لا نعلمها ، على رجل كنعاني فلسطيني أصيل مسن في عقده الستيني يدافع عن أرضه بطريقة سلمية يدعى( ابو ناصر خيري حنون) ، من طولكرم شمالي الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة ، شي يندى له الجبين . عملية الاعتداء على ذلك الرجل ومحاولة الإساءة له، بل واهانته وهو حاملا ومتزنرا بعلم بلاده رافضا التنازل عنه حتى رمقه الاخير، حتى لو ذهبت بحياته، مقصودة من قبل ذلك الجندي المحتل. سعى ذلك الجندي الإسرائيلي المحتل بفعتله الجبانة تلك، توجية رسالة لكل العرب، اننا متغطرسون رغما عن الجميع، وقادرون على كسر صمود العربي وعنوان كرامته ، بإسقاط علم بلاده وإذلاله دون تحريك ساكن من اي منكم . أراد الجندي الإسرائيلي المغتصب للأرض أن يوجه رسالة اننا مغتصبون لأرضكم على أعين الجميع غير خائفين ولا خجلين منكم. أرادوا تحطيم عنوان صمود فلسطيني الداخل بمحاولة التعدي السافر وطمس هوية فلسطين وعلمها المرفوع دائما فوق الأرض، أمام الجميع، بل أرادوا طمس هوية العرب والمسلمين، لأن القدس هي عنوان تلك الهوية وجوهرها وجزء لا يتجزأ من كيان هذه الأمة رضي من ضي وغضب من غضب . هم أرادوا ذلك بفعلتهم ومحاولاتهم المتعددة المتلونة والملوثة لشق صفوف العرب والعبث بمستقبلهم وهوياتهم وقيمهم، لكن الحاج ابو ناصر حنون ببساطته وعفويته وانتمائه كان لهم بالمرصاد، فقد بعث لهم بعلمه الفلسطيني وقمبازه وحطته، وتحديه لهم برسالة فاكس، أقوى من كل محاولاتهم تلك،،،، اننا باقون رغم كل ما تصنعون، محافظون على الأرض رغم المصادرات، واختفاء كل الأصوات العربية حتى استنكاراتها التي لم تعد قادرة على الخروج .
لقد قدم خيري حنون بصورته وبمرابطته تلك على أرضه في طولكرم، نموذجا حيا نيابة عن كل الفلسطينين المدافعين عن أرضهم، رسالة شجاعة تعبر عن كل ذي حق منهم ، صورة للعربي الفلسطيني الشريف المرابط على أرضه حتى لو تخلى عنه العالم بمجمله. صورة ابو ناصر بلباسه الفلسطيني التراثي الاصيل وهو ممسسك بعلم بلاده، صوره تعجز قواميس السياسة عن وصفها لأنها تحمل معان كثيرة وكبيرة، فهي كناية عن تشبثه بتراب وطنه وارضه. . صوره تعكس تحديه للقوى الإرهابية اليهودية المتغطرسة حتى وان كانت متسلحة باعتى انواع الأسلحة، لأن يملك سلحا أقوى من كل اسلحتهم، يملك سلاح حب الوطن وترابه والتمسك به والدفاع عنه والموت لأجله، والذي لا يضاهيه سلاح في العالم..فهي بالنسبة لهم مسألة وجود، ومصير واجيال تتوارث الأرض وتدافع عنها، وليست تقاس بقوى وغطرسه. صورةمعقدة الوصف والوصفة لذلك الفلسطيني المرابط الذي يعجز الساسة عن شكلها ومضمونها ويقفلون عاجزون عن الدفاع عنها او حتى النظر إليها، لانها اكبر من كل الوصف واكبر من أفعالهم وقدراتهم ووصفاتهم السياسية ، لانها لاتمت لا للضعف ولا للمصالح بصلة، ولا بحاجة أيضا ، ولا تعرف معنى الذل او الاستكانة. صورة لا تعرف الاستغاثة، لأن الزمن العربي الذي نعيش لم يعد يعرف معنى الاستغاثة ونخوتها، زمن لا يعرف سوى الخنوع والمصالح ، زمن لا يعرف معنى الصمود والكفاح ونتائجه. زمن غاب وغيب عنه المصير العربي المشترك. زمن أصبح لا يعرف إلا الأنا، اعيش ويموت غيري فلا ضير ما دومت بخير.. حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس.
لم تكن مسألة سقوط راية ابو ناصر خيري حنون المدافع عن أرضه في فلسطين حادثة عابرة. لم يكن سقوط علمه وارتطامه على الأرض ومحاولة النيل منه واهانه بالوثوب على راسه ورقبته، حادثة عابرة أيضا ، ولم تكن لتمر هكذا في إعلامنا واروقتنا واجندتنا دو ن توقف وتأمل وتفكر في معانيها، وابعادها في الداخل والخارج، في هويتنا ومستقبلنا كعرب ومسلمين. يفترض فينا ولنا جميعنا ان تكون تلك الحادثة اكبر من لقطة تلفزيونية، أو حزن وتضجر، لما يحمل سقوطها وصاحبها من دلالات عظيمة، لما تحملة الراية من دلالات وكنايات ورمزيات . لقد كانت الراية عبر التاريخ الإسلامي ومنذ عهد الرسالة موضع اهتمام ومكانة، ودليلا على صدق العمل، والتضحية والفداء في سبيل الدين. وليس ادل مثالا على ذلك ما كان مع الصحابي الهاشمي جعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله (ص) يوم معركة مؤته عندما قطعت يمينه فاستلم الراية بيساره ثم قطعت يساره فحمل الرايه بين عضديه حتى لا تسقط، فطعنه أحدهم إلى أن استشهد وأخبر الرسول (ص) أن الله أبدله جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء، ومنها عرف بجعفر الطيار. لقد كان للراية دروس وعبر، فهي ليست قطعة قماش تحمل وتوضع في مكان ما أو ترفع فوقه. وخير دليل على ذلك ما كان من حفاظ جعفر رضي الله عنها حتى رمقه الاخير، فكانت له عنوان دينه وكرامة جيشه وأمته ودفاعه عن حبيبه وصدقه.
لقد أعطى جعفر الطيار لأبناء الأمة كافة بموقفه هذا دروسا وليس درسا واحدا. أعطاهم درسا عظيما في الثبات على الحق، فلا تراجع وتخاذل وضعف رغم ضعف الامكانيات واختلاف موازين القوى. فقد كان الروم بحدود (٢٠٠الف تفريبا ) ومع ذلك صمد وصحابته ولم يتراجعوا، وضحوا بالمال والنفس لرفع الراية عالية شامخة. لقد منحهم البطل جعفر الطيار رضي الله عنه قوة وتصلبا ودعوة للأمة كافة لعدم النكوص والانهزام مهما بلغت النوائب، فعمل بها ابو ناصر وغيره ومن سيأتي من بعده من شرفاء الأمة ، من أهل فلسطين المرابطين على أرضهم والمقاومين والمتحدين لسياسة مصادرة الأراضي بالقوة في ظل ضعف عربي وانقسام واضحين. فكان ابو ناصر حنون على الرغم من كبر سنه وعدم قدرته الجسدية على مقارعة اليهود المدججين بأحدث الأسلحة الا انه بقي صامدا مدافعا عن أرضه رافعا علم الصمود والتاريخ والثبات والنصر في وجههم، متحديا بذلك ارادة اليهود ومن يؤيدهم وينصرهم ضد الحقوق العربية في فلسطين. فكان رمزا للكرامة العربية الصامدة والباقي حتى الآن رغم استباحتها وضعفها . اقول للتاريخ.. لن تستطيع إسرائيل بجندها وجيشها أن تهزم شعبا فيه مثل هؤلاء الشرفاء، الذين سيقفون سدا منيعا ضد قوى الغطرسة، فهم بمواقفهم الفردية والجماعية هذه يشكلون جبلا صلبا ضد كل مخططات يهود، لأنهم قدموا روحهم رخيصة للوطن والشرف والدين، ولأنهم مزجوا دمائهم بالتراب والعلم والراية في سبيل نصرة قضيتهم.. فسيكون النصر حليفهم مهما طال او قصر الزمن، ومهما طالت او قصرت المواجهة بينهما، وسيكون مثل هؤلاء عنوان لمن يمثلون الكرامة العربية التي مازالت قابضة على أرضها وكرامتها وقضيتها ومقدساتها ومرابطة للدفاع عن قدسها أولى القبلتين.. وثالث الحرمين.والتي هي كانت وما زالت مرتبطة ارتباط وجدانيا ودينيا وتاريخيا بالأردن والهاشميين منذ عهودها وحتى الآن والتاريخ شاهد على بذل الأردنيين وتضحياتهم في سبيل إخوانهم ونصرتهم.