jo24_banner
jo24_banner

علماء الأمة وأئمتها.. اتبدلتم أم ماذا..؟؟

د.لؤي بواعنة
جو 24 :


ان التاريخ علم مفيد ورائع. والتاريخ لا يكذب، بل نحن الذين قد نكذب. وقد تعلمنا على أيدي شيوخنا الاجلاء ممن ننحني اجلالا واحتراما أمام علمهم وخبراتهم وتجاربهم البحثية التي تعلمناها منهم، ان التاريخ سجل للأمة بتاريخها وماضيها واحوالها وحوادثها المختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وثقافيا ودينيا.لقد وجد التاريخ لغايات وأهداف عديدة، لفهم ذلك الماضي ودراسته والتعمق به وتحليله وأخذ العبر منه ومقارنته بالحاضر الذي نعيش بغرض استشراف المستقبل والتخطيط له أيضا . ومن يدرس التاريخ ويبحث في بطون كتبه يجد فيه الغث والسمين، يجد فيه كيف صعدت الامم والحضارات، وكيف اندثرت، كيف ومن مجد السلاطين وكيف خلدهم التاريخ، وكيف انمحى إثر بعضهم من ذلك التاريخ. فياتي المؤرخ لببحث وينقب ويقارن حتى يعرف من رصد الحقيقة ومن ضخم ومن زور وحرف.. والتاريخ لا يكذب أيضا من جديد، بل نحن الذين قد نكذب . وكثيرا ما يخرج عليك البعض ليطعن في تاريخ هذه الأمة وليقول التاريخ مزور. نقول.. لا يوجد شي اسمه تاريخ مزور، هناك شي اسمه أشخاص او مؤرخون او اخباريون او كتاب إنشاء أو ادباء او علماء..أما مالوا او انحاز وا لجهة او مذهب او جماعة او سلطة حاكمة،. أو قد يكونوا أولئك المؤرخون او المستشارون او المؤتمنون قد ضخموا، اوزينوا لأمير او لصاحب سلطة سياسته أو فعلته اوتوجهاته، فاباحوها له وشرعنوها له، بقالبها الديني الخاص لها. فأصبحت محللة من قبلهم هم وسلاطينهم، بعد أن جمعوا وساقوا كل غريب من الشرع والتاريخ ليناسبها على مقاسها. وبعضهم غيروا، وبدلوا، ودون على أنه تاريخا. ولكنه تاريخا غير حقيقي، تاريخ مؤقت، سيسجل ويقارن بغيره، وبعد زوال السبب بوقت او تغير سلطه سينبش ويمحى. وتحدث اللعنة .. ويعود التاريخ لمساره من جديد..

علماء الأمة محور حديثنا ومقالنا، هم ركن هام من أركان الدولة والأمة، وأساس رفعتها، والمحافظة على دينها واوطانها. فالعلماء هم من نهضوا بالأمة. هم من اقتدت الأمة والقيادة بهم، وبارائهم عندما كانت الامم تخشى من هيبتنا وغضبنا، وعندما كان بالأمة علماء لا يعرفون إلا الحق والخوف من الله ، لا يعنيهم ترف زائل ولا منصب ذاهب ولا قضاء ولا غيره. وكم من عالم في تاريخنا الإسلامي اعتذر عن القضاء، .وقد حدث في عهد الدولة الفاطمية بمصر أن جيء بالامام السني المحدث الفقيه ابو العباس احمد بن الحطيئة اللخمي ليتولى القضاء، فاشترط عليهم شروطا صعبة ومنها ان لايقضي بمذهبهم يعني "الرفض" ولكنهم لم يمكنوه من ذلك، واشترطوا عليه القضاء بمذهبهم، لم يجيبوا طلبه، وقاموا بعزله واعفائه من منصبه وتولية غيره،وكثر هم اؤلئك في أيامنا هذه.

العلماء واقصد تحديدا علماء الشريعة هنا، هم من رسموا للأمة طريقها وليس الأمة هي من رسمت طريقهم . علماء الأمة هم الذين قادوا القادة والأمراء ورسموا لهم طريقم، لأنهم رضوا لأنفسهم ان يكونوا علماء أمام الله والأمة فتحملوا مسؤوليتهم الأخلاقية والدينية أمام الله والتاريخ. هؤلاء هم من يعلمون الناس ويفقهونهم أمور دينهم، رضوا بالقليل قبل الكثير، علماء الأمة هم من كان السلطان يهابهم، لا من يهابون السلطان، ويمهدون الطريق لسياسته ومخططاته ويقودون الشرع لآرائه. علماء الأمة هم الذين كان السلطان يخاف غضبهم، لا هم من يخافون غضب السلطان، ولهذا استحقوا ان يكونوا علماء فخلدهم التاريخ الإسلامي حتى اللحظة.وهم كثر بحمد الله.

لقد برز دور علماء الأمة واضحا وجليا في أيام عز المسلمين ومجدهم وتعبئتهم لأفراد وجندها، واستعدادها لتحرير مقدساتها، من خلال تأثيرهم على القيادات السياسية والعسكرية، وبهكذا سياسة وتربية ونهج ، انتصروا وهابهم الأعداء وليس العكس، فكانوا يذكرون القائد والامير بضرورة جهاد الأمة ودفاعها عن اوطانها ومقدساتها، دائما وابدا في حله وترحاله ، وما يستلزمه من تقوى الله و الالتزام بالكتاب والسنة. وكانوا يحفزون القائد او الأمير على الجهاد والعمل لصالح الأمة اذا انتابه التقاعس او انحرف قليلا او فكر بذلك او غفل عن رعيته واصلاحها. والشواهد التاريخية من ذلك العصر كثيرة، فقد نبه الفقيه برهان الدين البلخي الملك نور الدين زنكي في إحدى المناسبات ما كان عليه جيشه من مفاسد تعيق النصر لقوله له:" أتريدون أن تنصروا وفي عسكركم الخمور والطبول، والزمور، كلا والله". فما كان منه إلا أن نهض واستعان بالعلماء لحث اهل البلاد على مقاتلة الأعداء،.. وحدث فعلا. فكان بطلا وقائدا، وموحدا، وعيونه تنظر وعلمائه نحو القدس صباح مساء،.

لم يكن علماء الأمة المحيطين بالقائد اوالسلطان أدوات تستخدم لمصلحة او غاية ، إلا لنبيلة تصب في هدف واحد وهو مقارعة الأعداء والدفاع عن مقدساتها... فالقائد مثل نور الدين وصلاح الدين او غيرهما هو الذي يشرف بنفسه على جهازه الدعائي ويحثهم على كتابة قصائد هنا ورسائل هناك وكتب في مدينة كالقدس او دمشق لتحدث الأثر المطلوب.. فكانوا اعمدة، بهم تقاد الأمة وقادتها ، وباقلامهم وحناجرهم كانت تنتصر الأمة، وبمشورتهم يهتدي القائد، ويخطى الخطى نحو التحرير، تحرير الأرض من المعتدين، لا لاسترضائهم . هكذا كان علمائنا. لكن ذلك كله عندما كنا أمة، على قلب واحد وغاية واحدة، وعندما كان العالم عالم، والإمام امام ويستحضرني الآن، ودائما، القاضي الفاضل البيساني العسقلاني المصري، وهو الذي كان يكتب بقلمه كتب الحشد والجهاد والوحدة، وادبيات القدس وفضائلها، والتحفيز على استرجاعها، ويضعها بين يدي للسلطان صلاح الدين الأيوبي ودواوينه ويبعثها لأمرائه حتى تتحرر بيت المقدس من براثن الأعداء. ولهذا استحق المقوله المشهورة لصلاح الدين فيه (لا تظنوا أني ملكت البلاد بسيوفكم بل بقلم الفاضل). اي لا بالعدد والعدة كالطائرات والدبابات وحدها، فهناك ما هو أهم، إنها لفة العلم لغة الفكر الإسلامي الصحيح الذي ربانا عليه رسولنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم وربه الكريم . وعندما مات القاضي الفاضل.. وهو أشهر علماء الأمة زمن صلاح الدين لم يترك الا كتب الجهاد والفضائل والسمعة الطيبة ، لم يكن يسعى وراء سلطة او ولاية لاحد أبناءه او غيرها. ولهذا كله خلده التاريخ لانه صدق القائد والأمة وقدم النصح بما يرضي الله أولا، وليس لغير ذلك مقصدا او مأربا. فهل لنا بعالم كالقاضي الفاضل في أيامنا هذه. اعتقد ان الموازين انقلبت ، والزمن تغير، ولم يعد تاريخ الامس تاريخ اليوم وربما فاضل اليوم لم يعد كفاضل الأمس، لان الغايات اختلفت، والسياسة تبدلت والمصالح غلبت عليه ، والقادة تبدلوا والأمة ابتعدت عن أهدافها ومساعيها ودينها . ولكن كتب التاريخ لم تتبدل ولن تبدل ولن تكذب كما يظن البعض،ولكن من يكتب التاريخ، ويقدم النصح هو الذي تبدل وتغير، فالشواهد التاريخية لم تتبدل فهي حيه. والأدلة التي يعتمد عليها لم تتغير، وإنما علماء الأمة هم الذين تغيروا وبدلوا وصحفوا، فلوث بعضهم تاريخه بالترويج لمسالة هنا أو هنا ارضاء لسيده، غير ابه برضى من هو أعظم من سيده.

علماء الأمة في عهد الابطال أمثال نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي كانوا في الصدارة. كان هؤلاء العلماء يقدموا على الأمراء، حتى اوغل ذلك صدور الامراء على العلماء والحقد عليهم ، لأنهم لم يكونوا يتزلفون ولم يكونوا يخشون غصب السلطان بل هو من كان يخشى غضبهم، فنالوا ثقته ومحبته واحترامه وتوقيره وعظمت مكانتهم عنده. وقد حدث زمن نور الدين زنكي أنه لم يكن أحد من الأمراء يجرؤ على الجلوس عنده لهيبته، في حين كان إذا دخل عليه عالم مشى إليه وأجلسه إلى جانبه، احتراما واجلالا له. وبشدة حبه لهم حفلت مجالسه بهم حتى أصبحوا موضع حسد الأمراء.،وحدث في عهد الأمير نورالدين زنكي أن حسد احد الأمراء الفقيه قطب الدين النيسابوري وتجرا عليه لقربه من الأمير نور الدين زنكي وبحضوره ، فما كان من الأمير إلا أن بخ ذلك الأمير وهدده مبينا اجر العالم وفضله ومنزله. أما اليوم فما يحدث هو العكس، العلماء هم الذين يتوددون من الامراء ليحضوا بالمنزلة والرضى والمناصب والالقاب فقدموا مصير الأمة قربانا لهذا الرضى. .... انهم العلماء يا سادة،،، انهم العلماء.الذين سيحاسبهم التاريخ على تقديم مصالحهم ومصالح سلاطينهم على مصلحة الأمة واهدافها ومقدساتها وكرامتها.. وسيسألون عن علمهم ونصائحهم وما فعلوه بالامة تمهيدا وقربانا لضياعها ، لانها للأسف هي في طريقها للضياع والنسيان. .. وقتها لن ينفع الندم.. لأن ما اقترفته أقلامهم وحناجرهم وبدعهم أصبح تاريخا لا يمحى ولو بماء الورد والذهب..
تابعو الأردن 24 على google news