الهجمة على النائب اسامة العجارمة .. القصة ليست رمّانة ابدا
باسل العكور
جو 24 :
لم نكن نعرف أن السلطتين التنفيذية والتشريعية شديدتا الحساسية لدرجة أن زيارة نائب لمنشأة صناعية في جنوب عمان، سيدفعهما للاستنفار واظهار كل هذه الجدية والحسم والردع ..
للوهلة الأولى، يظن المتابع لتصريحات بعض المسؤولين واستنفار بعض الأقلام ووسائل الاعلام، أن هناك خطرا مدلهمّا يتهدد الاستثمارات المحلية والأجنبية، وأن هناك حالات متكررة من التعرض والتعدي للعديد من المنشآت الصناعية والاستثمارية على امتداد جغرافيا الوجع الممتدة من عقربا شمالا إلى العقبة جنوبا.
رئيس مجلس النواب عبدالمنعم العودات في اللقاء الذي جمعه بأعضاء الغرف الصناعية والتجارية قال أن حماية الاستثمارات المحلية والاجنبية مسألة لا مجال للتساهل بشأنها، مؤكدا على مبدأ سيادة القانون الضامن لحقوق جميع الأطراف ولسلامة الدولة ومؤسساتها ومنجزاتها ومستقبل أجيالها..
المتتبع لهذه التصريحات والمقالات والموجة المنظمة السوشال ميدياوية، التي استهدفت جميعها النائب أسامة العجارمة، يظن ان امرا جللا قد وقع ، وهذا ما لا ينطبق ابدا على تفاصيل ما نشر حول سوء التفاهم او المشادة التي وقعت اثناء زيارة العجارمة للمصنع .
هذه الحادثة التي جرى تضخيمها، وردود الفعل عليها ،وتصنيفها كاعتداء وهجمة على الاستثمارات المحلية والاجنبية في البلد ، تثير العديد من التساؤلات المهمة والجوهرية؛ فما الذي يُشكّل خطرا حقيقيا على الاستثمار؟ الا تعتبر السياسات الجبائية ورفع الرسوم والضرائب وأسعار الطاقة وتصاريح العمل وغيرها من الاجراءات الطاردة لرأس المال والسياسات الحكومية البيروقراطية خطرا على الاستثمار في بلادنا ؟ ثمّ لماذا لم نشاهد استنفارا رسميا على هجرة المستثمرين المستمرة إلى الخارج لاسباب لا تخفى على احد ؟
لا نعرف متى ستتوقف عمليات اقتناص الفرص والاصطياد في الماء العكر، من قبل بعض المتحاذقين والمتذاكين الذين يستشعرون اتجاهات المرجعيات العليا وأصحاب النفوذ، ويباشرون فورا بركوب الموجة ، وذلك عن طريق تعديل مواقفهم و أولوياتهم وردود فعلهم وعلاقاتهم واصطفافاتهم على نحو يتسقون به مع مزاج السلطة وانحيازاتها ، فتراهم يتحركون أحيانا بايعاز وفي أحيان أخرى بشكل ذاتي دفاعا عن توجهات مراكز القرار بغض النظر عن كلفتها وصوابيتها ووجاهتها وما إذا كانت تخدم المصلحة العامة أو تتعارض معها تماما.
النائب العجارمة الذي سجّل أداء نيابيا متميزا ومتمايزا ونوعيا، كشف عن استقلالية قراراته ومواقفه وردّات فعله، حيث تمكن بسلاسة شديدة من الفوز بتأييد البسطاء من أبناء هذا الشعب المبتلى بساسته ونوابه ونخبه وكتابه، لأن الكلام والأفعال التي تخرج من القلب، تصل حتما وتستقر في القلوب.. هذا هو سرّ انحياز الناس الكامل للعجارمة، وعدم قناعتهم بالراوية الرسمية التي تبنت كالعادة رواية رأس المال الذي بات يدير الساسة ويصنع القرار.
ربما كانت الغاية من تهويل هذه الحادثة ونفخها وتضخيمها هي تشويه صورة النائب العجارمة وتحجيم دوره فقط، أو ضرب ما يمثله وما يعنيه وما يعبر عنه، أو أنها جاءت لتبرير وتسويغ وضع مدونة سلوك نيابي، ستشكل قيدا جديدا على أداء السادة النواب داخل المجلس وخارجه ، وربما جاء هذا الضخ الاعلامي المبالغ به لتحقيق هذه الأهداف الثلاثة معا..
نحن لا نبرر ولا ندافع عن ممارسة خاطئة ارتكبت ، ولسنا معنيين ابدا في الانحياز الاعمى للنائب العجارمة او لغيره ، ولا نفكر في جر السجال الى خارج دائرة الاثر الذي خلفته الحادثة ،ولكننا قلنا ما قلناه ،لاننا نظن ان وراء الاكمة ما وراءها ، وانه قد جرى - بمنهجية وقصدية واضحة - تحميل المسألة معاني ودلالات غير ذات صلة بالواقعة .. القصة ليست رمانة انما هي قلوب مليانة ...