حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهم أهل الباطل أنهم على حق
نايف المصاروة
جو 24 :
الصمت لغةً: صَمَتَ يَصْمُتُ صَمْتاً وصُموتاً وصُماتاً: سَكَتَ، وأَصْمَتَ مثله.
والتَصْميتُ: التَسكيتُ، وَيُقَال لغير الناطق صَامت وَلَا يُقَال ساكت.
وأصمته أنا إصماتًا إِذا أسكته، وَيُقَال: أَخذه الصمات إِذا سكت فلم يتكلم.
اصطلاحاً: قال المناوي: (الصمت: فقد الخاطر بوجد حاضر، وقيل: سقوط النطق بظهور الحق، وقيل: إنقطاع اللسان عند ظهور العيان)، وقال الكفوي: (والصمت إمساك عن قوله الباطل دون الحق).
هناك فرق بين الصمت والسكوت، ومن وجوه ذلك الفرق: فإن السكوت هو ترك الكلام، مع القدرة على ذلك. وبهذا القيد يفارق الصمت.
اما الصمت يراعى فيه الطول النسبي، فهو لا يكون صامتاً إلّا إذا طالت مدة الصمت، وغير ذلك يكون ساكتاً.
والسكوت هو القدرة على الإمساك، عن الكلام متى شاء الفرد، حقاً كان ذاك الكلام أم باطلا، أما الصمت فهو الإمساك عن الباطل دون الحق.
ويعرف الحق في اللغة: بانه هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره.
وفي القاموس المحيط: يطلق الحق على المال والملك والموجود الثابت، ويُقال حق الأمر: أي وجب ووقع بلا شك.
لسان العرب: الحق هو نقيض الباطل.
المعجم الوسيط يطلق الحق على الصحة، والثبوت، والصدق.
وفي اصطلاح أهل المعاني.. هو الحكم المطابق للواقع.
وهنا سؤال مع الإجابة عليه : ما هو مفهوم الحق، بشكل سهل ومبسط؟
فتكون الإجابة :- هو نقيض الباطل وخلافه، وهو مصدر من حق الشيء إذا ثبت وكان واجبًا ، ولا يصح إنكاره، يقول ابن فارس: في مقاييس اللغة «كل ما يدل على إحكام الشيء وصحته».
وبمعنى هو الحكم المطابق للواقع، في الأقوال والعقائد والأديان، ويقابله الباطل.
واما معنى الوهم في اللغة، فقال في لسان العرب:-
الوَهْمُ من خَطَراتِ القلب، والجمع أَوْهامٌ وللقلب وَهْمٌ، وتَوَهَّمَ الشيءَ، تخيَّله وتمثَّلَه، كان في الوجود أَو لم يكن. وقال تَوهَّمْتُ الشيءَ وتفَرَّسْتُه وتَوسَّمْتُه وتَبَيَّنْتُه.
يعرف الوهم في الطب، على أنه شكل من أشكال التشوّه الحسيّ، ويدلّ على سوء تفسير الإحساس الحقيقي، ويعرف أيضاً على أنّه إيمان الشخص بمعتقد خاطئ بشكل قوي، رغماً أنّه لا يوجد أدلة على وجوده أصلاً، كما عرفه البعض على أنّه شكّ، أو وسواس يصاب به الفرد ليرى بعض التصوّرات غير الموجودة على أنها حقيقة واقعة
واما الباطل في المعنى اللغوي: باطِل: (اسم)
الجمع : أباطيلُ و بُطُل و بَواطِلُ ، المؤنث : باطِلة ، و الجمع للمؤنث : باطِلات و بَواطِلُ.
ذهَب دمه باطِلاً: قُتل ولم يؤخذ له ثأر ولا ديّة،
ذهَب عملُه باطلاً: خاليًا من الفائدة
ما لا ثبات له عند الفحص عنه، عكس الحقّ اتّهام/ زواجٌ باطل.
عقدٌ باطِل: (القانون) عقد يشوبه البطلان بسبب فقدان أحد شروط صحّته.
عَمَلٌ بَاطِلٌ : خاسِرٌ لاَ فَائِدَةَ فِيهِ.
وَجَّهَ لَهُ تُهْمَةً باطِلَةً: لا أسَاسَ لها، تُهْمَةً مُلَفَّقَةً
ذَهَبَ جُهْدُهُ بَاطِلاً : عَبَثاً، ضائِعاً
الإسراء آية 81. وقُلْ جاءَ الحقُّ وزَهَقَ الباطِلُ إنَّ الباطِلَ كانَ زَهُوقاً (قرآن)،
بمعنى : الكَذِبُ والبُهْتَانُ وكُلُّ ما هُوَ مُنافٍ لِلْحَقِّ والعَدْلِ، وَلا يَمُتُّ إلى الحق بِصِلَةٍ.
من المعلوم أن الباطل خلاف الحق وضده، ويعني: ذهاب الشيء وزواله، وقلة مكثه في الوجود والواقع، «وبطل الأجير بالفتح بطالةً، أي تعطل فهو بطال».
المعنى الاصطلاحي:الباطل هو: ما لا ثبات له، ولا خير فيه، سواء أكان اعتقادًا، أم فعلًا، أم كلامًا، أم غيره.
وما يجمع هذه المصطلحات مع المعنى اللغوي هو الزوال والذهاب، فما كان غير صحيح فهو إلى ذهاب، وفي عرف الفقهاء: الباطل كأنه لم يكن، فهو زائل.
بداية اعتذر للاطالة في شرح المعاني والمفردات والاصطلاحات ، ولكنها باتت ضرورية، لأن البعض بكل اسف لا يقراون ما بين السطور، ولا يفهمون المعاني على اطلاقها، حالهم في اللغة، كحالهم في الإقتصاد، والسياسة ومقارعة الساسة.
امر مؤلم، وواقع اشد ايلاما، ان يكون في امة إقرأ من لا يقرأ، إلا ما يوافق هواه، والادهى أن يكون في أمتنا دعاة للباطل، يتلبسون بلبوس اهل الحق، يميلون حيث مالت رياح المصالح والعطايا والهبات، لا هم لبعضهم إلا حزمة من الدراهم او الدولارات او الدنانير، أو سيارة أمام مدخل لعمارة يمتلكهما، او مسمى وظيفي سواء أكان عاما او خاصا، مع أولوية الظفر بالمقعد العام، فهو اكثر نفوذا.
اعود لعنوان مقالتي، حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهم أهل الباطل أنهم على حق، فينسب البعض هذا القول بانه للخليفة الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه، وللحق وبعد البحث طويلا، في كتب اهل السنة بشكل عام، وعند الشيعة بشكل خاص، فلم أقف على هذا القول منسوبا إليه رضي الله تعالى عنه، ومعنى هذا القول في الجملة سليم، فإذا ترك الباطل قوي واستأسد، وإذا تصدى له أهل الحق تلاشى واضمحل.
من الحق ان فلسطين جزء عزيز، من بلاد الشام، هويتها عربية اسلامية، لا ينازع في ذلك الا جاهل، او عدو حاقد.
من الحق ان يعي العرب والمسلمين ،في مشارق الارض ومغاربها تمام الوعي، بان فلسطين والقدس، كانت في عهدة النصارى ، اللذين سلموا مفاتيحها، للخليفة المسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه،قبل اكثر من 1400 عاما، ولرهبانهم ولكنائسهم ولصلبانهم، وحقنا لدماءهم وحفظا لأموالهم واعراضهم، وكافة حقوقهم، كتب رضي الله عنه، عهدته العمرية، في اجمل وأعدل ميثاق، لم تعرف البشرية في تاريخها، عهدا مثله، ولم يتسلمها من اليهود ، اهل الغدر والمكر والخديعة، نقضة العهود وقتلة الانبياء.
ومن الحق ايضا، أن الصهاينة هم اهل الباطل ودعاته، وهم من اعتدوا على ارض فلسطين، واحتلوها، تحت غطاء المؤمرات والغدر ، إبتداءا من سايكس بيكو، او وعد بلفور،وانتهاءا باوسلوا وغيرها، مسميات لمؤتمرات ومؤامرات، عهر وظلم ومكر وخديعة، ومع عظيم الاسى قابلها بعض الغدر والكثير من الخنوع العربي والإسلامي، وصمت مطبق.. ثم مطبق من قبل اهل الحق اهل فلسطين. .
في فلسطين.. كانت وستبقى القدس، التي على ترابها الطهور شيد المسجد الاقصى، القبلة الاولى وثالث الحرمين، واليها تشد الرحال، ولها تحن القلوب، وعلى فراقها والبعد عنها، تذرف العيون دموعا ودما.
لما سكت اهل الحق، عن كل حقوقهم قي فلسطين، إزداد اهل الباطل، من الصهاينة واذنابهم واعوانهم، توغلا واستعمارا، واكثر احتلالا وإرهابا، وفتحت شهيتهم اكثر للقتل والجرح والاعتقال، واشد جراة على الباطل، فهدموا ودمروا دور العبادة والمنازل، واصبحوا اشد فتكا وتخريبا حتى للاشجار والمزروعات، واكثر واكبر احتلالا للارض، ثم تسليمها للمستعمرين الغزاة، من اليهود الذين أتت بهم المنظمات اليهودية، من كل حدب وصوب، ليسكنوا فلسطين ويستعمروها، بحجة أنها ارضهم الموعودة، فباتوا يكيلون ويقيسون، ويتمتمون لبناء هيكلهم المزعوم زورا، على انقاض مسجدنا وقبلتنا الاولى.. حقا وصدقا.
ولما سكت اهل الحق عن حقوقهم، تجرأ اهل الباطل عليهم، فسلبوا المزيد من الحقوق،وبدلا من دفاع اهل الحق عن حقوقهم، بكل ما أوتوا من عدة وعتاد، لجأوا الى مفاوضات الاستسلام، باثواب الذل والسلام، فاعانوا اهل الباطل على المزيد من الغي والبغي والباطل.
والسؤال هل يفاوض المجرم المعتدي على الحقوق المسروقة ، ليسترجع بعضا او جزءا من الحق الذي سرقه او سلبه او اعتدى عليه؟
في اي قانون، او ميزان للعدل يكون هذا؟
وحين سكت أهل الحق عن حقوقهم، ظن اهل الباطل انهم على الحق، لذلك وجه رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيف كوخافي، تهديدا لسكان لبنان وقطاع غزة قائلا: "غادروا أماكنكم فهي مشبعة بالصواريخ والقذائف، وقال... هذه المناطق ستغمرها هجمات الجيش الإسرائيلي..من يقرر عدم المغادرة يفعل ذلك على مسؤوليته الخاصة".
اليس في هذا التهديد، إرهاب صريح، وإثارة للخوف والإضطراب، ومخالفة صريحة للقانون الدولي، ولماذا يسكت اهل الحق على مثل هذا التهديد؟
نقول أن الصهاينة هم أعداءنا، لأنهم يحتلون فلسطين بالباطل، ويرهبون اهلها ويهجرونهم، ويدمرون مساكنهم، ثم يدخل معهم اهل الحق من العرب، في مفاوضات وتطبيع واتفاقيات سلام، والأدهى والأشد الما، ان البعض، يدخل معهم في تحالفات عسكرية، وتبادل للمعلومات الامنية، يقول رئيس اركان جيش الاحتلال الصهيوني، افيف كوخاي، خلال مؤتمر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إلى أنه "في مواجهة المحور الشيعي الذي يمتد من إيران مرورا بالعراق وسوريا ولبنان تبلور تحالف إقليمي قوي يبدأ من اليونان وقبرص ومصر والأردن ودول الخليج العربي، حيث تقف دولة إسرائيل داخل هذا التحالف".
وانا اقرا قول المأفون افيف كوخاي، تذكرت قصة الثعلب والديك، للشاعر العربي احمد شوقي، والتي منها:-
بـَرَزَ الثعـــْـــلَبُ يوماً....... في شـِعـــار الواعـِظيـنا
الى ان قال...
فأجـــــاب الديـكُ عـُذْراً...... يا أضــَـل المهـْتـَدينا
بـَلـِّـغ الثـَعـْلـَبَ عـَنـي....... عـَنْ جـُدودي الصالحـــينا
عن ذَوي التـِيجان مـِمـَّن....... دَخــَــلَ البـَطـْنَ اللعينا
إنهم قـــالوا وخـَيـْرُ الـ....... قـَوْلِ قـَـوْلُ العـــارفينا
" مـُخـْطـِئ ٌمـَنْ ظـَنّ يـَومـاً....... أنَ لِلثـَعـْـلَبِ ديـــنا ".
وإني لاعجب أشد العجب، كيف يقبل اهل الحق، ان ينزلوا وينزلقوا الى هذا المقام، من الذل والانبطاح والاستسلام، بالرغم من حالات القتل التي تتكرر كل يوم، برصاص اهل الباطل او تحت عجلات سياراتهم، ناهيك عن مئات الآلاف من الجرحى، ومثلهم من المعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني.
سؤال يراودني.. لو ان اهل الباطل واعوانهم، هدموا مسجدنا الاقصى، يا ترى ماذا سيفعل كل اهل الحق، وكل اعوانهم وهيئاتهم، ومعهم كل المنظمات الحقوقية الدولية؟
بالنسبة لي اعي واعرف واعلم.. ان الرد العربي والاسلامي، سيكون مزيدا من الشجب والاستنكار، اما رد الهيئات والمنظمات الدولية، فلن يتجاوز عادته عن الشعور بالقلق إيااااه.
وحين سكت اهل الحق عن حقوقهم، تكالبت على عراق الرشيد، كل قوى الشر، فاذاقوا اهله سوء العذاب، تحت مسمى الحرية والديموقراطية الممسوخة، ثم تركوهم، يصارعون فتن الطائفية والمذهبية، فتفرقوا شيعا واحزابا، يقتل بعضهم بعضا، فكثر الهرج والمرج، حتى أصبح القاتل لا يعرف لما قتل، ولا المقتول فيما قتل.
ولما سكت اهل الحق، عن نصرة الحق، تكالب اهل الباطل ايضا على سوريا، مع تغيير فقط في المسميات، فظهر ارهاب داعش، والنصره وقسد والاحرار، وغيرهم من الفجار، فقصفت مدن واحياء على ساكنيها، ومن لم يمت تحت ركام المساكن والبنايات، مات او جرح بالبراميل المتفجرة، او بالاحزمة الناسفة، او الصواريخ الموجهة الذكية منها والاشد غباءا، وعلى ايدي كل الطغاة والبغاة، من اهل الباطل، بمن فيهم الصهاينة واعوانهم.
وسؤال آخر.. اين اهل الحق ودعاته، من التصدي العسكري، لهجمات الطيران الحربي الاسرائيلي،ثم اين هم من التصدي القانوني للخروقات المتكررة للاجواء اللبنانية والسورية؟
ولما سكت اهل الحق في اليمن، وانصارهم من العرب والمسلمين، عن نصرة الحق، تمرد اهل الباطل، وتوهموا بانهم أصحاب حق، فدمروا البلاد، واجاعوا وقتلوا العباد، ثم طالبوا بتقاسم سلطة الحكم، لتظهر في الأفق، إشارات وإمارات لتقسيم اليمن، الى يمنين او ربما اكثر.
ثم تأتي الامم المتحدة، ومعها بعض المتنفعين، ممن لا مسمى لهم، ليتفاوضوا مع ذلك المتمرد المعتدي!
وحاصل القسمة والحسبة،أن ما بناه اهل الحق في العراق وسوريا واليمن، في سنوات عجاف، هدمه ودمره اهل الباطل في ايام نحسات.
ترى هل يعلم اهل الحق... كم يبلغ حجم الدين الخارجي على العراق، والى كم من المليارات من الدولارات، تحتاج
سوريا واليمن لإعادة إعمارهما....!
وما اسباب تلك الديون... ومن تسبب بها، او اهدرها؟
نفس مشاهد الباطل تتكرر، في فلسطين والعراق وسوريا واليمن، ويتكرر معها سكوت اهل الحق، عن المطالبة بحقوقهم، سكوت مخيب ومخيف، ومع كثرة تكراره، اصبح كانه رضى وقبول عن كل اعمال اهل الباطل.
قالوا في الحق.. الأمل الكبير يتحقق دائمًا؛ عندما يتشبث أصحاب المبادئ بالحق والصبر والكفاح.
وقالوا... الباطل لا يصير حقاً بمرور الزمن.
وقالوا... لا يكون المرء صاحب حق ما لم يدافع عنه.
وقالوا في الباطل.. إذا ظهر الباطل على الحق، كان الفساد في الأرض، وقليل الباطل وكثيره هلكة، وإن لزوم الحق نجاة.
وقالوا ايضا... شريك المبطلين في باطلهم من يساعدهم بجهله على الباطل، ولا يكلف نفسه عناء المعرفة والبحث عن الحق.
وقالوا في الحالتين... إن الناس إن لم يجمعهم الحق، شعَّبهم الباطل.
والى دعاة الباطل.. ومروجوه... من السماسرة وتجار الهوية،، قالوا... الحق مزعج للذين إعتادوا ترويج الباطل حتى صدقوه.
واصدق ما قيل.. هو قول الله تعالى، ﴿ ﴾ وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴿٤٢﴾ البقرة.
ختاما.. الى اهل الحق... اما آن الآوان لصحوة، وعودة للوعي والدفاع عن الحق بالسنان واللسان!
ألا يكفي من سنوات الضياع، واللهاث خلف سراب السلام القائم على الباطل، والمفاوضات التي جرت لسنوات، ولم تعيد الحق لإصحابه، الا تذكرون يا رعاكم الله... قول القائل... ما بُني على باطل فهو باطل.