jo24_banner
jo24_banner

الى امانة عمان الكبرى .. اوقفوا هذا التشويه والتزييف والهدر

باسل العكور
جو 24 :



 بدون أية مقدمات تقرر الحكومة وأمانة عمان الكبرى اعتبار يوم أمس الثلاثاء يوم عمان، فتباشر الأمانة احتفاءَها بالمناسبة بنفسها دون اشراك أحد، ودون أن يكون للعمانيين رأي أو مساهمة من أي نوع بهذه الاحتفالات التي اُقرت في اللحظة الأخيرة.

عمان التي كان الاختيار يقع عليها تاريخيا لتكون المركز، مركز جميع الحضارات التي مرت على هذه الارض منذ آلاف السنين، هذه البقعة التي ظلت شاغلة، تنتقل من مظلة حكم وحضارة إلى مظلة حضارة أخرى، وكلٌ يترك بصمته وسحره وعصارة معرفته وتجربته في المكان.. هذا الحيز الذي كان يتسع للجميع، كان أبناؤه على مر العصور باسطي ذراعيهم لكل مهاجر وملهوف ومضطهد وعابر سبيل .. عمان التي تحولت بعد كل هذا الثراء الحضاري إلى أيقونة تحاب وتعايش وتعاضد وتكامل، لم تنجح حضارة بعينها في تطويع صيرورتها واحتواء جموحها وتمردها وتوقها، لتتشكل ذاتيا بكامل ارادتها على النحو الذي تريد، وكان لها ما أرادت..

عمان العشق الذي لا يتهدده عشقٌ آخر أبدا، المتفردة، المتعالية، المزدانة، المتجانسة، الوادعة، الحانية، المتباينة، الشرقية، الغربية، الشمالية، والجنوبية، المكان الذي تضطر أن تنصهر في بوتقته، تحب فيه أن تحاكي عادات وتقاليد ونمط حياة أهله، المكان الذي يحررك من الانحيازات المناطقية والجهوية والعصبية، ويخلصك من عوالق الأمكنة والمجتمعات، المكان الذي تنعتق فيه من الانغلاق، والتقوقع، والتحوصل، ليأخذك عبق المكان لفضاءات أوسع وأرحب، ليضعك في أول طريق عشق الوطن بكل ما فيه، بأرضه وناسه ونمط الحياة المتفردة فيه.. عمان هي المدينة التي تحكي قصة الوطن، بكل محطاته ومكوناته وانجازاته وثوراته وانتفاضاته، وأحيانا تخاذل أهله وضعفهم واستكانتهم واستسلامهم المؤقت والمرحلي..

هذه المدينة تئن اليوم تحت وطأة ادارات لا تفهم تلك المعاني والخلفيات، لا تدرك حجم الرمزية والقيمة الحضارية، لا تستوعب الذائقة الرفيعة والانتقائية لأهلها، وكيف انهم لا يتسامحون مع المشاريع النشاز والرؤى غير المنسجمة مع خصوصية المكان..

يبدو أن هذه الادارات تشتغل لتغير هوية المدينة، وتضرب كينونتها، تريد ان تخرجها من سياقاتها التاريخية والحضارية، تريد أن تغير من ملامح وقسمات وجهها المشرق الوضاء، تريد أن تغرّب هويتها وأنماط الحياة فيها، تريد أن تنتزع جذور خصوصيتها، وإلا كيف يمكن أن نفهم قرار اجتثاث حديقة الطيور في ماركا لوضع معلم أو نصب جديد يجسد مئوية الدولة الأردنية؟ هل ضاقت المدينة الواسعة الممتدة بما رحبت ليقع الخيار على حديقة، تخدم عشرات الآلاف من السكان، هل تريدون أن تبنوا نصبكم التذكاري هذا على انقاض حديقة عامة؟ كيف يهون عليهم شجرها المعمر؟ كيف يهون عليهم العبث بإحدى مرافق المدينة المفيدة والحيوية؟ ما قيمة هذا النصب إذا ما أوجع قلوب الناس ونغص حياتهم؟ ثم ما قيمة أن تنفق أمانة عمان ملايين الدنانير على بناء متحف للدبابات في المدينة الوادعة، متى كان للدبابات قيمة ورمزية، وهي تعبر عن الحرب والقتل والموت والتشريد والدمار؟ ثم ما قيمة أن نعرض مئات النماذج من الدبابات الغربية ونحن لم نصنع نموذجا واحدا منها؟ وها هم يفكرون بتوسعة متحف السيارات الملكية الواقع في حدائق الحسين!!!

لا نعرف ما أهمية هذه المشاريع التي ستكلف ملايين الدنانير، والأمانة تعاني من عجز هائل في موازنتها، إذا ما علمنا أن أحد المشاريع أعلاه قد اُقرت له ميزانية مفتوحة؟ وكيف يتصرفون هكذا وكأن عمان عاصمة لإحدى الدول الاسكندنافية!

أريحوا عمان من عبثكم هذا، واتركوا لنا بعضا من عذريتها من طهرها، من رمزيتها، من جماليتها، من عبقها وسحرها، أوقفوا هذا التشويه والتزييف والهدر، ولا تسرفوا في استنفاد حظكم وحظنا..
تابعو الأردن 24 على google news