علاقاتنا مع إسرائيل مجددا بعد حماقتها السياسية
د.لؤي بواعنة
جو 24 :
قلنا مرارا وتكرارا أن إسرائيل هي عدو وليست صديق أو دولة صديقة اراد البعض واقتنع البعض أم لم يقتعوا، فالسياسة سياسة ومصالح وهي امر وقتي تحاول إسرائيل الاستفادة دون تقديم تنازلات حقيقية على أرض الواقع. قلنا أن اليهود هم يهود وليسو شي آخر ، تفكير اليهود لن يختلف اليوم ولا غدا، لن يكون اليهود محبين للأردن ولا لغير الأردن، اليهود هم في حالة قوة كما يعتقدون، مستغلين ضعف العرب وانقسامهم، بل أصبحوا اكثر تماديا وغطرسة بعد بناء جسور العلاقات مع بعض الدول العربية. هم يتمتعون بمصادر قوتهم العسكرية والدعم الدولي وخاصة الأمريكي، في حين العرب في حالة ضعف. متفقون على أن التوازن الاستراتيجي والبشري بيننا وبينهم في تباين شاسع ، فنحن نزيد عنهم سكانا، لكننا أضعف منهم تسليحا وقدرات ، لكننا اكثر منهم شجاعة وصبرا وثباتا وهذا وحده لا يكفي في ظل انقسام عربي، وفي ظل حالة سلم بين الدولتين وليس في حالة حرب بموجب توقيعنا لا تفاقية السلام معهم عام ١٩٩٤م.
تحقق حلم اليهود وتجسد برسم وتخطيط أقلام انجليزية خالصة ، وذلك بأرض فلسطين بموجب وعد بلفور المشؤوم، والأردن كان جزءا من أحلامهم ومخططاتها، وقد نجح المغفور له الأمير عبدالله الأول بجهود جباره بذلها ، وربما بحكمة وحنكة سياسية او لظروف ودواع سياسية فرضها وجود الأمير في تلك الفترة وضغوطه التي شكلها قادت بريطانيا لتعديل بنود صك الانتداب واستثناء الأردن من وعد بلفور، علما ان الصهاينة في ذلك الوقت لم يرق لهم الأمر. أو انها حسابات المنطقة كانت أكبر منهم في تلك الفترة. ومن ذلك الوقت لم ترق لهم الأمور ، وكان الأردن بصغر مساحته وحكمة أميره، ووطني رجاله واحراره في تلك الفترة ، اكبر منهم، فتصدى لكل مشاريعكم وعارض هجراتهم المتعددة لفلسطين وطرح مشاريع وحدوية مع فلسطين لكن لم يكتب النجاح لها. ومع ذلك بقىيت الأرض الأردنية شوكة في حلق اليهود، دافعنا عن فلسطين عام ١٩٤٨، ولقنهاهم درسا يوم الكرامة، ودخل اللواء المدرع الأربعين لحدود دمشق وحاول وقف تقدمهم، فهل هذا برأيكم يروق لهم ويجعل منا دولة موضع صداقة بالنسبة لهم ؟ لا والله لن نكون في يوم من الأيام إلا صخرة في وجههم وسنبقى للأبد. وسيعملون هم حينما تسنح لهم الفرصة على محاولة زعزعة تلك الصخرة من طريقهم إن استطاعوا. أعلم ونعلم جميعا أن هذا واقع وليس سياسة، وأن كلام الواقع لايعجب السياسيين، ولكنها الحقيقة التي يغمض السياسيين أعينهم عنها ولا اعرف لماذا؟؟
وقعنا اتفاقية وادي عربة وثبتنا حدودنا وأستعدنا مياهنا، وكلي ثقة بسياسة الأردن وقيادتها وتوجهاتتا في الإقليم والظروف الدولية في تلك الفترة وهي خطوة في الاتجاه الصحيح ولكنها بحاجة للحذر الدائم مع عدو كاسرائيل. ومما يؤكد موقفنا الثابت وسبب خلافنا مع إسرائيل ما تضمنت إحدى بنود الاتفاقية دور خاص للأردن في القدس بموجب المعاهدة، وقد التزم به الإسرائيليون ظاهريا فترة من الوقت، لكن عادوا ونقضوا وانقلبوا على ذلك كلما سنحت لهم الفرصة، ومالوا واعتدوا على المصلين واغلقوا المسجد. وعملوا ويعملون كل يوم. ما دلالة ذلك، الا مسألة واحدة وهي تراجعها عما اتفقوا ووقعوا عليه وهذا عهدهم دائما، فهو تكتيك في ذلك الوقت ليس اكثر لكسب الوقت، والظروف واامواقف لتحقيق تعاطف عربي ودولي لتحسين صورتهم ومحاولة منهم لإيجاد موطىء قدم لهم وفرصة لقبولهم ودمجهم في منطقتنا، لأنهم كانوا مرفوضين فهم أعداء اولا واخيرا. وحصل لهم ما حصل، والان فقد تغيرت ملامح المنطقة وسياستها، فهم في بحبوحة وقبول عربي أكثر من قبل، والأردن أصبحت بالنسبة لهم حجر عثرة، فالاردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني تكرر وتعلن ويقول جلالته في كل فرصة ولقاء ومناسبة موقفه المعلن علنا (أن القدس خط أحمر بالنسبة لي، ولن احيد عن ذلك ولن افرط في ذلك)، وهذا ما تخشاه إسرائيل ويقلقها.
الخطوة غير المحسوبة سياسيا والتي ارتكبها إسرائيل مؤخرا تجاه الزيارة الدينية لسمو ولي العهد للأماكن المقدسة في القدس ليلة الإسراء والمعراج والمتمثلة بمحاولة تعطيلها بحجج أمنية متعلقة بزيادة الحراسة مع سموه، وغيرها من الإجراءات، والتي تدل على حماقة سياسية كبيرة جدا من قبل إسرائيل ونيتنياهو. .انها خطوة مرفوضة سياسيا وأخلاقيا بحق الأردن والتي شهدت ردة فعل سياسية أردنية اكثر جرأة وقوة بمنع نتنياهو من عبور الأرض الأردنية بطائرته.
الموقف الإسرائيلي يبدو أنه تصعيد سياسي واضح ومقصود من قبل إسرائيل.. ولكني افهمها على انها محاولة من إسرائيل لافتعال مشاكل وتوترات سياسية مع الأردن ومحاولة لاصطياد الأردن واجبارها على ارتكاب بعض المواقف وردود الفعل التي قد تزعجها وتغضبها قيبل الزيارة المرتقبة لجلالة الملك مع الرئيس الأمريكي بايدن لمناقشة أمور المنطقة ومنها مسألة السلام في المنطقة، وطي صفحة صفقة القرن التي رتبها ترامب مع اسرائيل، وكل ذلك ما هو محاولة منها لتعكير صفو العلاقات الأردنية الأمريكية، ومحاولة منها لإيجاد مبررات لنفسها وأمام العالم لاتخاذ مواقف سياسية اكثر عدوانية تجاه الأردن والقدس والقضية الفلسطينية.
الأردن دولة ذكية سياسيا وهذا ما يجب أن تكون عليه، والأهم من ذلك هي ان تكون قوية ولا تقبل المساومات مع هؤلاء اليهود وان تبقى قوية في مواقفها السياسية وردود أفعالها وما فعله الأمير يصب في هذا المضمار. وعليه يجب علينا أن نبقى حجر عثرة في وجه إسرائيل مهما كلفت، بالعامية (كيف ما صفت تصفي)، الأردن فيها قيادة مدركة لخطر إسرائيل وحقيقتها ومشاريعها واحلامها، ولكنها مع علمها هذه فهي بالمقابل متمسكة بالقدس وعرويتها ووصايتها الهاشمية رغم ضعف الامكانيات والجهود العربية والإسلامية والدولة الحقيقية، وفيها شعب واع ذا مشاعر قومية وجيش قادر على التصدي لإسرائيل اذا اقتضت الضرورة . المهم ان نقارعهم من مصدر قوة وليس عن ضعف ولكن مشكلتنا تبقى في علاقتنا مع الولايات المتحده الأمريكية ودبلوماسية تلك العلاقة ومحاولة لإسرائيل استغلال ذلك تلك العلاقة لحاجتنا إلى تلك العلاقة.
المطلوب أردنيا يكمن في التصدي لإسرائيل إعلاميا وتقديم الحجج التي تكشف كذبهم وزيفهم وغطرستهم في سياستهم العنصرية واللاخلاقية ، والعوده من جديد لرد الصاع صاعين لإسرائيل التي لا تعرف السياسة ولا ادابها.. والاستمرار بالاهتمام بتسليح أنفسناوقواتنا المسلحة اكثر واكثر لنكون على اهبة الاستعداد لفرض ما نريد لا ما تريده إسرائيل ان تفرضه علينا من سياسات ، أو أقل ما بها عدم الرضوخ لمخططاتهم، والثبات على مواقفنا نحو القدس فنحن اهل الوصايا على القدس سياسيا ودبلوماسية بمباركة فلسطينية. والقدس عربية هاشمية ولا حيد ولا قيد انمله عن ذلك الموقف رغم يهودية الدولة ونوايا إسرائيل الكيدية وحلمها بصفقة قرن المزعومة التي تهدف منها لإعطاء العرب فتاتها لتعناش عليه بمباركة من بعض الدول .رسالتنا لإسرائيل واضحة لا تبدل ولا تتغير حل الدولتين ووصاية هاشمية.. رضيت إسرائيل ام لم ترضى، وكل الحلول مفتوحة ومتاحة أمامنا حفاظا على كرامتنا وسيادتنا ومقدساتنا...