العيد و«الواتس آب» والشـرعية
لم يكن العيد “زمان” مرتبطا “بالواتس آب” وانتصاره على الرسائل الالكترونية، كان العيد مناسبة للفرح والابتهاج برغم ما فيه من طقوس متكررة، ولا جديد فيها وبخاصة في القرى،والتي لا تكاد تختلف أيام العيد فيها عن أي يوم سوى ما يقتضيه السلام على الناس، وفي القرى كان العيد ينتهي مبكراً، فلا معنى له إلا بعدد أيام العطلة المتحققة منه خاصة إذا كان حلول العيد في ايام المدرسة.
عبر الأزمنة استنّ الناس عادات وعُرى تواصل، وعبر الزمان أيضا ظهرت عادات جديدة ليس لها أي أصل في الدين أو العلاقات المتوارثة ولا في عرف الناس، اليوم مثلا يصبح العيد الأول للميت مناسبة للسلام في العيد، مع أن هذا الأمر لم يكن قديماً في هذه الدرجة من الشيوع، واليوم يصبح نوع الشوكلاته المشتراة للعيد مباهاة يرتجى منها إعلاء شأن الفرد بين أقرانه، في حين كان باكيت الناشد الحلبي سيد الحلو والملبس.
واليوم تقلل التكنولوجيا التواصل، وتبدأ عملية ضخ متواصل للرسائل الالكترونية للمعايدة، ومع تعدد العائلات وخروج أسر نووية من الأسر الممتدة، تصبح العائلات أكثر حرصا على الالتقاء في مناسبات العيد لكون العائلات الكبيرة توزع افرادها على مناطق مختلفة بسبب ظروف العمل.
زمان كانت العاب العيد محدودة، ومن يحصل على مسدس “فلين” أو “فتيش” هو في فرح غامر، لأنه يكون قريبا من المدينة، أما بعض القرى البعيدة فكان على اطفالها ان ينتظروا طويلا لوصول الألعاب، وفي احسن الأحوال يربط الحبل تحت شجرة معمرة لعمل المرجيحة، تلك أقصى الأمنيات وتظل العيديات النقدية الخيار الأفضل.
وظل التلفزيون الأردني يبث أفلاماً قديمة ومسرحيات مصرية، وأحيانا ما كان من الطبيعي أن تسمع صوت الناس وهم يجهدون في تثبيت الشبكة أو الأنتين المكون من صحني ألمنيوم للحصول على بث التلفزيون السوري الذي كان يقدم سهرة مميزة في أيام العيد، أما اليوم فيقدم الدمار؟.
انتهى كل ذلك الزمن الجميل، بددت الثورة الاتصالية كل صور النقاء، وتعددت المشاهدات والتنقل بين مئات الفضائيات، ولا يمكن أن يقال بأن العيد زمان كان أكثر متعة، بل هو أكثر بساطة، لكنه اليوم أفضل وأقل تعباً.
عيد القرى كان قصيرا، يبدأ بالاستعداد لصلاة العيد والسلام على الوالدة والوالد، ثم زيارة المقبرة او “الجبانة” والدعاء للأموات، ثم زيارة الولايا من العمّات والخالات. وكانت عيدية الأخت والعمة شبه واجب، ومع أنها كانت قليلة إلا أنها ترسم الفرحة على وجوه العمات والأخوات، وكان الأطفال يعتبرون العيد مناسبة لتحقيق قليل من الربح.
اليوم مرّ العيد بسرعة اكثر من زمان، بسبب تعدد وجوه المتعة، لكن قليلا من الناس من يعترفون بالرفاه الذي تحقق للناس ولو على حساب القروض البنكية. واليوم يأتي “الواتس آب” ليحل الكثير من عقد الاتصال، لكن الرسائل الالكترونية هي اشبه بعقوبة، والرابح الوحيد هو شركات الاتصالات للأسف.
اليوم حلّ العيد وعقدت الصلاة عند البعض بالنية مسبقاً من قبل جماعة الإخوان المسلمين، لأنها تدخل في باب الجهاد من اجل الدفاع عن الشرعية.
لكن ينسى رجال الإخوان، أن فقهاء الشام رأوا في القرن الثاني عشر الهجري أن سائر المسلمين في كل عصر هم الذين يتبلور فيهم إسلام الجماعة فيكون إجماعهم حجة تشريعية.
المهم اليوم العيد يأتي ونحن أكثر فرقة وتطرفا ودموية، بحجة الشرعية والثورة، علما أن الحالة الثورية كونت مجتمعاً متخوفا وأكثر انقساما مما كان عليه من قبل.
في مسجد الجامعة الأردنية كانت صلاة العيد ممتعة ككل عيد، يتلوها لقاء في قاعة المركز الثقافي الإسلامي والحلو وهو عبارة عن هيطلية بالسمن البلدي.
(الدستور)