رد على زيد النابلسي: نريد حلّا يحافظ على استقرار بلدنا
محمود يوسف أبوعرقوب
جو 24 :
على غير عادة الكاتب في معظم مقالاته يبدأ بالحمد والثناء على رب العزة والجلال ويصلي ويسلم على رسوله محمد – محمد صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبه وذريته . ونسترضي الله على جميع صحابته كلهم لا نفرق بين أحد منهم وخاصة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعا . نحترمهم جميعا ونحبهم جميعا ونوقرهم جميعا فكيف وهم معدلون من ربهم وهم وصية الرسول لنا .
قبل ثلاثة أيام كانت أَخُطُ بعض المقالات وقع نظري على منشور يحث على السياحة الدينية الإيرانية لأضرحة ومزارات الصحابة في الجنوب الأردني الطيب الأصيل .
لا أُخفيكم فقد اجتالتني نوبة غضب عارمة وحمر وجهي وترجف قلمي وبدا له أن يرد على ذلك المقال بسرعة وبلا تردد ، وحينها رن الهاتف معلنا إشكالية في أحد مواقع العمل فأخذت وقتا لإعادة الأمور لنصابها بعقلية ومنطقية . هنا تأتي أقدار الله فالحمد لله لم أكتب في لحظات الغضب والعاطفة ، على أي حال قلت في وجداني سأرد ...... سأرد ......سأرد ......سأرد.....سأرد ليس الآن بل في وقت لاحق .
مضى يومان وبدا لي أن الرد قد حان قررت حينها التأخر لساعات في المكتب استعداداً لتطبيق قواعد الإشتباك ما بين الأفكار العقلية والعاطفة القلبية وبدأ قلمي بخط أولى الكلمات ولكن هيهات هيهات فلم أجد الألفاظ التي تعينني على التعبير .
هنا توقف الكاتب فما بين ما قرره وبين ما بدأ فيما بعد من الرد الفعلي على المقال ، عاد الكاتب لعادته أعد كوباً من الشاي مع قليل من الحبك ذي الرائحة العطرة ارتشف رشفة واحدة تلذذ بمذاقها واحس بالراحة النسبية ولكنه ما زال محتار في كيفية الرد فلابد من من كلمات عقلية تضبط العواطف القلبية .
كاتب هذا الرد وقف قليلاً ، تمشى قليلاً ، عاد وجلس على كرسيه وضع قدمه اليمني فوق اليسرى وترك قلمه وشَبْكَ كلتا يديه خلف رأسه أرخى ظهره حتى عاد به الكرسي للخلف قليلا أغمض عينيه ...أخذ نفساً عميقاً ...لا يدري كم من الوقت مضى على هذه الحالة ....بعدها بقليل فتح عيناه وفك يداه وعاد للجلوس وقبض على قلمه - سلاحه الوحيد الذي ما زال يشعر بحريته - . جاء الرد وبدأ القلم يخطه سطراً سطراً ، وكان حريصاً أشد الحرص أن يكون الرد موضوعياً بعيداً عن التهجم الشخصي فهذا ليس ديدن الأردنيين.
هنا بدأ الاشتباك الفعلي بين العقل والقلب والقلم يخط الرد .......
المحامي السيد زيد النابلسي أحد أعضاء اللجنة الملكية ، نراه أردنيا طيبا وطنيا قلبه على وطنه يسعى لرفعته وحقيقة ولا أعرفه ولا يعرفني ولكن هذه هي طباع الأردنيين الذين تربوا على عقيدة سليمة صحيحة صافية وتربوا على حب الوطن فلا نشك به ولكن الرد على ما قدمه من فكرة أزعجت الأردنيين وأقلقت المتفاعلين ، فالأردنيون شعب مثقف واعي متعلم يستفيد من تجارب الآخرين فلا يقع في الخطأ كشعب وليس كمؤسسات .
الأردنيون من كافة المنابت والأصول مسالمون لا يعتدون على أحد ولا يحبون أحداً يعتدي عليهم ، لا في دينهم ولا في دنياهم مهما بلغت الظروف الإقتصادية والمعيشية من حد مأساوي، فهم عندما تشتد الظروف القاسية يربطون حجراً على بطونهم ولا يقبلون الدنية في دينهم ووطنهم . مخلصون للوطن ولترابه بالرغم من بغضهم الشديد لكل فاسد فسد ونهب وسرق مقدرات البلاد ووضع البلاد في حالة مأساوية على كافة الأصعدة، وكذلك ينادي يومياً بالإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي بما يحقق التنمية الحقيقة المتوازنة في مثلث التنمية الأساسي ( السياسة – الإقتصاد – الإجتماع المتمثل حقيقة في الموارد البشرية ) .
أستشف من مقال السيد المحامي زيد النابلسي ثلاثة نقاط رئيسية أجدها الجديرة بالرد الموضوعي وهي زيارة جلالة الملك للجنوب والصلاة بالقرب من مقامات الصحابة رضوان الله عليهم ، الحالة الإقتصادية المعاشة ، الطائفية .
أولاً : زيارة جلالة الملك للجنوب والصلاة بالقرب من مقامات الصحابة .
هذه الزيارة ليست الأولى ولا الأخيرة وهي مستمرة منذ عقود ، وهذه المقامات تضم عدداً من قادة المسملين الصحابة الذين ضحوا بانفسهم في سبيل الله ولنشر دين الله الإسلام كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي منتشرة على الأرض الأردنية .
زيارة جلالة الملك واضحة الدلالة بأن هذه البلد الطيب الإسلامي سيبقى إسلامي صافي بعقيدته وشريعته وسطي حقيقي لا يقبل التعدي على شرف الصحابة وأمهات المؤمنين ولا يقبل أن تصبح هذه الأضرحة ملاذات آمنة في المستقبل لنشر الشرك بالتبرك بها ، فإذا كان رسولنا الكريم حذرنا من اتخاذ قبره مسجدا حتى لا يعبد كما فعلت الأقوام من قبلنا فكيف بحال أضرحة الصحابة رضوان الله عليهم . نعم نحن كمسلمين سنة نزور قبورهم وندعو لهم فقط ، أما أن تصبح فيما بعد ذريعة لنشر الفكر المنحرف فهذا مرفوض تحت أي ذريعة .
الايرانيون لديهم مخطط طويل الأمد بنشر معتقداتهم وفكرهم في كل الدول العربية التي يستطيعون الوصول لها ولديهم من الوسائل الكثيرة لتحقيق أطماعهم ، هذه لسيت مجرد توقعات بل حيقيقة غالبة شاهدناها ونشاهدها في كثير من البلدان العربية مثل سوريا ولبنان واليمن والعراق ......فكيف لنا ونحن أهل السنة والجماعة أن نثق بهم ؟! هل نقبل على أنفسنا أن نرى يوما من الأيام من يدس السموم بيننا ؟ وهل نقبل أن نرى من يسب ويشتم ويطعن في أمهات المؤمنين والصحابة رضوان الله عليهم ؟! ماذا لو فتحنا لهم باباً ومدخلاً ونشر هذا الفكر من أجل حفنة من المليارات التي لن تصل بالأصل للشعب الأردني .
هل نسمح لفئة أن تفرق وطننا وعقيدتنا ؟، كيف نقبل هذا وجلالة الملك حذر من المد الإيراني الشيعي ولكن لا حرج ببناء علاقات تجارية واقتصادية تحقق المنفعة لكلا الطرفين ولكن ليس على حساب الدين والمعتقدات والمصلحة الوطنية الجامعة المتوازنة ما بين الإقتصاد والسياسة والدين والإجتماع .
ثانياً : الحالة الإقتصادية المعاشة .
لاشك بأن الهم الإقتصادي الوطني يؤرق مضاجع الأردنيين بسبب السياسات الإقتصادية التي تبنتها الحكومات المتعاقبة والتي قضت على الإقتصاد الأردني فالخصخصة لم تجر إلا الويلات لهذا البلد ، وكذلك باقي الخطط الإستثمارية وما جائحة كورونا إلا كاشفة لهذه السياسات .
والحالة الإقتصادية الحالية تتطلب منا جهود حقيقية وإرادة حقيقة وسياسات فاعلة مبنية على أسس سليمة تتمثل في المصداقية والشفافية والموضوعية تكون توازنية تنمي المجالات الأخرى السياسية والإجتماعية ، فلا تنظر لجانب السياسات والخطط الإقتصادية بمصفوفاتها بمنأى عن الحالة الإجتماعية والسياسية وبما يحقق المصالح ويدرء المفاسد ، فأي خطة لابد لها أن تكون متوازنة وليست أحادية النتائج .
لو أرادت الدولة الأردنية الإستفادة من الظروف الراهنة فكان هناك رافد ضخم ومورد هائل للإقتصاد الأردني وضخ مليارات وكان ذلك في صفقة القرن ، التي لم تقبل لا رسميا ولا شعبيا لأنها تمس الأمن الوطني والقومي والإسلامي ، لانها لا توازن بين المصالح والمفاسد طويلة الأمد . أما السياحة الدينية الإيرانية هي في حقيقتها آمال خادعة ومصالح مؤقته وتهديد للامن الوطني الوجود العقيدي . وهذا ليس من باب التخويف أو الهرقطة بل هو حقيقة واقعية تعيشها دول عربية فتحت أبوابها للإيرانيين .
ثالثاً : الطائفية
أعتقد أن الشعب الأردني بنسبة تصل لما فوق 98% لا يعرف معنى الطائفية فجميعهم سنة من أهل الكتاب والسنة ملتهم واحدة ونحلتهم واحدة ودينهم واحد وعقيدتهم واحدة صافية ، لا توجد خلافات أردنية على أسس طائفية دينية ، ولو الباحث في الشؤون المحلية يعرف أن الخلافات ما بين الأردنيين هو خلاف بين الفساد والإصلاح .
خلال العقود الماضية وحتى يومنا الحالي كان الأردن خاليا من النزاعات الطائفية التي اجتاحت الدول العربية بعدما توغل الإيرانيون في اليمن أصبح الخلاف طائفي وعندما سقطت بغداد وأمسى لهم يداً طولى فيها رأينا القتل على الطائفية بل وصل للإسم ، وكذا الحال في سوريا ولبنان ... أما اختلاف التوجهات الفكرية والسياسية هي خلافات في طريقة الإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي من خلال التيارات العلمانية والليبرالية واليسارية والإسلامية والتي لم تصل في لحطة ما لفتنة قاتلة . حتى خلال فترة أيلول الأسود كانت الخلافات سياسية وليست دينية وتم وأدها في حينها . ننظر بعين الفخر كون الشعب الأردني لا يعرف الطائفية ولا يجوز لنا وصفه بهذا لا من قريب ولا من بعيد ولا حتى بشكل غير مقصود .
أخيراً ، كاتب هذا المقال يتمنى من رجالات الدولة وكافة الاطياف السياسية والحزبية والشعبية أن يجدوا حلا موضوعياً حقيقياً ينهض بهذا البلد اقتصادياً وسياسياً واجتماعيا ً يكفل استقراره واستدامته لأجيالنا القادمة محافظين على عقيدتنا وشريعتنا من العبث بعيداً عن الأنجرار لقرارات قد تجر علينا الويلات على المدى المتوسط والبعيد ، سائلين المولى عز وجل أن يحفظ هذا الوطن حاكماً ومحكوماً من الفتن .