أوراق بيضاء في صناديق الاقتراع، لماذا ؟!
أ.د حسين الخزاعي
جو 24 :
اخترت هذا العنوان كي أدخل في الموضوع مباشرة ، فلقد كشف رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب الدكتور خالد الكلالدة في تصريحات صحفية عن وجود 165 ألف ورقة بيضاء في صناديق الاقتراع خلال الانتخابات البلدية ومجالس المحافظات وأمانة عمان ، وعندما يكشف الكلالدة عن هذا الرقم الكبير وبكل جرأة ووضوح فهذا يتطلب منا أن نضع النقاط فوق الحروف ونحلل مدلولات وضع هذه الأوراق البيضاء بدون أسماء مرشحين ؛ والتي أوجزها بما يلي :
1- عدم قناعة أصحاب هذه الأوراق في الذين ترشحوا للانتخابات البلدية ومجالس المحافظات وأمانة عمان ، ولكن ذهابهم للاقتراع كان من باب المجاملة وعدم الرغبة في قطع حبل الود والصداقة والمحبة معهم. ورفع العتب وعدم التعرض للوم أو النقد وخاصة من قبل المرشحين والأهل والأقارب .
2- عدم القناعة في العملية الانتخابية بمجملها ولكن من باب المسايرة والمجاملة للمرشحين .
3- عدم الثقة في نزاهة العملية الانتخابية ونتائجها وإفرازاتها . إذ أن الصورة الذهنية المرسومة في أذهان ثلثي الشعب الأردني أن الانتخابات يتم تزويرها ، وأن الفائزين معروفون مسبقا.
4- عدم الثقة في البرامج الانتخابية، إذ أن التجارب السابقة مع بعض المرشحين رسخت في عقلية المواطن بأن المرشح بعد فوزه يتنكر لمن انتخبوه ولا يتعرف عليهم ولا يطبق شيء من وعوده .
5- عدم صدق الناخبين مع المرشحين ولم يعطوهم إلا الابتسامات والوعود الوهمية .
6- الأخطر وجود فئة ترتزق من الانتخابات وتبيع أصواتها للمرشحين ، فهؤلاء الذين يبيعون أصواتهم يوهمون المرشحين بانهم سيصوتون لهم ولكن في واقع الحال لا ينتخبونهم وإنما يسخرون منهم ومن ثرائهم وقدرتهم على شراء الأصوات ، والذين يبيعون أصواتهم للمرشحين، أو السماسرة يكونوا مجبرين بسبب ظروفهم الاقتصادية .
7- وجود فئة من بعض أبناء المجتمع لم يترشحوا للانتخابات ولكنهم يرغبون في افشال من ترشح للانتخابات ، فهؤلاء يستخدمون الطرق اللولبية في اقناع بعض الناخبين وممكن شراء أصواتهم بشرط الذهاب للتصويت ولكن بوضع أوراق بيضاء بدون أسماء حتى يتم حجب الأصوات عن المرشحين وافشالهم .
8- رسالة قوية يوجهها من وضعوا اوراق بيضاء بأنهم لن يقوموا بالغش والخداع والتضليل للمواطن والوطن ، فيقومون بطريقة غير مباشرة بتلقين هؤلاء المرشحين مشتري الأصوات من المواطنين درسا بعدم التصويت لهم .
9- أعلنت الهيئة المستقلة للانتخاب عن تحويل (10) قضايا مال أسود . وهذا يعني أن المال الأسود والسماسرة والمروجين والمتعاطين كانوا في حلبة السباق ، فهذا موسمهم .وتم القبض على (10) قضايا .
10- ساهمت الأوراق البيضاء ال (165) ألف ورقة في إخفاق وعدم فوز عدد من المرشحين في الانتخابات ، وعدم فوزهم وضعهم في حال شكوك وعدم ثقة او مصداقية في نتائج الانتخابات كون المرشحين يكونوا قد حصلوا على أصوات أقل من عدد الأصوات التي كانوا يحسبون أو يتوقعون الحصول عليها ، فالمرشحين يتابعون ويحسبون الأصوات بدقة ولكنهم يتناسون ان حساباتهم تعتمد على مدى صدق الناخبين لهم.
11- حالات الشغب والفوضى والتخريب والاعتداء والعنف التي جرت بعد إعلان النتائج كان مردها إلى وجود هذا العدد من البطاقات البيضاء في صناديق الاقتراع . ومحاولة تلبيس الإخفاق وعدم الفوز إلى الجهات المنظمة للانتخابات بدلا من الاعتراف بعدم الفوز وقبول النتائج .
١٢- لا يوجد أي عملية انتخابية تجري في أي بلد في العالم إلا ويتبعها ملاحظات أو محاولة تجاوزات إذ أن التنافس غير الشريف هو السلوك الغالب في معظم الانتخابات وخاصة البلدان العربية ؛ لهذا السبب يحاول المرشحين ومناصريهم وأقاربهم ومعارفهم اللجوء لإنجاح مرشحهم بشتى الطرق والوسائل .
بإختصار، مفرزات نتائج الانتخابات البلدية ومجالس المحافظات وأمانة عمان انتهت ، وأسدل الستار وأعلنت النتائج ، لنتفرغ لخدمة الوطن والمواطن ولتكن هذه النتائج ومفرزاتها عبرة للمستقبل وخاصة أننا نتحدث عن انتخابات بلدية وسبقتها انتخابات برلمانية تمثل ( 30%) من أبناء المجتمع ، فهذه النتائج ببساطة وبدون لف ودوران تكشف أننا في واد والتنمية السياسية ولجانها ومخرجاتها واقتراحاتها وأفكارها في واد آخر ، ورساله قويه توجه لأصحاب القرار بحسن اختيار لجان التطوير والتحديث والتنمية في مختلف مجالاتها وعدم الاستمرار في اختيار نفس الأسماء للجان او رئاستها .
وبعد، ابدع الدكتور خالد الكلالدة عندما كشف عن عدد هذه الأوراق البيضاء التي وضعت من قبل المواطنين في صناديق الاقتراع ، والتي اكدت ما نلمسه من سلوك على ارض الواقع ؛ بأن التعصب والتخندق والدعم والتأييد جله موجه نحو الأخ والقريب والصديق والنسيب والعديل وابن العشيرة والفخذ والحارة والجار والمنطقة الانتخابية حسب صلة القرابة.
آخر الكلام، شكر وتقدير واعتزاز لأسرة الهيئة المستقلة للانتخاب لجهدها المتواصل والتحضير والمتابعة أولا بأول لإنجاح الانتخابات ، والكرة الآن في ملعب المواطن ليكون شفافا وواضحا وصادقا مع نفسه ومع الوطن ومع المرشحين في اختيار الأفضل ، ولا نمنح المرشحين الوعود الزائفة حتى لا نقع في مشاكل اجتماعية وأعمال عنف وتخريب تعيق مسيرة تقديم خدماتنا المحدودة للمواطنين .
أكاديمي ، متخصص في علم الاجتماع
ohok1960@yahoo.com