مطلوب إطفاء سراج الحكومة..!!
لطالما سمعنا عن إجراءات وقرارات حكومية بوقف تجديد الأثاث والسيارات بهدف ترشيد الإنفاق العام، كمقدمة تسويقية لحزمة قرارات لرفع الأسعار على المواطن، وإذْ نقرأ في قرارات الحكومة الأخيرة أنها قرّرت أيضاً أن تبدأ بنفسها من خلال الاقتطاع من راتب رئيس الوزراء والوزراء بما نسبته 20% لصالح الخزينة، إلاّ أننا نقرأ هذا القرار من زاوية أنه قرار تجميلي لرفع العتب ليس إلاّ، ولو كانت هذه الحكومة تسعى إلى تقديم نموذج حقيقي مقنع للناس في الترشيد والتضحية، وتتطلع بالفعل إلى دعم الخزينة والإسهام بتحقيق وفورات حقيقية لها، لكان شكل وجوهر القرار مختلفاً عما اتخذته، وذلك بأن يتم الاقتطاع من الرواتب حالياً ومستقبلاً، أي أن تتخذ قراراً توافقياً بأن يتنازل كل وزير عن نسبة معينة من راتبه كوزير عامل ومن راتبه التقاعدي بعد رحيل الحكومة وإلى الأبد إسهاماً في دعم الخزينة.. لأن مثل هذا القرار لو تم اتخاذه لدلّ بالقطع على شعور عالٍ بالمسؤولية، وأدى دوره في تسويغ قرارات أخرى تتعلق بترشيد الإنفاق الحكومي بصورة أكثر إقناعاً وأعمق أثراً..
كمواطن أطالب الحكومة بأن تعدّل قرارها، فقد سبقتها إلى مثل هذا القرار حكومة السيد سمير الرفاعي التي أقرّت ذات نسبة الاقتطاع من رواتب رئيسها وأعضائها، ولكن القرار انتهى مفعوله برحيل الحكومة، وعاد الوزراء والرئيس لقبض رواتب تقاعدية كبيرة مدى الحياة دون أي اقتطاعات للصالح العام حتى أولئك الوزراء الذين لم يُمضوا في الخدمة سوى بضعة أشهر أو أقل، وها نحن نشهد نفس السيناريو في حكومة الطراونة، فهل التبرع بعشرين في المائة من رواتب أعضاء الحكومة لمدة قد لا تزيد على أربعة أشهر هي عمر هذه الحكومة على أبعد تقدير، يمكن أن يُسهم في دعم الخزينة أم أنه قرار تجميلي رمزي لرفع العتب ليس إلاّ..!!؟
ليس لحكومة انتقالية تتألف من (30) وزيراً أن تتكلم كثيراً عن الترشيد، ولو كانت واعية حقاً لهذه المسألة ولأوضاع الموازنة المتهالكة، لما ضمّت هذا العدد الكبير من الوزراء الذين يحمل بعضهم حقائب بلا معنى، والذين سيحمّلون الخزينة مبالغ تراكمية كبيرة بمرور الزمن تُدفع من جيب المواطن.. فهل نحن معنيون كثيراً بوزارة لشؤون المرأة مثلاً، بدأت وزيرتها تتحدث عن استراتيجيات وطنية لدعم المرأة، في الوقت الذي ستغادر فيه الوزيرة والحكومة قبل أن تنتهي معاليها من وضع هذه الاستراتيجيات..!! وهل نحن معنيون كثيراً بوزارة للتنمية السياسية، وقد فشلت كل الحكومات السابقة التي ضمّت مثل هذه الوزارة بإحداث تقدم حقيقي على طريق التنمية السياسية في البلاد..!! وما مدى حاجتنا لوزارة لتطوير القطاع العام في الوقت الذي لدينا ديوان خدمة مدنية عريق يمكن العمل على دعمه وتطويره لتمكينه من القيام بدور أكثر فاعلية في التدريب والتنمية البشرية لموظفي القطاع العام، في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن دمج وإلغاء هيئات وأجهزة حكومية متشابهة المهام والمسؤوليات وأصبح بعضها عبئاً على الدولة والخزينة..!! والأمر ذاته بالنسبة لبعض وزارات الدولة "وزير دولة لأي شأن..!"..!!
رئيس الوزراء والوزراء مطالبون بإصلاحات حقيقية لترشيد نفقات الحكومة، والبداية بالنفس أكبر دليل عل صدقية التوجّه، وتُشكر الحكومة على نواياها الأولية، ولكنها مطالبة بتعديل قرارها بالاقتطاع من رواتب أعضائها بأن يكون الاقتطاع من الرواتب الحالية والتقاعدية مستقبلاً وإلى الأبد.. كبادرة حسن نية للتكفير عن تضخم حجم الحكومة غير المبرّر، ثم بعد ذلك توقف كل أشكال الاستخدام الشخصي للسيارات الحكومية مهما كان الأشخاص والمستويات ومهما كانت الأسباب والمبررات.. أما الحديث عن أثاث المكاتب.. فأود أن أذكّر بقصة حدثت قبل خمسة عشر عاماً حين كانت إحدى الحكومات تتحدث بإسهاب عن الترشيد، ورأينا بأم أعيننا أحد كبار المسؤولين يأمر بتجديد أثاث وديكورات مكتبه بكلفة بعشرات الآلاف من الدنانير..!!
أيتها الحكومة: خذي الدرس من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد كان عندما ينهمك ليلاً في أعمال الخلافة وشؤون العامة يستعمل سراج "مصباح" الخلافة، وعندما ينتهي من العمل العام يطفيء سراج الخلافة، ويوقد سراجه الخاص ويتحمّل كلفة زيته من نفقته الخاصة..!! ولا أريد أن أتحدث عمن يستغل سلطاته من أجل مصالحه وشركاته، ولا عمّن يمارس التجارة مع الوزارة، ولا عمّن يمارس التنفيعات للمحاسيب والأقرباء على حساب شؤون العامة ومصالحهم.. ولا عمن يستخدم أسطولاً من المركبات الرسمية الفاخرة مع سائقيها لمنفعته وأفراد أسرته..!!
أنهم يحنثون بالقسم العظيم بخدمة الأمة بأمانة وما بين الأمانة والخيانة بون شاسع.. وهم غلبة مع الأسف..!! ولكن: (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).. صدق الله العظيم.
أما الدرس: فما من حكومة لا تطفيء سراجها عند الأفول إلاّ ورقصت على قرع الطبول..!!!
Subaihi_99@yahoo.com