jo24_banner
jo24_banner

شهيد الوطن الدلابيح وإعادة تعريف دور الحكومات الأردنية

د.لؤي بواعنة
جو 24 :
 

باعتراف وزراء حاليين على وسائل الإعلام الأردنية بوجود تضخم اقتصادي وغلاء معيشة ورفع للأسعار، وفي ظل ضعف استراتيجيات الحكومة وضعف تواصلها مع المواطنين، لم يعد هناك مجال للشك او تحريف في دواعي خروج الأردنيين للشارع للتعبير السلمي ومطالبة بحقوقهم وتخفيض للأسعار والسلع وخاصة اسعار المحروقات التي اثقلت الفقير والمتوسط الدخل وأصحاب المهن المتعددة من سائق التاكسي للحافلة للشاحنة، حتى شملت جميع القطاعات الإنتاجية...

التعبير السلمي وبطريقة حضارية سلوكا امرا مقبولا دستوريا وقانونيا وأخلاقيا كما عبر عنه اصحاب الشاحنات في الأيام الأولى حيث الاصطفاف على جوانب الطرق دون اضرار لا بالشارع العام أو حركة السير او غيرها، وما تضمن ذلك علانية من تعبير بلغة بسيطة وواضحة عن الفقر والانهاك الذي يعيشه المواطن الاردني بين أقساط مركباتهم او شاحناتهَم وارتفاع الاسعار وعدم قدرة بعضهم على تلبية متطلبات حياة أسرهم وعدم قدرتهم عل تدفئة أولادهم بالكاز وغيره. كما تضمنت رسائل بعضهم إشارات تعبيرية عن رفضهم لكثير من السياسات الحكوميةسواء الحالية او من سبقتها من حيث نهجها المتمثل بيع مقدرات الوطن وتصاعد حجم الفساد الذي وصل اليه البعض من المسؤولين وغيرهم من اثراء فاحش على حساب الشعب والفقراء وعدم وجود جدية كافية لدى الحكومات المتعاقبة لتحسين معيشة الاردني والاعتماد على جيوب المواطنين وفرض ضرائب باهضة دون تحسن ملموس ناهيك عن ارتفاع البطالة وعدم توافر استراتيجيات واضحة عندهم للتخفيف من حجم البطالة والفقر وغيرها. وكثيرا ما عبر أحدهم عن ذلك بقولهم "يا عمي احنا بدنا نوكل خبز ونطعم ولادنا بس "..

اما ما كان من مظاهر أخرى مرافقة لبعض
الاعتصامات في عدد من مناطق المملكة مثل تسكير طرق وحرق للاطارات وتكسير وإعتداء على الشاحنات وغيره من فوضى فهو مرفوض ومستنكر من الجميع. وان كان المتظاهرون يرون به صوره للتعبير عن غضبهم واستيائهم من الوضع القادم. إلا أن هذا كله مرفوض جملة وتفصيلا، لانه لا يودي لنتائج إيجابية وحلول بل على العكس يزيد من الهوة و الخلاف بين المواطنين والحكومة، كما أنه كفيل بايضالها إلى طريق َمسدود ونهاية غير محمودة للطرفين.

لقدا بدا تقصير الحكومة وارتباكها وضعفها وقصورها عن معالجة المشهد الأردني( الذي يعاني من الفقر والجوع وارتفاع الأسعار ) واضحا من خلال المماطلة في محاورة المحتجين منذ يوم السبت الموافق ٤ كانون الأول . معتمدين على عامل الوقت ومحاولة شق صفوف المعتصمين من أصحاب وسائقي الشاحنات في كافة محافظات المملكة من خلال اجتماعاتها ببعض من يمثلهم دون تمثيل الكل. كما حاولت الحكومة وبعض الوزراء المعنيين بالمراوغة في الاستجابة لطلبات المعتصمين بل بتجاهلها وفي مقدمتها تخفيض اسعار المحروقات والضرائب الثابتة عليها. فقدمت الحكومة وعرضت في لقاءاتها مع ممثلي قطاع الشاحنات حلول غير كافية وغير ملبية لحاجات اصحاب الشاحنات. وتجاهل الرئيس ووزير الطاقة ذلك لسفرهما خارج البلاد. ومن ثم تباطأت الحكومة في الرد على النواب لحين عودة رئيس الوزراء من السعودية. وهذا كله زاد من تأجيج الشارع... وقاد لما لا تحمد عقباه للأسف.

قبية بني حسن الأردنية الأصيلة عشيرة المليون الموصوفة ب "المدرسة" في نخوتها ووطنيتها وسعيها الدائم لتقديم مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، والتي اعتادت دوما أن تقدم الشهيد تلو الشهيد فداء للوطن. وقفت لجانب الوطن بمصابها الجلل أثر استشهاد ابنها العقيد الدكتور عبد الرزاق الدلابيح على يد غادرة ومريضة حاقده وجبانة. وكعادتها لملمت جراحها.واحتسبته شهيدا عند الله فداء للوطن . واستقلبت القائد واكدت ولائها للقائد والهاشميين. ولكن العشيرة في الوقت نفسه عبرت في أماكن أخرى وبكل حرقة عن مسؤولية الحكومة بطاقمها ورئيسها عما حدث من استشهاد ولدها الشهيد عبد الرزاق الدلابيح لفشلها في معالجة الأزمة ولعجزها عن تقديم الحلول واستهتارتها بمطالب المتظاهرين. مما اوصل البلاد لهذه النتيجة الحتمية بحجة غلاء أسعار النفط عالميا واعتبار دعم المحروقات ترفا،ولا يمكن للحكومة أن تقدم شيئا لمواطنيها. ومما زاد الأمر تعقيدا والهب الشارع وفهم انه عدم اهتمام بمطالب المعتصمين ما كان صمت رئيس حكومتنا ، الذي كان من الواجب عليه ان يكون بالميدان وبين المعتصمين يحاورهم ويستمع لمطالبهم منذ اليوم الأول وصولا لحلول توافقية. وربما لو فعل ذلك لتبدلت تفاصيل القضية برمتها ولما وصلنا إلى هذا الحد من الصدام..

لم نعتد نحن الأردنيون على اهراق الدم الأردني مهما كان السبب وحتى لوكانت لقمة العيش، لكن الأيادي الغادرة الحاقدة من ذوي النفوس المريضة خانها وعيها واعوجت عن الطريق واضاعت حقوق الجميع من خلال فعلتها هذه. ولكنها وان نفذت من عقاب الدنيا لن تفلح من عقاب الآخرة. فالاجهزة الأمنية هي العين الساهرة، كيف لا، وهي التي تقوم بواجبها، وهم ليسو اعداء لنا،. وحوادث القتل هذه ليس من طبائعنا. كما أنها لا تقدم حلولا لتحدياتتا ،بل تزيد الطين بلة. ولكننا كم كنا بحاجة لوعي تلك الثلة القليلة الخارجة عن القانون وبحاجة لحكومة رشيدة تجعل مصلحة الشعب قي قمة أولوياتها، وتسعى لتلبية مطالبها على اعتبار أن اعضائها خداما لهذا الشعب وليسو اسيادا عليه . لكن نعود ونقول لو كانت حكومة بشر الخصاونة وجميع المؤسسات والهيئات المعنية بشؤون المواطنين على قدر المسؤولية ولديها رصيد شعبي وقرب من الناس وكافة شرائح المجتمع واستجابت لمطالب المعتصمين الأكثر تضررا بتخفيض اسعار المحروقات ولو بالبحث عن مصادر أخرى من الميزانية لما وصلنا إلى هذا الحال من الحاجة والعوز والاعتصامات والتطاول على الابرياء بازهاق دمهم الطاهر.
تابعو الأردن 24 على google news