تحويل البازار إلى مطاعم خاسر ماليا ومحبط وطنيا ومقدسيا
لم يخطر ببال أي مقدسي وبعد عقود طويلة من الانتظار ان يتم تحويل البازار في القدس القديمة والتي تبلغ مساحته نحو 750 مترا مربعا إلى مطاعم تتسم كما يقال "بسحر التاريخ وإستحضار الماضي التليد!. فالمطعم هو المطعم سواء كان رومانيا أو جاهليا أو كنعانيا او إسلاميا أو اندلسيا أو فرعونيا او بابليا أو عربيا أصيلا.ولا أدري – كغيري من المقدسيين – ما هي الحيثيات والمبررات الاقتصادية والاستثمارية التي كانت وراء قرار تحويل البازار إلى مطاعم .فلم نقرأ الجدوى الاقتصادية للمشروع الذي كان يتوجب نشرها إن كانت موجودة ،كما لم تطرح أو تناقش في أي ورشة أو مؤتمر ليقتنع بها المقدسيون أولا وقبل كل شيئ .فكيف يمكن لمطاعم أن تنجح وتربح وتحقق عائدا مجزيا وهي مقامة بعيدة عن خطوط المواصلات وصعوبة الوصول إليها إلا مشيا على الاقدام وبعد ان يقطع المستهلك او الزبون مئات الامتار من أجل ان يأكل صحن حمص أو مسخن أو وجبة ما تراثية كانت ام حديثة في مطعم وسط الأسواق .فما الذي يجبر المواطن من واد الجوز أو باب الساهرة أو المصرارة أو باب العامود او يدفعه لقطع الآف الامتار مشيا على الاقدام في الصيف الحار او الشتاء البارد ليجلس هناك ويتناول وجبة ستكون أغلى من الوجبات المماثلة لها في المطاعم الشعبية الأخرى العديدة والمنتشرة بكثرة في المدينة المقدسة . فالمقدسيون يشاهدون المطاعم الكثيرة في المدينة لدرجة ان العديد منهم يصف عدد المطاعم بقوله " بين كل مطعم ومطعم هناك مطعم في القدس" . وحين مراجعة احد مالكي سوق البازار نفى ان يكون هناك اتفاقا مع المستأجرين الجدد لإقامة مطاعم .وبغض النظر عن معرفته أو عدمه فإن أس الملاحظة أو النقد لا يتوقف عندها بل إلى جوهر القرار الاستثماري نفسه.فإقامة المطاعم في المكان المذكور سيغير من البناء التراثي ويخرج عن النسق الموجود وعن نمطية وتقاليدالهيكل العمراني وعن معزوفة الحياة اليومية داخل المدينة القديمة .فالقدس أولا ليست بحاجة إلى مطاعم فهي أكثر من أن تعد أوتحصى ففيها من كل الأصناف والانواع وتلائم كل الطبقات والفئآت الفلسطينيين والسياح على حد سواء وثانيا ستدخل هذه المطاعم في منافسة خاسرة مع المطاعم الشعبية التي مضى على بعضها اكثر من 60 عاما وهي لا تواجه تكاليف ثابتة كما هو حال المطاعم االمقترح اقامتها وثالثا القدس بحاجة إلى مشاريع واستثمارات تفتقرها فعلا لكونهاغير موجودة بها أصلا وليس إلى إقامة مشاريع فيها المئات منها.فالقدس مليئة بهذا النوع من الاستثمارات ولا تعاني من نقص فيها أبدا بل هناك فائض كثيرمنها لكن هناك مشاريع تحتاجها القدس فعلا. فالصناعات الحرفية على سبيل المثال التي كانت السمة المميزة للمدينة والتي غادرتها إلى مدن مجاورة كبيت لحم وبيت ساحور وبعضها أغلق .فمن أصل نحو 35 صناعة (مهنة )حرفية كانت منتشرة ومزدهرة في القدس القديمة بحارة النصارى والقطانين وسوق الحصر والدباغة والعطارين واللحامين وباب السلسلة وخان الزيت وحارة الواد وكازينوفا دير اللاتين لا يوجد منها الآن سوى 13 مهنة معظمها خارج السور. فمن الأجدى اقتصاديا واستثماريا ووطنيا ومقدسيا والحالة هذه، أن نعيد الصناعات والمهن الحرفية التي غادرت المدينة والتي شكلت على مر العصور إحدى أبرز معالمها وسماتها الحضارية التي ميزت المدينة المقدسة . والقدس ايضا بحاجة إلى مشاريع اسكانية وتطوير المجمعات التجارية بل وبناء الجديد منها .والقدس بحاجة ماسة إلى ضرورة تخليصها من آفة تعاطي المخدرات التي تنخر في جسم ابناءها وتدفعهم خارج سوق العمل والنشاط التجاري كله .فنسبة المتعاطين في القدس العاصمة يصل إلى نحو 19% أما المدمنين فيصل إلى ما بين 6-7% ،أو ليس الأجدى اقتصاديا واستثماريا ووطنيا ومقدسيا محاربة هذه الأفة التي يستغلها أعداء هذه المدينة لشراء واستئجار العقارات من المتعاطين والمدمنين كما حصل في اكثر من حالة ؟؟ أم أنه ثانوي وليس وقته ولا زمانه ولا مكانه!.والاستثمار في هذا المجال يقع ضمن المسئولية الاجتماعية التي يتوجب على ىشركات القطاع الخاص القيام بها مقابل تحقيقها الأرباح من المجتمع الذي تعمل في وسطه وبدونه لا تحرز أية ارباح ،فلا بد والحالة هذه من أن تعيد جزءا من ارباحها لتنفقه على المجتمع.لذا فمحاربة آفة المخدرات يجب ان تعطى الأولوية لأن من شأن محاربتها، تقوية الاقتصاد والاستثماروتحقيق الأرباح وحماية الشباب المقدسي من الإنزلاق نحو الهاوية. القدس بحاجة إلى بناء وتحديث قطاع الصناعة لإيجاد فرص عمل للخريجين الجدد . القدس العاصمة الوحيدة ربما في العالم التي لا تحتاج فيه إلى مطاعم ،ففيها ما يكفيها من كل الأنواع والمستويات والطبقات لعقدين قادمين. من يريد أن يستثمر في القدس عليه ان يتجه صوب القطاعات الانتاجية والخدمية الأخرى كالسياحة والتعليم والصحة وإعادة الحياة والنشاط للغرفة التجارية وتفعيل دورها فهذه القطاعات هي التي تحقق الأرباح وتعزز اقتصاد المدينة وتخلق فرص العمل والتشغيل للشباب الذي يتغنى به وينافقة ويوده ويقترب منه الجميع بالكلام المعسول وبالرشا احيانا وبشراء الذمم أحيانا اخرى وتخريب النقاء والصفاء الشبابي نحو اهداف تخدم مصالح الاغنياء الجدد .وبغض النظر عن تضارب المصالح الكبير والملموس وغياب النزاهة والشفافية والتي باتت السمة الغالبة على كل العمل التجاري في المدينة وخارجها ،فإن تحويل البازار في القدس القديمة إلى مطاعم سيكون خاسرا ماليا ومحبطا مقدسيا ووطنيا .فالاستثمار في المطاعم سيكون بمثابة اول الغيث قطران، فقديما قالوا صاموا صاموا وأفطروا وفطَروا معهم المقادسة على مطعم في البازار المجنى عليه.إن عملية تحويل هيكلة البازار لتلائم مكانا للمطاعم سيكلف كثيرا وسيضر في السمات المميزة التي امتاز بها على مر العصوروسيحقق الخسائر بلا شك .وختاما نطالب الشركاء الحقيقيين والفعليين في المشروع الرجوع عن الخطأ الاستثماري فهو أفضل من المضيَ فيه ونقول للمؤجرين ان تتقوا الله في المدينة المقدسة التي حافظ عليها اباءكم واجدادكم واستشهدوا في سبيلها .أفضل استثمار مربح وممكن في البازار هو باقامة مجمع للمهن الحرفية حيث لا تزيد مساحة أكبر ماكينة عن ثلاثة امتار مربعة وبهذا نعيد الصناعات التي هاجرت واغلقت والفنيين والمهنيين الذين انتقلوا إلى خارج المدينة. مدينة القدس تحتاج إلى أعمال وافعال حقيقية وليس دانكوشوتية .الاستثمار في المطاعم بالقدس هو استثمار خايب لا فائدة ترتجى منه ولا تحقق المبتغى منه وكل عام والقدس والمقدسيون بخير.