jo24_banner
jo24_banner

انهاء المقاومة ليست هدفا بل وسيلة.. الهدف الحقيقي الإبادة والتهجير

كمال ميرزا
جو 24 :


بعد مرور شهر على "طوفان الأقصى"، ما زال هنالك التباس لدى الغالبية حول هدف الكيان الصهيوني من حرب الإبادة التي يشنّها على غزة.

هدف هذه الحرب هو إزالة "غزّة" كما نعرفها عن الخريطة، وتهجير أهلها كليّا أو جزئيّا، وإعادة احتلالها أو ضمّها كليّا أو جزئيّا لتعود تحت سلطة الاحتلال و"سيادته".

أمّا القضاء على "المقاومة" و"إنهاء حكمها" فهو ليس الهدف، بل هو "الوسيلة" لتحقيق الهدف أعلاه، والخيار الذي سيضطر الكيان الصهيوني لاتخاذه والإقدام عليه إن عاجلا أو آجلا من أجل تحقيق غاياته وتطلعاته المستقبلية.

منذ أن وقَفَ "نتنياهو" في الأمم المتحدة بكل عنفوان وغطرسة مستعرضا خطط "السلام الاقتصادي" القادمة، والخط التجاري اللوجستي العالمي الذي سيمتد من الهند إلى أوروبا مرورا بدول خليجية وشواطئ فلسطين.

ومنذ أن أخذت محادثات تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" وهذه الدول الخليجية منحى متسارعا..

أدركت "المقاومة" أنّ الخطوة التالية هي "غزّة"، والدور قادم على غزة؛ فغزة كما نعرفها، ليس فقط بسبب "المقاومة"، بل أيضا بفعل الموقع الجغرافي والديموغرافيا، هي حجر العثرة الأكبر في المنطقة على طريق هذه المشاريع المزمعة، و"الشريك" الذي لا يرغب أحد أن يكون حاضرا في أي ترتيبات مستقبلية.

بكلمات أخرى، تفكيك وتفريغ غزّة وإعادة وضع اليد عليها كانت مسألة وقت، والذي فعلته المقاومة من خلال "طوفان الأقصى" أنّها استبقت هذه المخططات، وأخذت المبادرة، كمحاولة لقلب الطاولة وخلط الأوراق، وكمحاولة لتصعيب المهمة، وكمحاولة لزيادة فداحة الثمن الذي سيضطر الكيان وشركاؤه لدفعه من أجل تنفيذ خططهم، وكمحاولة لاستثمار واستجلاب الدعم الممكن من قوى عالمية ترى أن مشروع الممر التجاري الهندي/ الخليجي/ الإسرائيلي/ الأوروبي/ الأميركي يهدد مصالحها.

قد يتذاكى البعض ويقول إنّ المقاومة بإقدامها على "طوفان الأقصى" قد أعطت الكيان الحجة والذريعة لتنفيذ ما يريده، وهذا كلام ساذج، فمتى كان "الكيان" تنقصه الحجة أو يعجزه افتعال ذريعة.. ما فعلته المقاومة في حدود خياراتها وإمكاناتها وهامش حركتها هو سلب العدو المبادرة، وخلخلة حساباته، وحرمانه من فرصة فرض شروطه وشروط الاشتباك، ومن أن تكون له اليد العُليا عند بدء العمليات.

من هنا نفهم لماذا كان ردّ فعل الدولة المصرية "العميقة" منذ اليوم الأول هو الإعلان عن رفض التهجير حتى قبل أن تُثار مسألة التهجير، والإصرار على الإغلاق التام للحدود حتى لو وضع هذا القرار مصر أمام حرج وضغط شعبيين. وبالمثل كان ردّ فعل الدولة الأردنية التأكيد على رفض التهجير قبل مناقشة أي حيثيات وتفاصيل أخرى.

قد تختلف وتتباين أرضيات وأولويّات كلّ من مصر والأردن في رفضهما لتهجير أهالي غزة (والضفة والـ 48 تاليا)، ولكن النتيجة والمُؤدّى واحد.

من هنا نفهم أيضا سرّ التعبئة واستعراض الجاهزية القتالية التي حرصت وتحرص مصر على إبدائهما في سيناء.

فلو سألنا أنفسنا: ضد مَن تستعرض مصر قوتها؟

قطعا ليس ضد أهالي غزة المساكين! وليس ضد "المقاومة" التي ترفض أساسا الخروج والتهجير!

مصر تستعرض قوتها ضد مَن يريدون تهجير أهالي غزة وتوطينهم في سيناء، وضد أي محاولات لفرض التهجير والتوطين كأمر واقع، سواء بطريقة ناعمة باسم الإغاثة الإنسانية، أو حتى بالقوة من خلال توسيع رقعة الحرب أو افتعال "عدوان ثلاثي" أو رباعي أو خماسي جديد على مصر.

والخيار الثاني يُلقي ضوءا مختلفا على تلك الأساطيل التي حرصت القوى الاستعمارية الغربية (التي أوجدت إسرائيل أساسا) على تحشيدها شرق المتوسط قبالة سواحل سيناء.

في ضوء هذا الفهم لهدف الحرب على غزّة وغاياتها، يختلف مفهومنا لـ "النصر" المأمول في هذه المرحلة من مراحل الصراع والقضية الفلسطينية.

الشعوب بعاطفية مفهومة ومبررة ولا يستطيع أحد أن يلومها عليها، رأت في "طوفان الأقصى" أملا في التحرير، تحرير فلسطين كاملة من البحر إلى النهر.

وهذا نظريا صحيح، ولكن "طوفان الأقصى" في هذه المرحلة وفي ظل السياق الحالي هو "خطوة" على طريق التحرير، وليس كامل طريق التحرير.

ومحاولة البعض بقصد أو غير قصد رفع الآمال والتطلعات والتوقّعات والإصرار على ذلك قد يؤدي إلى نتائج عكسية، على الأقل من حيث الروح المعنوية والحرب النفسية والثقة بالمقاومة وخياراتها ومجمل تيار الممانعة.

النصر المأمول في هذه الجولة من الصراع هو ثبات أهل غزة في أرضهم وعدم الخروج، وبقاء "المقاومة" في غزة وعدم إبعادها عن أرضها وحاضنتها الشعبية.

وهذا الفهم للنصر ينعكس أيضا على فهمنا للدعم والإسناد و"النُصرة" المطلوبة من قبل ما يُسمّى محور "الممانعة"، أو الدول العربية التي ترفض أن تكون جزءا من مخطط تفريغ غزة وتهجير أهلها.

فكل دعم وإسناد عسكري ودبلوماسي في هذه المرحلة ينبغي أن يكون موجّها من أجل الحفاظ على ثبات وصمود أهالي غزة في أرضهم، وعدم السماح بإخراج المقاومة من غزة بأي صيغة من الصيغ، حتى لو كان ذلك بصيغة "خروج الأبطال" على غرار خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت سنة 1982.


 
تابعو الأردن 24 على google news