مغالطات بلينكن وحسابات امريكا الخاطئة في عدوانهم على غزة
باسل العكور
جو 24 :
حضر وزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكن الى عمان ليقول ان بلاده - الشريكة في ارتكاب المجازر الدموية في قطاع غزة - تعارض وقف اطلاق النار ، و ليؤكد دعم الولايات المتحدة لحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها..
وزير الخارجية الامريكي قال ان بلاده استخدمت نفوذها وقدراتها للردع لمنع فتح جبهات اخرى في هذا الصراع، مؤكدا سعي حكومة بلاده تسهيل ايصال المساعدات الى غزة الى جانب سعيها لاسترجاع المحتجزين وحماية المدنيين الفلسطينيين، معربا عن قلقه ازاء عنف المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية (..) .
وهنا بات علينا ان نسأل :
لماذا التقى بلينكن وزراء الخارجية العرب في عمان بالامس اذا اراد ان يعبر عن ذات الموقف المكرور الداعم لعدوان اسرائيل الوحشي على اهلنا في قطاع غزة ، و المؤيد بالمطلق لحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها ، و المعارض لوقف اطلاق النار ، الداعم لاستمرار العدوان الهمجي على الابرياء في قطاع غزة حتى تحقق اسرائيل اهدافها ميدانيا ؟
الوزير الامريكي وهو يلتقي في عمان مع شركاء بلاده - كما وصفهم - ، لا يجد ضيرا من تجاهل موقفهم الموحد المطالب بوقف العدوان على غزة ، لا بل يعلن الانحياز الكامل لما يرى انه يخدم مصلحة اسرائيل فقط !!!
الوزير الامريكي الشريك المدان و المتورط في جرائم الحرب التي ينفذها الاحتلال ، هو وحكومة بلاده ، يقف في عاصمة عربية ليقول على الملأ انه يدعم حق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها ، ويتجاهل حقيقة ان ابناء الشعب الفلسطيني الذين يرزحون تحت وطأة اطول وابشع احتلال عرفه التاريخ ، لهم الحق ايضا في المقاومة و تقرير مصيرهم والدفاع عن انفسهم وارضهم و مقدساتهم و كرامتهم و كينونتهم و صيرورتهم !!!
الولايات المتحدة تخوض حربا وحشية انتقامية ضد الشعب الفلسطيني، هذه حقيقة علينا ان ندركها جيدا ، و للاسف ما زلنا نتعامل معها رسميا على انها حليفة و شريكة.. الولايات المتحدة ترفض تماما وقف العدوان على قطاع غزة ، ومع ذلك ننتظر منها موقفا متوازنا عقلانيا يراعي الشرعة الدولية و قواعد القانون الدولي الانساني ؟!! ننتظر منها موقفا مختلفا ونحن نعرف انها قامت بتعطيل كل الاليات الدولية التعاقدية وغير التعاقدية الساعية لوقف العدوان الوحشي على اهلنا في قطاع غزة المنكوب ؟!!
الوزير الامريكي قال ان بلاده تدعم حل الدولتين ، اي كلام فارغ هذا ، اين كان الامريكان قبل السابع من اكتوبر ، لماذا استمر دعم الولايات المتحدة لحليفتهم اسرائيل وهي تنكل بالشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ، تقتّل ابناءهم وتعتقل شبابهم واطفالهم ونساءهم ، و تهدم بيوتهم و تنتهك حرماتها، و تقتلع اشجارهم و تدنس مقدساتهم ، وتقضم ارضهم وتبني خرائبها "مستوطناتها" عليها، وتحول حياة الشعب الفلسطيني الى جحيم مقيم ؟! لماذا لم تقم الادارات الامريكية بلجم هذه الممارسات و وضع حد لهذه التجاوزات في حينه ، وذلك سعيا لتحقيق سلام عادل ودائم ودفاعا عن مشروع حل الدولتين ؟!! لماذا صمتت رغم تحذيرات الاردن المتكررة بان ما يقترفه اليمين الاسرائيلي المتطرف - بعد ان بات المجتمع الاسرائيلي كله يمين ومتطرف - لن يفضي الى تحقيق السلام والامن في المنطقة؟!!
ان نشاط الولايات المتحدة الدبلوماسي في المنطقة يحمل عنوانا واحدا فقط، وهو منع تورط دول اخرى في الاقليم في هذا الصراع، ومنح اسرائيل الوقت الكافي لتحقيق اهدافها ميدانيا دون معيقات، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الامريكي بوضوح شديد في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بوزير خارجيتنا ووزير الخارجية المصري يوم امس ..
الواضح ان الولايات المتحدة تبحث مع قادة المنطقة ترتيبات ما بعد سقوط غزة، هذا بالضبط ما يقلقها، وذلك بالفرض الساقط ان غزة ستهزم -وان جيش الاحتلال سينجح بهمة قواته الخائرة المهزومة باجتثاث حماس -، فهم يبحثون عن بديل متصالح مع الاجندة الصهيو - امريكية ليدير غزة ويعيدها تحت سلطة الاحتلال، جهة تدير غزة بالانابة عن الاحتلال كما هو واقع حال السلطة الفلسطينية التي تخضع تماما لاملاءات واشتراطات الكيان المحتل، هذه السلطة التي لم تترك غزة لوحدها فقط، بل تركت سكان الضفة الغربية لقمة سائغة لاعتداءات المستوطنين اليومية عليهم ،فعدد شهداء الضفة الغربية في الاسابيع الاربعة الفارطة تجاوز ال ١٠٠ شهيد .. السلطة تخذل الجميع دون استثناء ، يبدو ان هذا هو نمط الإدارة التي يريدون للضفة الغربية و قطاع غزة ..
بلينكن اعرب عن قلقه من اعتداءات المستوطنين على المدنيين العزل في الضفة الغربية ،ماذا فعل لوقف هذه الاعتداءات ؟ اعرب عن سعي بلاده لضمان تدفق المساعدات الانسانية للمحاصرين في قطاع غزة ، ماذا فعل لضمان ذلك ؟ اعلن عن دعم بلاده لدخول الوقود لمستشفيات القطاع التي خرج عدد كبير منها من الخدمة جراء انقطاع الوقود ، ماذا فعل لضمان ذلك ؟!! قال ان بلاده تدعم الهدنات الانسانية ، ماذا فعل لتحقيق ذلك ؟! قال إنه طلب أن لا يتمّ استهداف المدنيين في قطاع غزة ، و رغم ذلك تتصاعد وتيرة ارتكاب المجازر وقصف الاحياء المدنية وهدم المنازل على رؤوس اصحابها ! و بالمقابل قدمت حكومة الولايات المتحدة الدعم العسكري الكامل والدبلوماسي الكامل والاعلامي الكامل لحليفتها اسرائيل لضمان تحقيق اهدافها على الارض، هذا ما نجحت في تأمينه دون مواربة حتى الان؟!!
الثوابت الاردنية التي عبر عنها وزير الخارجية ايمن الصفدي في المؤتمر الصحفي لم يحفل بها الوزير الامريكي للاسف، وهي ثوابت سيدرك بلينكن وغيره انها المخرج الوحيد لهذه الازمة، لا سلام ولا امن في المنطقة دون اعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ..القوة الغاشمة لن تعطي مشروعية للاحتلال، الجرائم التي ترتكب لن تمنع الفلسطينيين من المطالبة بحقوقهم المشروعة ، الاحتلال حالة طارئة و الى زوال طال الزمان او قصر .
اما عن هزيمة حماس ، فاظن ان على امريكا ان تهزم اولا احرار العالم كله ، ان تهزم الفكرة ، ان تهزم القيمة ، ان تهزم الحق و العدل و الحرية ، قبل ان تهزم المقاومة ، عليها ان تواجه اولا التحولات الداخلية العميقة في الولايات المتحدة نفسها، وكيف ان شعبها تحرر ايضا من سطوة "الايباك" ، تحرر من هذا الطوطم ، ونزل الى الشوارع و المحطات ليعلن عن مناهضته للحرب على غزة وادانته لوحشية جيش الاحتلال والدعم الامريكي لهذا الجيش البربري ، وهي سابقة مهمة ، هذه هي المرة الاولى التي يعلن بها الشعب الامريكي عن موقفه من ممارسات دولة الاحتلال الوحشية بشكل علني و صريح ..
لن تستطيع اسرائيل فرض واقع جديد على الارض مهما ارتكبت من مجازر وجرائم ابادة تحت الغطاء الامريكي ، هذا ما سيدركه العالم في قادمات الايام ، لن تتمكن الولايات المتحدة بقوة ردعها من تطويق الازمة اذا ما استمرت هذه الغطرسة وهذه الوحشية ، ولان الحرب هي صراع ارادات فان هذا الكيان المحتل الغاشم المارق لن يتمكن ابدا من هزيمة ارادة الشعب الفلسطيني ابدا ...