معركة طوفان الأقصى.. سيناريوهات المعركة وحتمية نصر المقاومة
د. رامي عياصرة
جو 24 :
شهر كامل وأزيد على بدء معركة طوفان الأقصى بكل ما حملت من مفاجآت ودماء وتضحيات وبطولات، ولمّا تضع الحرب بعدُ اوزارها.
منذ بداية المعركة هدد جيش الكيان وحلفاؤه بحربهم البرية على غزة المحاصرة من الجو والبر والبحر على أنها هي الورقة الرابحة بيد دولة الكيان لحسم المعركة لصالحها بعد هزيمتها المذلة في 7 أكتوبر.
بدأ الهجوم البري المنتظر ، فماذا كانت النتيجة؟؟
لقد غاصت اقدام جيش الكيان في رمال غزة، حتى باتت كل سيناريوهات المعركة البرية بالنسبة لجيش الاحتلال الإسرائيلي مزعجة ومكلفة ومقلقة وتشكل كابوسا حقيقا اقلق أمنه وهز أحلامه.
ومهما اختلفت احتمالاتها ستؤدي بالنتيجة الى " الهزيمة " المؤكدة لجيش الكيان وانتصار المقاومة.
ثمة عدة سيناريوهات محتملة في مجريات المعركة، اولها: بقاء قوات جيش الاحتلال على اطراف القطاع مع قوة نارية كبيرة تمهد الطريق لتقدم الدبابات والآليات والافراد. وقد تحقق ذلك منذ اللحظة الاولى للمعركة البرية، فلم تفلح في تحقيق المطلوب او تحدث فارقا تجاه حسم المعركة لصالح جيش الاحتلال، ولا أدل على ذلك من انّ صواريخ المقاومة التي بقيت تدك تل ابيب والمستوطنات وكل مكان تريد المقاومة الوصول إليه خلال هذه المرحلة.
وفي السيناريو الثاني واذا ما اراد جيش الاحتلال التوغل أكثر والدخول في غابات الاحياء المدمرة جراء القصف الاعمى خاصة في شمال القطاع ، هذا يعني الدخول في مرحلة الالتحام المباشر مع المقاومين الابطال ، واعطائهم الفرصة في اقتناص دباباتهم وآلياتهم العسكرية من نقاط قريبة جدا ومن النقطة صفر، والقدرة على الالتفاف حولهم من كل الزوايا بفعل انتشار شبكة الانفاق، علاوة على تفخيخ المنازل والمباني ونسف الجنود المتحصنين فيها.
وقد رأينا في اليومين الماضيين مشاهد ومقاطع الاعلام العسكري للقسام توثق ذلك وتؤكده بوضوح.
وفي السيناريو الثالث وفي حال الانتشار بشكل أكبر وأوسع في القطاع كله في محاولة لإعادة السيطرة الكاملة عليه لتحقيق رؤية حكومة نتنياهو الفاشلة ، والبحث عن ايجاد ظروف تسمح بوجود ادارة بديلة تحل محل حماس في القطاع حسب رؤية بايدن و وزير خارجيته بلنكن، فان هذا السيناريو أيضا غير ممكن واقعيا وإن كان يتم الحديث عنه نظريا لأن تحقيق ذلك يتطلب حربا طويلة الأمد تتجاوز السنة وربما السنتين الأمر الذي سيحول فعل المقاومة الى اشبه ما تكون انتفاضة مسلحة طويلة يشترك بها كل أهل القطاع الى جانب المقاومة، والمقاومة بالأساس جاهزة لهذا وقادرة على اعادة تشكيل نفسها بما يتلاءم مع هذا الخيار، وبالمناسبة ليس لديها ما تخسره في هذه الحالة، ولكنها بالمقابل ستكون مكلفة جدا على دولة الاحتلال الإسرائيلي من جهة وعلى الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الرئيس لها بالعتاد والسلاح بالاضافة الى الدعم السياسي واللوجستي، وتتمثل كلفته على الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً باطالة أمد الحرب وبالتالي ابتعادها عن تطبيق خطتها الاستراتيجي المتمثلة بالانسحاب من منطقة الشرق الأوسط والتركيز والاهتمام بكامل قوتها على الصراع مع روسيا في اوكرانيا، و مع الصين في بحر الصين الجنوبي، الأمر الذي يعني انتكاسة وانكفاءة أمريكية وغربية أمام روسيا والصين.
وقد اثبت الواقع ضمن مجريات المعركة خلال شهر مضى أن امريكا والغرب غير قادرين على الاشتغال في جبهة اوكرانيا وغزة معاً .
كل الاحتمالات صعبة وأثرها سلبي وكارثي على دولة الكيان ، والاستمرار في الحرب بهذا الشكل وعلى كل الاحتمالات والسيناريوهات يؤشر على تكلفة عالية وهزيمة محققة، تظهر بوادرها من خلال عدة امور إما تحققت او في طريقها للتحقق وهي:
اولاً: الفشل الواضح والعجز الكامل حتى اللحظة في تحرير أي من الأسرى الذين في قبضة المقاومة، وهو بالمناسبة أكثر ملف ضاغط على عصب حكومة الاحتلال الإسرائيلي وحتى على الادارة الامريكية التي ارسلت فرقة دلتا المتخصصة بتحرير الرهائن والاسرى دون حدوث أي فارق يُذكر.
ثانيا: تكسّر وفشل السردية الاسرائيلية -الامريكية التي كذبت بها على العالم في بداية المعركة المتمثلة بلصق تهمة الارهاب بالمقاومة واعتبارها داعش الجديدة التي قطّعت رؤوس الاطفال وبطشت بالمدنيين في غلاف غزة ، ولكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر وظهر زيف تلك السردية بل وحلول سردية المقاومة مكانها في ادانة جرائم ومجازر الاحتلال الإسرائيلي والدعم الامريكي والغربي البشع المساند لها في قتل المدنيين والآمنين وقصف المستشفيات والطواقم الطبية وعمال الاغاثة من كوادر مؤسسات الأمم المتحدة.
ثالثا: خسارة الولايات المتحدة الأمريكية صورتها التي كانت تحافظ على أن تُظهر نفسها فيها كحامية لحقوق الإنسان وراعية للقانون الدولي الانساني، وانقلاب الرأي العام العالمي ضدها وضد الكيان المجرم والتي اظهرت حجم هذه الخسارة المسيرات الكثيرة وبعشرات الآلاف التي جابت شوارع عواصم الدعم الغربي للكيان في واشنطن ولندن وباريس وبرلين .
رابعا: السقوط المدوي في الاختبار الاخلاقي للولايات المتحدة الأمريكية وللكيان الصهيوني نفسه من خلال ارتكاب ابشع الجرائم بالابادة الجماعية وقتل المدنيين والآمنين الأبرياء ، وقتل الاطفال والطفولة والنساء الذين يشكلون الغالبية العظمى من ضحايا اقذر حرب في التاريخ المعاصر ، والتي ستبقى مشاهد الدماء والاشلاء وصمة عار في جبين امريكا والغرب والمجتمع الدولي المنافق الذي سكت على هذه المحرقة البشعة.
خامسا: سقوط هيبة جيش الكيان الصهيوني وانكشاف عواره وهشاشتة وهزالة قدراته بل وانهياره الكامل يوم 7 أكتوبر الأمر الذي استدعى كل هذا الاسناد والدعم اللوجستي والعسكري والأمني والسياسي من الامريكيين والفرنسيين والبريطانيين والألمان .
سقوط هيبة هذا الجيش وفقدانه قدرته على الردع له دلالته الكبرى التي يعرفها الكيان نفسه هو وحلفاؤه على مستقبله و وجوده.
سادساً: ازدياد الانقسام الداخلي الإسرائيلي و وضوح تباعد مكوناته وتضاربها، وفشل اليمين المتطرف الحاكم في قدرته على صيانة ما يسمى " أمن اسرائيل " ، وهذه النقطة بالذات بدأت آثارها تظهر من الآن وستظهر مفاعيلها الكبيرة والضخمة في اليوم التالي لاعلان انتهاء المعركة و هزيمة الكيان وحضور الحساب والتلاوم وربما المحاكمات لنتياهو واركان حكومته المتطرفة وقادة الجيش الكبار.
سابعاً: ظهور عجز الأنظمة العربية المقربة والحليفة لدولة الكيان، وفقدان أي قيمة لاتفاقات التطبيع العربي بكل اشكاله ومستوياته ، وأنها لا تشكل لدولة الكيان أي حماية حقيقية او اضافة نوعية حتى لو جابت حكومة الكيان العواصم العربية تطبيعاً من الخليج الثائر الى المحيط الهادر مادام الفسطيني صاحب الحق لم يستسلم ولازال يحمل السلاح دفاعاً عن ارضه ومقدساته وحقه في تقرير المصير.
كل هذه الامور وغيرها تدل دون أدنى شك بأن الكيان الصهيوني بات في مأزق حقيقي في حربه مع غزة ومقاومتها، غزة التي ترسم بتضحياتها وعزيمتها لوحة النصر واستئناف دورة جديدة في ملحمة القضية الفلسطينية التي بقيت عصيّة على الموت والاندثار، غزة التي لم يبتلعها البحر كما تمنى رابين الهالك يوماً، ولكنها برغم الحصار هي من ابتلعت أمن الكيان وجيشه الخائب الهزيل، وابتلعت كذلك مستقبل الكيان بكليته حتى بات مشكوكا في بقائه واستمراره.
ليس أمام هذا الكيان المجرم وحلفائه الامريكيين والغرب سوى خيار واحد لا مفر منه وهو وقف الحرب والتسليم باعلان الهزيمة وانتصار المقاومة ودفع اثمان هذه الهزيمة سياسيا وعلى كل المجالات وليس في الواقع بشئ البحث عن بدائل لحكم حماس في غزة من اعادة احتلالها من قبل جيش الاحتلال الاسرائيلي ولا من وجود قوات أممية على طريقة اليونيفيل في جنوب لبنان ولا حتى وجود قوات عربية.
مستقبل غزة والقضية الفلسطينية يحتاج الى مقاربات سياسية بشروط وقواعد مختلفة تماما عن ما اسس له مؤتمر مدريد وعملية التسوية واوسلو وافرازاتها ، تحتاج فعلا الى تعاطي سياسي مختلف عن كل ما سبق.