الهوية الوطنية وعبث اليمين الاسرائيلي وخطاب الإعلام الرسمي في معركة الطوفان
د. رامي عياصرة
جو 24 :
الخطاب الاعلامي الرسمي يملي علينا نحن معشر المتابعين والمراقبين لغز او احجية يصعب علينا حلها، يقوم وزير خارجيتنا وباستمرار منذ بداية العدوان على غزة بسلسلة تحركات وتصريحات وتغريدات قوية وأكثر من رائعة تعبّر عن سعي حثيث لوقف العدوان على الأشقاء في غزة وحماية المصالح العليا للدولة الأردنية من تغول حكومة نتنياهو الفاشلة المتطرفة ، هذا فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية وتحرك الدبلوماسية الأردنية، وهو خطاب رسمي مقدّر ومهم، ولكن وبذات الوقت يحتضن الاعلام الرسمي ( وتحديدا التلفزيون الأردني وتلفزيون المملكة ومعها الصحف الرسمية وشبه الرسمية) مجموعة اعلاميين لا شغل لهم إلا التشكيك بالمقاومة الفلسطينية وحركة حماس، والتباكي على الشعب الفلسطيني في غزة وما لحقه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويحملون المقاومة الفلسطينية المسؤولية بطريقة أو بأخرى عن كل ما يجري من تقتيل ودمار. حتى وصل الحد ببعضهم أن يمتدح " تصالح الاسرائيليين مع قتلاهم " ولم يبقَ سوى كيل المديح لنتنياهو وشجاعته لقيادته العدوان "باقتدار" بعد 7أكتوبر ..!!!
ثم يتصدى البعض منهم ليبني سرديتهم في تناول موضوع العدوان على غزة من زاوية الهوية الوطنية الأردنية واقحامها بقوة في سياق الحدث، والإكثار من مقولة عدم المزاودة على مواقف الأردن تجاه القضية الفلسطينية، وكأن ما يجري من عدوان على غزة يفتح التشكيك بالهوية الوطنية الأردنية ، وهذا الأمر في أصله غير صحيح ، كلنا يقر بأن الأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين ، ولا بديل للفلسطينيين عن أرضهم ، وأن الأقرب لوقف وتعطيل مؤامرة الوطن البديل أصلاً هو فعل المقاومة الفلسطينية وأنها الوحيدة القادرة على لجم أوهام اليمين الاسرائيلي المتطرف في القدس والضفة والترانسفير. فكيف لهؤلاء أن يربطوا بين تأييد المقاومة وفعلها البطولي وبين التشكيك بالهوية الوطنية الأردنية من هذه الزاوية بالتحديد ، انا لا أعرف ؟!
أما نقد بعض الممارسات والاجراءات الرسمية التي رافقت الحرب على غزة فهذا شئ طبيعي ويقع ضمن الحق في النقد و في التعبير عن الرأي مادام ضمن الأطر الدستورية والقانونية ، فكل أداء تنفيذي قابل للخطأ، وبالتالي فهو قابل للنقد والاستدراك عليه، ولا يجوز "احتضان" بعض الاعلاميين لامتهان التشكيك ومهاجمة الجمهور الأردني المؤيد للمقاومة والمتعاطف مع تضحيات الأهل في غزة بما يفهم أنهم الناطقون باسم الحكومة بدلاً من وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، وبالنتيجة يقوم هؤلاء المشككين بإحداث حالة من الانقسام على صعيد جبهتنا الداخلية نحن في غنى عنه بكل تأكيد ، ثم أنه ( أي تبني الاعلام الرسمي لهذه الاصوات ) يكرس حالة من الفصام النكد في ذهن الجمهور المتلقي إذ يصعب عليه عندها أن يلائم بين خطاب وزير خارجيتنا والدبلوماسية الأردنية وبين خطاب هؤلاء ، مما ينتج حالة من التشكيك الفعلي بدلاً من نشر اجواء الثقة، ونبدأ بعدها ندور في حلقة مفرغة من الاتهام والتشكيك المتبادل والتي لن نخرج منها مادامت السياسة الاعلامية تستند على نفس طريقة العمل الإعلامي تلك، وتقوم بذات الوقت باقصاء أصحاب الرأي الآخر عن منصات الاعلام الرسمي وربما غير الرسمي أيضا وتجعلها حكراً على الذين يمتهنون مهاجمة الجمهور .
والمؤسف أن كل ذلك يجري تحت عنوان " الولاء " للدولة الأردنية والنظام السياسي و "الحفاظ" على الهوية الوطنية، مع توزيع بعضهم "صكوك" الوطنية للبعض وحرمان الآخرين منها ، وكأنهم يملكون توزيعها بشكل خاص وحصري دون غيرهم. هل رأيتم مشهداً أكثر ايذاء للجبهة الداخلية أكثر مما يجري ؟!
وأود هنا أن أؤكد أنّ الأردن من حقه أن يفكر بمصالحه العليا ، وأن هويته الوطنية ناجزة ولا مجال للتشكيك بها، وتشمل كل أردني ملتزم بسقف الدستور والقانون، ويمارس حقه الدستوري في التظاهر والتعبير عن الرأي، وأن هويتنا الوطنية ليست نقيضة لأي هوية أخرى ولا تقوم على أنقاضها، وأن جميع الأردنيين وبالأخص المؤيدين والمناصرين للمقاومة الفلسطينية البطلة هم مع الأردن وأمنه واستقراره، وأنّ جميع المطالبات من المتظاهرين الذين خرجوا لنصرة غزة ومقاومتها خرجت ضد همجية الاسرائيلي المحتل المجرم وليس ضد الدولة الأردنية، وأن من حق القوى الوطنية الشعبية والحزبية رفع الصوت لمطالبة الجانب الرسمي بالتقارب مع المقاومة و الانفتاح على " محور المقاومة " اسناداً للفلسطينيين وحماية للأردن وتنويعاً لخياراته السياسية ، فاننا لا ندري ماذا تحمل الأيام القادمة من مفاجآت وربما انتكاسات تجعلنا نندم على عدم توسيع شبكة علاقاتنا الى أكبر مدى ممكن.