2024-05-13 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

العرب.. والإصرار العجيب على التطبيع!

كمال ميرزا
جو 24 :


إستراتيجيّا، أسوأ شيء يمكن أن يقترفه أي نظام عربي بحق نفسه هو "التطبيع" مع الكيان الصهيوني.

وتستوي في هذا الأنظمة التي تدّعي الحفاظ على "أمنها القومي" و"مصلحتها الوطنية العليا"، أو الأنظمة التي تريد جلب "الاستقرار" و"الرخاء" و"الإزدهار" لشعوب المنطقة.

وإذا كان هناك سبب "جوهري" متجاوز لأي اعتبارات عسكرية واقتصادية وسياسية يُملي على الفلسطينيين وما تُسمّى دول الطوق عدم الانجراف وراء التطبيع ومحاولة استدراك هذه "الغلطة".. فيفترض أنّ يكون لدى بقية الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج سببان اثنان وليس سببا واحدا فقط!

لماذا؟!

تقوم الأيديولوجيا الصهيونية كما يوضّح الدكتور "عبد الوهاب المسيري" على أكذوبة كاملة قوامها وجود شعب يهودي خالص، وافتراض الغياب التام لشعب فلسطيني.. ومن هنا تأتي مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" كإحدى أركان الدعاية الصهيونية.

هذا الافتراض بوجود شعب يهودي خالص هو افتراض "أسطوري"، أولا بكون اليهودية ديانة وليست قومية، وثانيا بكون اليهود في العالم هم خليط من الأعراق والأجناس وغالبيتهم الساحقة لا يمتّون بصلة للعبرانيين أو "بني إسرائيل" أو المنطقة، وثالثا لأنّه لا يوجد هناك تاريخ يهودي واحد أو مشترك، ورابعا بكون اليهودية نفسها ليست يهودية واحدة.

بل إنّ اليهودية "الأصلية" إذا جاز التعبير، أو اليهودية "التوراتية"، أو "الحاخامية"، أو "الروحية"، أو "الإيمانية".. قد تقهقرت وتراجعت منذ القرن السادس عشر لصالح سيطرة وهيمنة اليهودية القبالية الماشيحانية التلمودية ذات المشارب "الغنوصية" الوثنية التي يستقي منها المشروع الصهيوني الحالي، وهذه اليهودية القبالية هي فعليّا دين حلولي "علماني" (رأسمالي استعماري) أكثر من كونها دينا توحيديّا أو مجرد دين بالمعنى المألوف لكلمة دين.

من هنا تأتي أهمية الأرض، "أرض الميعاد"، بالنسبة للمشروع الصهيوني؛ ففي ضوء انعدام الأصل المشترك والقومية المشتركة والتاريخ المشترك وحتى المُعتقَد المشترك، فإنّ الطريقة الوحيدة لـ "اختراع" الشعب اليهودي، هي أنّ يكون "شعبا عضويّا"، أي أنّ وحدته وقوميته (وهويّته) مستمدّة من ارتباطه العضوي الفيزيقي برقعة جغرافية معيّنة من الأرض (على غرار مفهوم الأمّة فيما يسمّى الدولة القومية أو الويستفالية الحديثة).

هنا تبرز مرّة أخرى مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، ويبرز معها كل هذا الكره والحقد الأعمى والأسود الذي يكنّه الكيان الصهيوني للفلسطينيين وكلّ ما هو فلسطيني (وبالمثل كرهه لما يسمّى يهود الديسابورا أو الشتات).

فوجود شعب فلسطيني، ووجود شعب فلسطيني ممتدّ عبر التاريخ في المكان الجغرافي، ووجود شعب فلسطيني ممتدّ عبر التاريخ في المكان الجغرافي وله هويته الحضارية وتراثه الثقافي الراسخ والعريق والثري والمتنوّع، ووجود شعب فلسطيني صامد ومقاوم ومتمسك بالمكان وبهويته وبامتداده وتواصله الحضاري والثقافي.. كل هذا ينسف مقولة "أرض بلا شعب"، وينسف "الأساس الأسطوري" الذي تقوم عليه سرديّة "الشعب اليهودي" و"الشعب المُختار"!

من هنا تأتي استحالة "التصالح" و"التعايش" بين "المشروع الصهيوني" وبين "الفلسطينيين"، ومن هنا تأتي "حتمية" إلغاء وإبادة ومحو كل الفلسطينيين وكلّ ما هو فلسطيني وفق العقيدة الصهيونية والمشروع الصهيوني.

وطبعا كلمة "فلسطيني" هنا لا تقتصر على الفلسطينيين الذين يعيشون في ذلك الحيّز الجغرافي على الخريطة الذي اعتدنا أن نسميه فلسطين أو فلسطين التاريخية.

فأرض الميعاد، أساس الوحدة العضوية للشعب اليهودي، تمتد وفق الأساطير الصهيونية من النيل إلى الفرات.. بمعنى، كلّ مَن يعيش على هذه الجغرافيا هو "فلسطيني"، وكلّ مَن يعيش على هذه الجغرافيا تجب إبادته من أجل "شعب الله المختار"، وكلّ إرث على هذه الجغرافيا يجب محوه وطمسه (أو تحريفه وانتحاله وسرقته) من أجل إقامة "الهيكل".

في الخلاصة، الصراع بين المشروع الصهيوني وبين الفلسطينيين بمفهومهم الأوسع (فلسطين والأردن ومصر ولبنان وسوريا والعراق) هو صراع "وجود"، والعلاقة بين المشروع الصهيوني وبين جميع هؤلاء وفق العقيدة الصهيونية التي يمثّلها حاليا "نتنياهو" وعصابة حربه ويمينه المتطرّف هي علاقة إلغاء: إمّا نحن وإمّا هم!

حسنا، أين بقية العرب، وأهل الجزيرة العربية تحديدا، من كلّ هذا؟

أهل الجزيرة العربية بالنسبة للعقلية الصهيونية هم مجرد "غوييم" أو "أغيار"، مخلوقات أخرى من مخلوقات الطبيعة أوجدها الربّ لتكون مسخّرة من أجل خدمة شعب الله المختار، ورفاهه، وفردوسه الأرضي الموعود/ صهيون.

بمعنى، إذا كان "الصراع الوجودي" بين الصهاينة والفلسطينيين بمفهومهم الواسع يفترض ضمنا نوعا من "النديّة" و"التكافؤ" و"التناظر" بين طرفي الصراع، فإنّ بقية الشعوب خارج حلقة هذا الصراع هم مجرد زوائد وفوائض و"كومبارس" و"مادة استعمالية"، ولا يرتقون أساسا لأن يكونوا موضع نديّة ومقارنة مع شعب الله المختار.

بكلمات أخرى، إذا كانت العقلية الصهيونية تنظر إلى الفلسطينيين باعتبارهم "حيوانات بشريّة"، فإنّها تنظر إلى بقية "الأغيار" بما في ذلك الأوروبي والأمريكي وسائر شعوب الأرض باعتبارهم "حيوانات فقط" يتم تسخيرها واستخدامها: هذه نطلقها على أعدائنا لتنهشهم، هذه للحراسة، هذه للركوب عليها، هذه لنحلب لبنها ونجزّ صوفها، هذه للزينة، هذه لننحرها كقرابين.. وهكذا!

أمّا "الإبراهيميّة"، فهي بالنسبة للعقيدة الصهيونية الحالية محض نكتة، بكون هذه العقيدة لا تستقي أساسا لا من التوراة، ولا من إبراهيم، ولا من موسى، ولا من تعاليم سائر أنبياء بني إسرائيل.

وبالنسبة لفكرة "أبناء العمومة"، فهي أيضا بالنسبة للعقيدة الصهيونية نكتة أسمج من سابقتها، بكون قوميّة اليهود الصهاينة نابعة من ارتباطهم العضوي بأرض الميعاد وليس من صلة الدم وانحدارهم من أصل وجدّ مشترك!

وإذا كان المنطق والتفكير والمخيال القُطْري والقَبَلي والطائفي قد أسقط عند غالبية الأنظمة والقوى العربية فكرة "الأمّة الواحدة" و"الشعب الواحد" و"المصير الواحد"، فإنّ المشروع الصهيوني هو خطر وجودي يتهدد كل نظام عربيّ بنظامه، وكلّ قُطر بقطره، وكلّ قبيلة بقبيلتها، وكلّ طائفة بطائفتها.

وجوار "شعب الله المختار" لا يوجد هناك متسع لـ "فرقة ناجية"، نظاما كانت أو دولة أو قبيلة أو طائفة أو حتى حفنة من الوكلاء والأتباع!
 
تابعو الأردن 24 على google news