"الهدنة".. وإعادة التأكيد على الثوابت!
كمال ميرزا
جو 24 :
يقول المثل الشعبي: "لا تقول فول تا يصير بالعدول"، والتجارب السابقة علّمتنا أنّ الكيان الصهيوني ليس له أمان أو عهد، والاتفاقيات والمواثيق لا تعني له شيئا أكثر من الحبر الذي كُتبت به، وهي مُلزِمة فقط باتجاه واحد، باتجاه الخصم، وليس بالاتجاهين!
وليس مستغربا أن يفتعل الكيان أي ذريعة في اللحظة الأخيرة كي "يفركش" اتفاق "الهدنة" الذي تمّ التوصّل إليه، أملا بأنّ يصب ذلك في خانة الحرب النفسية والدعائية التي يديرها، أو يظنّ نفسه يديرها، أو من قبيل المماطلة وشراء المزيد من الوقت.
وحتى لو دخل اتفاق الهدنة حيّز التنفيذ، فلا ضمانات لأن يلتزم الكيان بمقتضيات وحيثيات هذا الاتفاق، أو أن لا ينقلب عليه مثلا فور الإفراج عن الدفعة المتّفق عليها من أسراه لدى المقاومة.
ولكن لو التزم الكيان الصهيوني هذه المرّة، ولم يُقدم على أي فعل من أجل إفشال اتفاق الهدنة، أو تعطيله، أو التحايل عليه، فإنّ ذلك لا ينبغي أن ينسينا عددا من الثوابت المنقوعة بالدم، والمستقاة من كلّ القتل والدمار والإبادة التي شهدناها وشهدها العالم معنا على مدى الـ (47) يوما الماضية:
1) اتفاق الهدنة لا يعني توقّف الحرب.
2) الحرب التي يشنّها الكيان الصهيوني ما تزال حرب "إبادة" و"تهجير"، وذلك كجزء من مخططه المُسبَق والمُبيّت لتصفية القضية الفلسطينية وإلغاء حق الشعب الفلسطيني بالوجود.
3) المخطط الصهيوني، وحرب الإبادة والتهجير المنبثقة عنه بكل وحشيتها وجرائمها.. تتم بموافقة ودعم وتأييد وضوء أخضر مطلق من أميركا والغرب وسائر حلفائهم ووكلائهم الإقليميين.
4) الآخر الغزّاوي والفلسطيني والعربي، مقاتلا كان أو غير مقاتل، ما يزال في نظر الكيان الصهيوني "حيوانات بشرية" يجب القضاء عليها.
5) توقّف الكيان الصهيوني المؤقّت عن جرائمه أو التخفيف من وتيرتها ليس إقرارا من هذا الكيان بجرميّة أفعاله، أو نزولا عند الشرعية الدولية، أو رضوخا للرأي العام الداخلي والعالمي.. بل هو إجراء عملي تكتيكي برجماتي تمليه عليه الحيثيات والوقائع ومجريات القتال في "الميدان".
6) الكيان الصهيوني لا يفهم غير لغة القوّة والأمر الواقع.
7) الهدنة لا تعني بأي حال من الأحوال توقّف الكيان عن عملياته، ومحاولته تعزيز مواقعه واستحكاماته الحالية، واستنفاده كافة الوسائل المتاحة تكنولوجيا واستخباراتيا وتجسسيا، واستعانته بما تيسّر من خونة ومخبرين وعملاء و"أصدقاء" من أجل تحقيق أي خرق ممكن لجسد المقاومة وجبهتها المتماسكة.
8) بهدنة أو غير هدنة، واقع الحال على الأرض يشي أنّ المرحلة الحالية من مخطط الإبادة والتهجير ما تزال تجري على قدم وساق، وهي تدمير شمال غزّة، وجعله مكانا غير صالح للعيش، وإجبار أهله على النزوح جنوبا.
9) بهدنة أو غير هدنة، ما تزال مصلحة الكيان الصهيوني توسيع رقعة الحرب وتوريط حلفائه في القتال المباشر.
10) حتى لو خسر الكيان هذه الجولة من الصراع، وعاد الوضع في غزّة إلى ما كان عليه قبل 7 أكتوبر (وهو لن يعود)، فإنّ هذا لا يعني تخلّيه عن مخططاته ونواياه المضمرة بالإبادة والقتل والتصفية والإلغاء وتوسيع رقعة حدوده ونفوذه والتحكّم بثروات وخيرات المنطقة ونهبها.. ولو بعد حين.
المقاومة هي أكثر مَن خَبِر العدو، وتعرّف مخططاته ومنطقه وطريقة تفكيره الشيطانية ونفسيته السوداوية، وهي تتعامل معه طوال هذه السنوات وتعدّ عدّتها على هذا الأساس.. ولكنّنا نحن مَن بحاجة لأن نذكّر أنفسنا مرارا وتكرارا بهذه "الثوابت" كي لا يخدعنا طول الأمل، وكي لا نبدد الصحوة التي أحدثها "طوفان الأقصى" وصمود أهالي غزة وبطولات المقاومة على مستوى الوعي والتفكير والمعنويات.