jo24_banner
jo24_banner

في يوم الإضراب: الناس بإيش والحكومة بإيش؟!

كمال ميرزا
جو 24 :


بعد (66) يوما من حرب الإبادة والتهجير التي يتعرّض لها أشقّاؤنا في قطاع غزّة وعموم فلسطين، تدهشك العقلية الحكومية الأردنية في تعاملها مع نبض الشارع الأردني!

هذه العقلية تتجلّى من خلال تعليقات الناطق الرسمي باسم الحكومة على الدعوة للإضراب العام يوم الاثنين، وذلك استجابةً للدعوة العالمية التي تم إطلاقها بهذا الخصوص بين مختلف أمم وشعوب الأرض للضغط من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار في غزّة.

أولا تصريحات الناطق باسم الحكومة تضمنت ذلك النَفَس المعتاد من الرفض والتشنّج إزاء كلّ ما يصدر عن الناس وعن الشارع، ومحاولة انتقاده أو تفنيده أو التشكيك به أو شيطنته أو التهوين منه أو تسخيفه، وهو النَفَس الذي ترسّخ للأسف في علاقة الدولة الأردنية مع مكوناتها خلال العشرين سنة الماضية، وكأنّ الشعب هو "عدو" من نوع ما ينبغي الحذر والتوجّس منه واحتوائه و"شكمه"، أو كأنّ الناس جموع من القُصّر أو الدهماء الذين لا يعرفون مصلحتهم ومصلحة وطنهم وأمّتهم!

ثانيا كلام الناطق باسم الحكومة لم يخلّ كالعادة من مزاودة على الناس، وهي حالة غريبة نجدها غالبا في الدول العربية حيث الحكومات والأنظمة هي التي تزاود على الشعوب وليس العكس!

عندما تقوم الحكومة بسحب سفيرها لدى الكيان الصهيوني، أو عندما تمتنع عن توقيع اتفاقية ما مع الكيان، فإنّ هذا ليس فضلا تزجيه للشعب وتمنّ به عليه، بل إنّ هذا هو عين واجبها وجزء من المسؤولية الملقاة على عاتقها.

وهذا يسري على كلّ شيء، على الغذاء، وعلى الدواء، وعلى التعليم، وعلى الصحة، وعلى النقل، وعلى السكن، وعلى العمل، وعلى جميع مناحي وشؤون الحياة.. وليس فقط على الظرف الاستثنائي الذي نمرّ به جميعا حاليا بفعل الحرب على غزّة وفلسطين.

الحكومة باتت تتعامل مع كلّ شيّ تقوم به وتقدّمه للناس كمكرمة ، وتتوقع من الناس في المقابل أن يكبّروا ويهلّلوا لكل ما تقوم به وتقدّمه!

وبالنسبة لسحب السفير والامتناع عن التوقيع فهما خطوتان مهمّتان هلّل لهما الناس وكبّروا في حينه، ولكن هل يريد الناطق باسم الحكومة من خلال إصراره على اجترار هاتين المأثرتين تذكير الناس أنّهما ما عادتا كافيتين في ضوء التصعيد الصهيوني الوحشي الأخير؟!

الأردن الرسمي سحب سفيره نعم، ولكنه لم يعلن للآن قطع علاقاته الدبلوماسية نهائيا مع الكيان الصهيوني كردّ فعل على تصاعد وتيرة الجرائم والقتل.

والأردن للرسمي امتنع عن التوقيع على اتفاقية ما تزال في أطوارها الأولى ولم تصل بعد مراحلها وصيغتها النهائية، ولكنه للآن لم يلغِ أو يجمّد أيّا من الاتفاقيات المعمول بها وسارية المفعول مع الكيان الصهيوني.


والأردن الرسمي على الرغم من وصفه الأدبي الحالم للمقاومة ولـ "حماس" بأنّها "فكرة" والفكرة لا تموت، إلا أنّه للآن لم يعلن رسميا اعترافه الصريح بحماس وبكافة فصائل المقاومة الفلسطينية كـ "حركات تحرر وطني مشروعة"، ولم يعلن صراحة أنّ ما قامت به المقاومة يوم (7) أكتوبر هو جزء من حقّ الفلسطينيين المشروع بالدفاع عن النفس وتقرير المصير.

والأردن الرسمي لم يعلن للآن وقف جميع أشكال التبادل التجاري وحركة الاستيراد والتصدير بينه وبين الكيان، خاصة تصدير المنتجات الغذائية والزراعية التي تسهم في سدّ حاجة الكيان الصهيوني مقابل حرب التجويع والتعطيش التي يشنها الكيان على أهالي غزّة.

والأردن الرسمي لم يعلن للآن موقفا صريحا إزاء المطالبات الشعبية الأردنية بخصوص إلغاء اتفاقية التعاون العسكري المشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تبيح لها استخدام القواعد الأردنية، أو إعادة العمل بخدمة العلم، أو إعادة تدريس مادة "القضية الفلسطينية" في المدارس والجامعات، أو تسليح الشعب كردّ فعل على قيام الكيان الصهيوني بتسليح قطعان مستوطنيه.

محاولة الناطق الرسمي باسم الحكومة الغمز في قناة الإضراب في هذه المرحلة هي كالذي "بفطّن على حالو"!


أمّا بالنسبة للاقتصاد الوطني الذي لم تخلُ تصريحات الناطق الرسمي من تباكٍ مضمر عليه، فليس الإضراب وليس الناس هم من أضعفوا ويضعفون هذا الاقتصاد؛ فالاقتصاد الوطني يدفع ثمن عملية التفكيك الممنهج الذي تعرّض لها على يد الحكومات المتعاقبة من خلال تزاوج رأس المال والسلطة، وخصخصة وبيع الموارد والمقدرات الوطنية، ورهن اقتصادنا للمساعدات والمنح الخارجية ووصاية المؤسسات المالية العالمية، وتكريسه كاقتصاد استهلاكي تتحكم به فئة محدودة من أصحاب البنوك والاحتكارات ووكلاء الماركات والشركات العالمية.

وهذه "الفئة الطفيلية" التي تحتكر الاقتصاد وتجيّره لمصلحتها هي نفسها التي تحاول حاليا ربط اقتصاد الأردنيين ومعيشتهم اليومية بالكيان الصهيوني المحتل، ويسيل لعابها على مشاريع "السلام الاقتصادي" الموعود، وتسعى لأن يكون لها حصتها ونصيبها و"لحسة أصابعها" من هذه المشاريع ولو على حساب دماء الفلسطينيين وتهجيرهم وتصفية قضيتهم!

بالعودة إلى الإضراب، كان متوقعا كما تقتضي الحنكة والحصافة السياسية أن تدعم الحكومة الإضراب العام ولو ضمنيا، وتستغله كورقة إضافية تدعّم موقفها التفاوضي في إطار الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي تبذلها إزاء الأصدقاء والخصوم على حدّ سواء. أو كأضعف الإيمان أن تصمت، وتدع يوم الإضراب يمرّ بسلام، بدلا من تصريحات الناطق الرسمي الذي خانته حنكته وحصافته في اختيار المقام المناسب لمقاله!

بالنسبة لاقتراح الناطق الرسمي أن يتبرع الأردنيون بيوم عمل من أجل غزّة عوضا عن الإضراب، فهذا اقتراح وجيه ومحمود، فليأخذ هو والحكومة المبادرة، وليعلن هو وكامل الفريق الحكومي تبرعهم براتب شهر بكامل بكافة بَدَلاته وعلاواته ومكافآته ومياوماته من أجل غزّة، حتى يكونوا قدوة، ولكي يتشجّع جميع الناس ويحذو حذوهم!
 
تابعو الأردن 24 على google news