jo24_banner
jo24_banner

"نتنياهو" وتوريط أصدقائه العرب!

كمال ميرزا
جو 24 :
 
 
شهدت الأيام الثلاثة الماضية تدفّقا في تصريحات كلب الصهيونية المسعور "نتنياهو" بصورة تشبه تدفّق إسهال جنوده "المزنطرين" في غزّة!

غزارة التصريحات، ونَفَسها المُكابر، يعكسان حجم الورطة التي يشعر بها "نتنياهو" وعصابة حربه ويمينه المتطرّف.

أخطر هذه التصريحات هي تلك التي تتعلق برؤية "نتنياهو" لمرحلة "ما بعد الحرب"، والتي قال فيها إنّ قطاع غزّة سيكون تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، وإنّ المملكة العربية السعودية والإمارات ستتوليان تمويل إعادة إعمار غزّة، وإنّ إسرائيل ستعيد السيطرة على محور فيلادلفيا/ صلاح الدين، أي الخط الحدودي بين مصر والقطاع.

بعيدا عن نبرة العنجهية في كلامه، وحديثه عن مرحلة "ما بعد الحرب" وكأنّ القضاء على حماس والمقاومة هي مسألة محسومة وتحصيل حاصل.. فإنّ مكمن الخطورة في تصريحات "نتنياهو" هو الاتهامات المباشرة التي يتضمنها كلامه للدول العربية الثلاث المذكورة!

عندما يقول "نتنياهو" إنّ السعودية والإمارات ستتوليان تمويل إعادة الإعمار، فإنّ فحوى كلامه توحي أنّ ما يجري في غزة من قتل ودمار وإبادة هو يجري بعلم وتنسيق مسبق مع السعودية والإمارات، وأنّ السعودية والإمارات شريكتان في "المجهود الحربي" ضد الفلسطينيين من خلال تعهدهما بإعادة بناء كلّ ما تدمّره ماكينة الحرب الصهيونية!

إيحاءات "نتنياهو" هذه تضفي وجاهة ومصداقية على التقارير والتحليلات التي تم تداولها على نطاق واسع منذ إعلان حرب الإبادة والتهجير على غزّة، والتي تجادل أنّ هذه الحرب وإعادة احتلال القطاع هي جزء من ترتيبات تهيئة الأرض بالمعنى الحرفي والمجازي للكلمة من أجل مشاريع السلام الاقتصادي العملاقة التي يزمع الكيان الصهيوني تنفيذها بالتعاون مع "أبناء العمومة" الخليجيين فور اكتمال حلقة "التطبيع"!

أمّا بالنسبة لإعلان "نتنياهو" نية الكيان إعادة احتلال الحدود بين القطاع ومصر ففيه إتهام صريح لمصر أنّها لا "تحرس" الحدود جيدا، أو أنّها "تتراخى" في القيام بذلك، أو أنّها بـ "المشرمحي" تقوم بدعم المقاومة وتسمح بدخول الأسلحة والعتاد والمسلتزمات عبر الأنفاق إلى داخل القطاع.

وبغض النظر عن مدى صحة أو عدم صحة إدّعاءات "نتنياهو" وإيحاءاته، الفكرة هنا لماذا يدلي "نتنياهو" أساسا بمثل هذه التصريحات؟

أليست الإمارات ومصر بمثابة دولتين صديقتين ترتقيان إلى مصاف "الحليف" في المنطقة بالنسبة لإسرائيل؟

وألا تطمح "إسرائيل" أن تصل علاقتها مع السعودية لمثل ما وصلت إليه مع الإمارات ومصر وسائر ما تسمّى دول "الاعتدال العربي"؟

لماذا إذن تصدر عن "إسرائيل" مثل هذه التصريحات؟!

إذا كان ما يقوله "نتنياهو" صحيحا فلماذا يريد فضح "حلفائه" العرب؟! وإذا كان ما يقوله كذبا فلماذا يريد توريط وإحراج "أصدقائه" العرب؟!

بل إنّ "نتنياهو" لم يتردد في توجيه سهامه إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، معلنا استعداده إعلان الحرب عليها وفق ما يسميه سياسة "قلب الأوكار"، وذلك بعد كل الخدمات الجليلة التي قدّمتها السلطة على مدار ثلاثة عقود من أجل حفظ "أمن إسرائيل" تحت مسمّى "التنسيق الأمني"!

وهنا لا يجد المرء ما يقوله للسلطة الوطنية الفلسطينية سوى: "على نفسها جنت براقش"، أو كما يُقال باللهجة المصرية: "آخرة خدمة الغُزّ علقة"!

مثل هذه التصريحات فرصة للدول العربية أن تتريّث مليّا، وتراجع حساباتها، وتعيد تقييم إلى أي مدى يصلح الكيان الصهيوني "صديقا" و"حليفا" يمكن الدخول معه في علاقات "طبيعية"، والتعويل على مثل هذه العلاقات في بناء "مستقبل" شعوب المنطقة وتحديد مصيرها؟

قد يجادل البعض أنّ هذه التصريحات تمثّل "نتنياهو" المأزوم وحده ولا تمثّل تفكير جميع "الإسرائيليين"، ولكن مجريات الـ (67) يوما الماضية أثبتت عكس ذلك، فالقتل والدمار والعنصرية والتعامل مع الآخرين كأغيار و"حيوانات بشرية" هي في صلب فكرة "الوطن القومي" وفكرة "أرض الميعاد" وفكرة "شعب الله المختار"!

وأولا وأخيرا "نتنياهو" وعصابة حربه وحكومته الإئتلافية ويمينه المتطرّف لم يهبطوا من المريخ، بل إنّ الناخبين الإسرائيليين هم الذين انتخبوهم. والسرّ في عدم قدرة معارضي "نتنياهو" على إزاحته لغاية الآن رغم فساده، ورغم إخفاقاته، ورغم الورطة التي جرّ الكيان وداعميه الغربيين إليها في غزّة، ورغم خسارته الرأي العالمي بعد أن كانت "إسرائيل" طفله المدلل.. السرّ وراء ذلك كلّه هو أنّ "نتنياهو" ما يزال فعليّا يمتلك أصوات و"شرعية" غالبية الناخبين الإسرائيليين وداعميه الغربيين!

يُسجّل للأردن من بين بقية ما تسمّى دول "الاعتدال العربي"، أنّه قد استشعر مبكرا حالة السعار وانكشاف الوجه التي تعتري قادة الكيان الصهيوني، وغياب الشريك الذي يمكن التعويل عليه لدى الطرف الآخر حتى إشعار آخر، لذا لم يتردد الأردن في تصعيد لهجته وخطابه، ورسم خطوطه الحمراء، والتلويح بإعادة وضع جميع المعاهدات والاتفاقيات والتفاهمات الموقّعة مع الكيان الصهيوني على الطاولة.

مرّة أخرى، هذه فرصة لبقية الدول العربية اللاهثة باتجاه إسرائيل للتريّث، والتفكير مليّا، وإعادة حساباتها مائة مرّة قبل المضي قدما في التورّط ببناء علاقات إستراتيجية طويلة الأمد مع الكيان الصهيوني، خاصة الدول التي ما تزال على برّ الأمان نوعا ما، ولم يصل بلل السلام والتطبيع والاعتماد المتبادل حتى ذقنها بعد!
تابعو الأردن 24 على google news