jo24_banner
jo24_banner

التعويل على امريكا وتبدّل مواقفها رهان خاسر ..

كمال ميرزا
جو 24 :


لعبة تنس الطاولة، أو (البنغ بونغ)، بين الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ورئيس وزراء الكيان الصهيوني "بينيامين نتنياهو" هي فصل جديد من فصول شراء الوقت بدماء الفلسطينيين!

منذ أسبوع و(الترند) الجديد في وسائل الإعلام هو تصريحات "بايدن" الأخيرة إزاء "نتنياهو" وحكومة اليمين المتطرّف التي يقودها، وردود "نتنياهو" على هذه التصريحات، ودلالات ذلك كلّه.

ولكن على أرض الواقع، وبينما وسائل الإعلام غارقة في التحليلات والتخمينات، ومعالم التبدّل المزعوم في الموقف الأمريكي، وأبعاد ذلك وتبعاته ونتائجه.. ما تزال حرب الإبادة والتهجير ضد أهالي غزّة مستمرة، وما تزال جرائم الحرب والتطهير العرقي والقصف والدمار والقضاء على كلّ مقومات العيش والاستمرار تجري على قدم وساق، وما يزال "الضوء الأخضر" الأمريكي ساريا، والغطاء السياسي والإعلامي قائما، والدعم العسكري واللوجستي مفتوحا بلا قيود!

ويعزز من لعبة تقاسم الأدوار بين "بايدن" و"نتنياهو" كلّ التصريحات والتقارير والأحاديث السمجة التي تدور حول وضع "جدول زمني للحرب"، والانتقال من مرحلة "الهجوم العنيف" إلى مرحلة "العمليات والغارات المستهدفة"، والتصوّرات المطروحة لترتيبات ما يسمّى "اليوم التالي للحرب"!

مثل هذه التصريحات تصبّ في خانة المزيد من "المماطلة" و"التسويف"، وجزء من الحرب النفسية من خلال تعلّق آمال الناس بتواريخ ومواعيد وهمية لانتهاء المعاناة.

والأهم، أنّ مثل هذه التصريحات تنطلق من افتراض ضمني قوامه أنّ حرب الإبادة والتهجير التي يشنها الكيان الصهيوني هي حرب مشروعة، وكلّ الدمار والقتل والجرائم التي يقترفها الكيان هي أمور مبررة وضرورية، وأنّ القضاء على المقاومة هو أمر محسوم و"تحصيل حاصل" .. وإذا كان هناك مشاكل معينة تعتري هذه الحرب فهي مشاكل تتعلّق بـ "التفاصيل الإجرائية" وليس في مبدأ الحرب نفسه!

يصبّ في نفس الخانة ذلك التقرير المتداول أنّ سبب ارتفاع مستوى الدمار والضحايا المدنيين هو أنّ أكثر من نصف القنابل المستخدمة في قصف غزة هي قنابل "غبية" وغير دقيقة، وكأنّ هذه القنابل قد أطلقت نفسها بنفسها، وذلك لنفي المسؤولية والتنصّل منها، ولتكريس فكرة أنّ كل القتل والدمار وجرائم الحرب المقترفة هي مسأئل "تقنية" و"فنية" و"أداتية" تُقيّم على هذا الأساس بعيدا عن أي قيم أخلاقية وإنسانية وقانونية مجرّدة، وأنّ المشكلة ليست في المنطلق اللاأخلاقي واللاإنساني والعنصري والدموي لهذه الحرب برمّتها!

هل يعني هذا أنّه لا يوجد هناك تبدّل في الموقف الأمريكي إطلاقا؟

لا، هناك تبدّل سببه الواقع على الأرض أو "في الميدان"، ولكنه تبدّل تكتيكيّ وليس إستراتيجيا.

إستراتيجيا ما تزال الغاية النهائية لأميركا الاحتفاظ بنفوذها والاستمرار بإحكام سيطرتها على المنطقة، والتحكّم بمقدّراتها وثرواتها وتجييرها لصالحها، خاصة في ضوء "المنافسة" الإقليمية والدولية المتنامية.

وما تزال "إسرائيل" بمثابة الواجهة و"رأس الحربة" للمصالح الأمريكية في المنطقة.

وينبثق عن هاتين الغايتين غايتان فرعيتان هما:

- التخلّص من "نتنياهو" ويمينه المتطرّف باعتبارهما الممانع الوحيد ضمن القوى الفاعلة على الأرض لـ "حل الدولتين"؛ الأساس الذي تعوّل عليه الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة ترتيب المنطقة (بما في ذلك الدور الوظيفي لإسرائيل) وفق صيغة تحفظ مصالح أميركا وهيمنتها في المرحلة القادمة.

- التخلّص من "المقاومة" كأمر واقع لا مفرّ من التعامل معه، و"شريك" لا بدّ من "حسب حسابه" و"إرضائه" من أجل تمرير أي تسويات وترتيبات قادمة.

طبعا، لقد راهنت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على ورقة القضاء على المقاومة خلال الـ (70) يوما الماضية ولكن هذا الرهان لم ينجح، ولا توجد مؤشرات على إمكانية نجاحه في حال الاستمرار على نفس المنوال.

لذا فإنّ البديل هو البحث عن خطة (ب)، ولكن لحين اتضاح معالم هذه الخطة البديلة، فإن استمرار "حرب الاستنزاف" بين الكيان الصهيوني (وجبهته الداخلية) والمقاومة (وحاضنتها الشعبية) يُسهم في إضعاف "الموقف التفاوضي" للطرفين عند طرح التصوّرات أو الخطط الجديدة على الطاولة في المستقبل القريب.

وبالتالي، ما يتبدّى باعتباره تبدّلا في الموقف الأمريكي، هو في حقيقة الأمر استمرار لنفس النهج الأمريكي والعقلية الأمريكية، وفي هذه الأثناء ينبغي علينا ألاّ ننسى أنّ "بايدن" وإدارته صهيونيون باعترافهم هم وتفاخرهم هم شأنّهم في ذلك شأن "نتنياهو" وعصابة حربه، وأنّ "بايدن" وإدارته هم شركاء في جميع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها ويقترفها الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين.

ويبدو أنّ القوى والمؤسسات التي تحكم الدولة الأمريكية وتتحكّم بها تدرك ذلك، لذا تمّ تحريك التحقيقات البرلمانية تمهيدا لعزل "بايدن" من أجل حفظ "خط الرجعة" في حال استدعت الترتيبات والتسويات القادمة التخلّص منه هو الآخر!

ما يعنينا نحن كعرب ومسلمين من كلّ هذا أنّ التعويل على أميركا وتبدّل مواقفها هو رهان خاسر كما علّمتنا عشرات التجارب السابقة، وأنّ من مصلحة العرب والمسلمين التعويل على أنفسهم، ومن جملة ذلك دعم المقاومة وصمودها، كواجب ديني وقومي وأخلاقي أولا، وحفاظا على الحق الفلسطيني والقضية الفلسطينية ثانيا، وتعزيزا للأمن القومي والوجودي لجميع دول المنطقة و"موقفها التفاوضي" ومصالحها العليا ثالثا!


 
تابعو الأردن 24 على google news