مليونيّة المسجد الأقصى
كمال ميرزا
جو 24 :
الأهل المرابطون في فلسطين يحشدون لـ "مليونيّة" يوم الجمعة يشارك فيها جميع أبناء الضفة الغربية والداخل المحتل للزحف إلى المسجد الأقصى، وإقامة الصلاة فيه، كسرا للحصار المفروض عليه منذ إنطلاق حرب الإبادة والتهجير الصهيونية.
باعتبارهم "شِق التوم" لإخوانهم الفلسطينيين، وشركاءهم في الحشد والرباط، والأوصياء على المسجد الأقصى والقدس ومقدّساتها.. حبذا لو أسند الأردنيون إخوانهم الفلسطينيين بمليونيّة أردنية موازية.
طبعا في الأردن لا داعي لأن تتوجه جموع المصلّين إلى العاصمة عمّان أو إلى أي بقعة حصرية أخرى كما كنّا نشاهد في محاولات وتجارب سابقة.
مثل هذه الدعوات كانت تتسبب بمشاكل وإرباكات تُخرج التحرّك عن غايته ومضمونه، وتخلق صعوبات تُسهم في فشله من تلقاء نفسه، أو تسهّل إفشاله واختراقه وشيطنته!
الفكرة هنا أن يعبّر الأردنيون عن وقوفهم صفّا واحدا مع إخوانهم الفلسطينيين والمسجد الأقصى، وأن يوصلوا رسالة قويّة وواضحة بهذا الخصوص، ويستطيع كلّ أردني أن يفعل ذلك من موقعه دون الحاجة إلى خلق إرباكات وإشكالات ومعارك جانبية.
يمكن أن يتم تنظيم مثل هذه المليونيّة على أساس المحافظة الواحدة، أو اللواء الواحد، أو البلدة الواحدة.. بحيث يتوجّه أبناء كلّ محافظة أو مدينة أو بلدة لأداء صلاتهم والتعبير عن موقفهم وتضامنهم في المسجد أو المكان المحدّد سلفا ضمن منطقتهم الجغرافية.
وحبذا لو تمّ ذلك بالتنسيق المباشر مع السلطات؛ فالسلطات في كثير من الأحيان لا تعارض ولا تمانع مثل هذه الحِراكات، بمقدار ما يزعجها العبء الأمني والتعبوي واللوجستي الذي تتسبب به بفعل إصرار القائمين عليها على تنفيذها بهذه الطريقة وليس بأيّ طريقة أخرى.
يمكن الاستفادة من تجربة "صلاة العيد" مثلا، وتحديد مصلّيات بعينها يستطيع أبناء كلّ منطقة التوجّه إليها لأداء صلاتهم والتعبير عن تضامنهم ونصرتهم لأقصاهم.
وفي أحيان كثيرة يكون "الشيطان في التفاصيل" كما يقولون، وليس في مبدأ أو فكرة الحِراك الأساسية.
وهنا يستطيع المنظّمون في كل منطقة توجيه الناس سلفا لتلافي أي صعوبات أو إشكالات أو منغّصات محتملة كلّ منطقة حسب مقتضى الحال.
فعلى سبيل المثال يُفضّل حثّ الناس على القدوم سيرا على الأقدام أو باستخدام المواصلات العامّة، بدلا من القدوم بسياراتهم، وهذه ميزة إضافية تسجّل لفكرة أن يقوم أبناء كلّ منطقة بالتعبير عن تضامنهم قريبا من منطقتهم.
كما يُفضّل، بل ينبغي، تحديد إطار زمني محدد، بعد صلاة الجمعة حتى ساعة كذا، والالتزام بذلك، بدلا من ترك الوقت عائما ومفتوحا.
ويمكن أيضا اقتراح طرق ومسارات بعينها للراغبين بالقدوم إلى المنطقة والمكان، وطرق ومسارات مقترحة للمغادرة، أيضا استلهاما من صلاة العيد، حيث يُسنّ أن يعود المصلّي من طريق غير التي أتى منها، أو استلهاما من الحج حيث لا يعود الحاج من نفس المسار الذي أتى منه.
وإذا كان الشارع الذي تمرّ فيه التظاهرة باتجاهين، إشغال (سايد) واحد فقط وترك الثاني مفتوحا لحركة السير من أجل الحالات الطارئة (سيارة إسعاف تحتاج للمرور على سبيل المثال).
وإذا كان الشارع بإتجاه واحد أو ضيقا، الالتزام بالسير في المنتصف وترك جانبي الطريق والأرصفة مفتوحة.
وفي أحيان كثيرة لا يُشترط أن تأخذ التظاهرة شكل الحشد والتكتّل والتدافع، بل يمكن أن تأخذ مثلا شكل طابور أو سلسلة بشرية.
مرّة أخرى، جميع هذه التفاصيل والتدابير يمكن اتخاذها بالتعاون مع السلطات في كلّ منطقة، والتي سترحّب ولن تعارض بخلاف ما يتصوّر الكثيرون، بكون حفظ النظام وتلافي الفوضى هو الهاجس الأول لهذه السلطات.
فكرة "المليونيّة" لا تعني بالضرورة أن يحتشد مليون شخص في مكان واحد، على الأقل في هذه الحالة، بل تعني بالأساس أن يُسمَع صوت مليون شخص يعبّرون عن موقف واحد في وقت واحد وعلى قلبٍ واحد.
حتى تكتمل المقترحات أعلاه وأيّ اقتراحات أخرى مشابهة، لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار نقطتين مهمّتين:
الأولى، ضرورة ترفّع بعض التيارات والقوى والشخصيات والأفراد عن شهوة المنبر والأضواء، ومحاولة استعراض القوة، واحتكار الشارع وتجييره لأنفسهم، وما يؤدي إليه ذلك في كثير من الأحيان إلى مهاترات و"ولدنات" جانبية، و"تطفيش" الناس وثنيهم عن المشاركة والتفاعل في المستقبل.
الثانية، على أهمية المسجد الأقصى ورمزيته، عدم نسيان أنّ أولويّة الأولويات وأقدس المقدسات في هذه المرحلة هي وقف حرب الإبادة والتهجير الوحشية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضفة الغربية، وذلك امتثالا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلّم: "لأَن تُهدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من أن يُراق دم امرئ مسلم".
الأقصى بأهله، والقدس بناسها، وغزّة بـ "الغزّاويين"، وفلسطين بـ "الفلسطينيّة".. هذه هي القيمة الأسمى في الإسلام، ولكلّ من ادّعى انتسابا له وامتثالا لشرعه وأوامره!