اليوم المائة على الإبادة والتهجير: بماذا سنشهد؟
كمال ميرزا
جو 24 :
ها قد مرّت (100) يوم على حرب "الإبادة" و"التهجير" التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة.
هَب أنّ المَنيّة قد وافتنا الآن، هَب أنّنا نقف هذه اللحظة بين يدي الرحمن لنُسأل.. بماذا سنجيب وبماذا سنشهد؟!
هل سنشهد أنّ هناك (2.2) مليون فلسطيني في قطاع غزّة يُبادون ويُهجّرون بشكل مُمنهج منذ (100) يوم متواصلة، وقضيتهم تُصفّى للأبد من أجل نهب مقدّراتهم وثرواتهم وغازهم، وأيّ من الأنظمة العربية والإسلامية لم يحرّك ساكنا؟!
هل سنشهد أنّ الفلسطينيين يبادون ويهجّرون على يد ماكينة القتل والدمار الصهيونية الأميركية الغربية، والأنظمة العربية والإسلامية ليس لديها سوى "الجعجعة" و"البعبعة"، والشجب والاستنكار، والاختباء وراء دبلوماسية سمجة وجهود إغاثية مسرحية، وشراء الوقت بدماء الفلسطينيين إلى أن تبلغ "حرب الاستنزاف" غير المتكافئة مداها؟!
هل سنشهد أنّ هناك (56) دولة إسلامية منها (22) دولة عربية قد اجتمعت في قمّة مشتركة، وأصدرت بيانا مطوّلا من الإنشاء الممطوط والقرارات الجوفاء، ولم تتضمن هذه القرارات تحريك جندي واحد، أو حتى التلويح بذلك، أو الاعتراف صراحة بفصائل المقاومة باعتبارها حركات تحرّر وطني مشروعة؟!
هل سنشهد أنّ المقاومة الفلسطينية قد منحتْ الأنظمة والجيوش العربية والإسلامية في (7) أكتوبر فرصة تاريخية لا تتكرر لمباغتة الكيان الصهيوني، والانقضاض عليه، والتخلّص منه نهائيا وفرض أمر واقع جديد.. ولكنّهم ببساطة لا يريدون ذلك؟!
هل سنشهد أنّ أعلام الكيان الصهيوني ورعاته الأميركيين والغربيين ترفرف في العواصم العربية والإسلامية، وأنّ أيّا من الأنظمة التي ترتبط بمعاهدات مع الكيان الصهيوني لم تجرؤ على قطع العلاقات معه أو تجميدها، والذين لم يطبّعوا بعد يهرولون هرولة نحو التطبيع، والتبادل التجاري مستمر، والتنسيق الأمني على قدم وساق، ومشاريع "السلام الاقتصادي" المصمّمة ليستفيد منها حكّام تجّار ومسؤولون فاسدون ونخبة طفيلية هي قيد التنفيذ وكأنّ شيئا لم يكن؟!
هل سنشهد أنّ أخبار قصف مربعات سكنية برمّتها، وشطب أُسر بأكملها من السجلات المدنية، واستهداف المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء، وترك الأطفال الخدّج ليموتوا ويتحللوا على أسرّتهم، ودفن النازحين أحياء، ودهس الجثث والمصابين بجنازير الدبابات والآليات، والإعدامات الميدانية، واختطاف الجثامين، وسرقة الأعضاء البشرية، واغتيال الطواقم الطبية والصحفيين، واقتياد الأطفال والشيوخ والنساء لمعسكرات الاعتقال وتعريضهم لأبشع صنوف التعذيب والتنكيل، ونسف أحياء بأكملها قبل الخروج منها وتركها يبابا.. كلّ هذه الموبقات اليومية تمرّ مرور الكرام كأنباء عاجلة على شريط الأخبار دون أن ينتفض حاكم عربي أو إسلامي واحد نخوةً وحميّةً؟!
هل سنشهد أنّ هناك (56) جيشا لم يطلق أيّ منها رصاصة واحدة من أجل غزّة؟!
هل سنشهد أنّ اليمن، البلد العربي والإسلامي الوحيد الذي انتفض من أجل أشقّائه الفلسطينيين، يصرّ العرب والمسلمون على عدم اعتباره بلدا، ويسمّونه "الحوثيين"، ويمنحون ترابهم وأجواءهم ومياههم الإقليمية من أجل قصفه وتدميره ومحاسبته على نخوته وحميّته؟
هل سنشهد أنّ الأجهزة الأمنية العربية والإسلامية قادرة على حماية سفارات الكيان وحدوده ومصالحه، وقادرة على قمع المسيرات والاعتصامات والتنكيل بالمتظاهرين وتلفيق التهم للمعارضين، وقادرة على تجييش الكتّاب والصحفيين والإعلاميين والمثقفين والأكاديميين والمحلّلين المرتزقة، وقادرة على اختراع أعداء وهميين وافتعال معارك جانبية وابتزاز الناس في أمنهم وأمانهم وأقواتهم وانتمائهم وولائهم.. ولكنّها غير قادرة على حماية طفل فلسطيني واحد؟!
هل سنشهد أنّ هناك العشرات من "علماء السلطان"، وعشرات الآلاف من مجاهدي البترو/ سلفي/ دولار، الذين يهبّون لـ "الجهاد" في أربع أركان الأرض، ومحاربة الأنظمة "المارقة" والحكّام "الكفرة"، وجهادهم يصبّ دائما للغرابة في المصلحة الأميركية والصهيونية.. ولكن عندما يتعلّق الأمر بغزّة وفلسطين يختفون فجأة، ولا يُسمع لهم حسيسا ولا يبان لهم أثرا؟!
هل سنشهد أنّ رئيس الكيان الصهيوني ومسؤوليه يَحلّون أهلا ويطؤون سهلا في ديار العرب والمسلمين، وتقام لهم المراسم الرسمية، ويتسابق الزعماء الذين أُشربوا في قلوبهم إسرائيل وأميركا والغرب هاشّين باشّين لاستقبالهم بحفاوة والتقاط الصور معهم.. بينما الفلسطينيون يبادون وغزّة تُمسح عن وجه الأرض؟!
هل سنشهد أنّ الدماء في غزّة تراق بينما العرب والمسلمون يواصلون زمرهم وطبلهم ومواسم رقصهم وعريهم وتحضّرهم الكاذب على وقع نحيب الأطفال وبكاء الأرامل وذهول الآباء؟!
هل سنشهد أنّ أهالي غزّة يكابدون الجوع والعطش والمرض والبرد في العراء حيث لا مكان آمن، بينما الحُفاة العراة رِعاء الشاه يتطاولون في البنيان، ويهدرون ثروة الأمّة التي وهبهم إيّاها الله كي يرشوا العدو ليمنحهم "الأمان" و"الشرعية"، وكي يبنوا "فردوسا موهوما" وسط رمال الصحراء يستعيضون به عن جنّة السماء؟!
هل سنشهد أنّ هناك مَن يجادل عند الحديث عن "المقاطعة" باسم زجاجة مياه غازية، أو حبة همبرغر، أو قطعة شوكولا، أو كوب قهوة، أو عبوة شامبو، أو سائل جلي، أو مسحوق غسيل، أو مستحضر تجميل، أو فرصة عمل تمتص دماء الشباب والصبايا بسيف الحدّ الأدنى من الأجور.. بينما الناس يُبادون ويُقتّلون ويُشرّدون ويتضورون جوعا وعطشا ويتلوّون مرضا ويرتجفون بردا؟!
هل سنشهد أنّه باستثناء البكائيات واللّطميات، والإدراجات والتغريدات، ودعاء المستسلم للهزيمة وليس المستيقن بالنصر، و"الحوقلة" من قبيل إلقاء اللوم على الله، و"الحسبنة" دون التجرّؤ حتى على ذكر أسماء الأشخاص الذين نُحسبِن عليهم.. فإنّ "نمط العيش" على ذُلّه وشحّه قد أصبح بالنسبة للعرب والمسلمين أحبّ إليهم من غزّة وفلسطين، وأحبّ حتى من آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وأزواجهم وعشيرتهم المقرّبين!
هل سنشهد أنّ الناس بعد (100) يوم قد ألِفوا واعتادوا وملّوا، وأصبحوا ينزعون للتغافل والتناسي واختلاق الذرائع والمبررات، ويتمنّون في قرارة أنفسهم أن يستيقظوا في اليوم التالي فيجدوا كلّ شيء قد انتهى بغض النظر عن النتيجة حتى يعودوا إلى "روتين" حياتهم اليومية؟!
هل سنشهد أنّ أميركا والكيان الصهيوني والحكّام والأجهزة الأمنية قد حلّت في وجدان الناس محلّ الله؛ فهم يغضبون ويرضون، ويرفعون ويخفضون، ويرزقون ويمنعون، ويُحيون ويُميتون، ويدركون الأبصار ولا تدركهم الأبصار، وأمرهم كُن فيكون، ولا يُسألون عمّا يفعلون؟!
هل سنشهد أنّ أكبر إنجاز استطاعت الأنظمة العربية والإسلامية تحقيقه بحكّامها وعسسها أنّها جعلتْ الناس يخافون منها ويمقتونها أكثر من خوفهم ومقتهم للعدو نفسه؟!
هل سنشهد بكل هذا وأكثر، أم أنّا سنقف منكّسي الرؤوس أذلاء صامتين لا نجدُ ما نقوله باعتبار أنّنا كلّنا مدانون وملزمو الحُجّة أمام أنفسنا، وأمام التاريخ، وأمام ظفر أصغر طفلة موؤودة من أطفال غزّة!