الإبادة والتهجير أولا.. الإبادة والتهجير ثانيا!
كمال ميرزا
جو 24 :
من الأساليب الدعائية التي يتم اللجوء إليها عند محاولة التعتيم على مسألة معينة أو تمرير مسألة أخرى، اختلاق أحداث ونقاشات جانبية، أو تضخيم أحداث ونقاشات أخرى، وذلك للتعمية على الحدث الرئيسي والقضية الرئيسية.
ماذا لو استيقظنا صباحا ووجدنا العدو الصهيوني قد انسحب من غزّة، واعترف صراحة بنصر المقاومة وعجزه عن القضاء عليها، وذلك بعد أن يكون قد أتمّ بالفعل مهمة الإجهاز على كافة مقومات وسبل العيش في القطاع؟!
ماذا سيبقى من معنى لهذا النصر؟ وما نفع هذا النصر بعد ترك غزّة أرضا يبابا غير صالحة للحياة الآدمية؟ وأي أوراق ستكون بيد المقاومة تاليا للوقوف في وجه ابتزازات واملاءات وشروط الجهات التي ستموّل عملية إعادة الإعمار أو تلك التي ستسمح بها وتشرف عليها؟
ليس الهدف من هذا الكلام التشكيك بجدوى المقاومة أو الغمز في قناتها، فخيار المقاومة إزاء مخطط مثل مخطط الإبادة والتهجير هو المقاومة ولا شيء غير المقاومة، وهي للآن تقوم بواجبها على أتمّ وجه ممكن بصورة لم نكن لنتخيلها أو تخطر ببالنا في يوم من الأيام، ولولا المقاومة لكانت المهمة بالنسبة للعدو الصهيوني أسهل و"أرخص"، ولكان الوضع بالنسبة لغزّة وأهلها ومجمل القضية الفلسطينية أفدح وأشد فتكا ووطأة ووبالا.
الهدف من هذا الكلام هو التذكير أنّ بؤرة الحدث كلّه، والغاية مما يحدث كلّه، والمآل المنشود من وراء ما يحدث كلّه، وبيت القصيد فيما يحدث كلّه، ليس القضاء على المقاومة، وليس إعادة الإسرى، وليس حلّ الدولتين أو الدولة الواحدة أو العشر دول.. وإنّما الإبادة والتهجير!
"فلنفرض الإبادة والتهجير كأمر واقع أولا، ثم البقية تفاصيل".. هذا هو لسان حال الكيان الصهيوني وحلفائه والمتواطئين معه الذين يشترون الوقت بدماء الفلسطينيين!
من هنا يأتي سيل المجريات والوقائع والأحداث والأنباء التي يُغرقنا بها الإعلام والسوشال ميديا من أجل تشتيت انتباهنا ولفت أنظارنا عن ثيمة الإبادة والتهجير.
ومن هنا يأتي كلّ التصعيد الذي نشهده، وطريقة التسويف و"المطمطة" و"تعا ولا تيجي" التي يدير بها العدو الصهيوني وحلفاؤه بقية الجبهات.
ومن هنا يأتي كلّ الحراك الدبلوماسي والسياسي بهرائه وغثائه، وكلّ التقارير والتحليلات بغثّها وسمينها، وكلّ "البعبعات" و"الجعجعات" وحروب التصريحات والتراشق الإعلامي.
ومن هنا تأتي المسرحيات التي يخرج بها العدو كلّ يوم، وينجرف وراءها الإعلام ويجرفنا معه، حول وجود خلافات وانقسامات بينه وبين حلفائه، أو بين أركان حكومته وعصابة حربه، أو تصدعات في صفوفه وجبهته الداخلية.
عند لحظة معينة تشعر أنّ كلّ هذا هو عملية إلهاء مقصودة هدفها المماطلة وإطالة أمد الحرب لحين استكمال مخطط الإبادة والتهجير.
حتى احتفاؤنا بإنجازات المقاومة وبطولاتها، والتي تَقَرّ بها عيوننا وتُسَرّ بها قلوبنا وتلهج من أجلها ألسنتنا وأدعيتنا.. لا ينبغي أن يشتت تركيزنا ويحرف أبصارنا عن مخطط الإبادة والتهجير.
نفس الكلام ينطبق على الوضع الإنساني الكارثي الذي يعاني منه أهالي غزّة، ومحاولة الغالبية تصوير المسألة باعتبارها "قضية إنسانية" بحتة، وحصرها في إطار المساعدات والجهود الإغاثية بمعزل عن كونها نتيجة مسبقة ومقصودة لحرب الإبادة والتهجير، ومدخلا ومسوّغا لفرض الإبادة والتهجير.
الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني وحلفاؤه على غزّة كانت منذ اليوم الأول حرب إبادة وتهجير، وهي ما تزال حرب إبادة وتهجير، وستبقى حتى إشعار آخر حرب إبادة وتهحير..
هذه هي الحقيقة التي يجب علينا ألا ننساها أو نغفل عنها بعد مرورة (105) من الجرائم والمجازر المستمرة. وهذه هي المسطرة التي يجب أن نقرأ في ضوئها المجريات والأحداث والمواقف مهما تنوّعت وتوسّعت وتشعّبت. وهذه هي البوصلة التي ينبغي أن ترشدنا وتعيد توجيهنا في حال تطاول بنا الأمد أو اضطربت عندنا المشاعر أو التبست لدينا الرؤية أو اختلطت علينا الأمور.