مقترحات عربية صادمة لوقف القتال في غزة!
كمال ميرزا
جو 24 :
عندما تسمع التسريبات التي تتداولها وسائل الإعلام من حين لآخر حول مقترحات بعض الدول العربية التي تنتمي لما يسمّى "محور الاعتدال" من أجل وقف القتال في غزّة والخروج بحلّ طويل الأمد للقضية الفلسطينية.. تُصاب بالدهشة!
فتارة يدور الحديث عن استنساخ تجربة سلطة "رام الله"، أو ما يُسمّى "السلطة الوطنية الفلسطينية"، أو سلطة "التنسيق الأمني" كما يحلو للكثيرين تسميتها. وتارة يدور الحديث عن خروج المقاومة و/أو قادتها خارج قطاع غزّة مع التكرّم بمنحهم ضمانات أمنية. وتارة يدور الحديث عن إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح.
مثل هذه المقترحات تجعلك تشكر الله تعالى مرّتين على "نتنياهو":
- المرّة الأولى لأنّ عناد وغطرسة وعنجهية وعنصرية ودموية "نتنياهو" تمنعه من قبول هذه المقترحات.
- المرّة الثانية لأنّ عناد وغطرسة وعنجهية وعنصرية ودموية "نتنياهو" هي ما سيفضي إلى القضاء على الكيان الصهيوني بمشيئة الله (دون الحاجة لمنيّة الدول العربية)، ما لم يسارع الصهاينة المحيطين به بالقضاء عليه قبل أن يغرق ويُغرقهم معه أكثر.
المقترحات أعلاه تولّد لديك قناعة أنّ لدى الدول العربية المعنيّة التباس حقيقي إزاء ماذا يعني أن تخرج بمبادرة أو تتقدّم بتسوية!
فأولا الأصل في عالم السياسة عندما تريد إقناع طرف ما أو استمالته أن تعطيه عرضا مغريا لا يستطيع رفضه، أو على الأقل لا يستطيع تبرير رفضه أمام الآخرين.
ما هو المُغري في المقترحات المذكورة بالنسبة لأهالي غزّة والمقاومة؟
هذه المقترحات ما كانت لتصلح لتقديمها ما قبل (7) أكتوبر و"طوفان الأقصى"، فما بالنا أن يتم تقديمها الآن بعد كلّ البطولات التي سطّرها أهالي غزّة والمقاومة، والتضحيات التي قدّموها، والأثمان التي دفعوها؟
مثل هذه المقترحات يمكن أن تتقدّم بها لمهزوم وليس لخصم يقارع خصمه مقارعة الندّ للندّ.. فهل الدول العربية توقن بهزيمة المقاومة مثلا أو تتمنّى ذلك؟
حتى الهجرة القسرية أو الطوعية تبدو خيارا براقا وأكثر إغراءً من بعض هذه المقترحات!
وثانيا الأصل عندما تتقدّم الدول العربية بمقترحات أن تحاول تحقيق أكبر قدر ممكن من المنافع والمكتسبات لصالح الفلسطينيين بحكم وحدة الدم والأمن والوجود والمصير، وبكون الكيان الصهيوني لديه مَن ينافح عنه ويناكف من أجله ويرعاه ويرعى مصالحه.
ولكن عندما تتأمل المقترحات أعلاه تجد أنّها تضع نصب عينيها استرضاء الكيان الصهيوني أولا، ووضع مصالحه وأولوياته قبل أي اعتبارات أخرى، وكأنّ الكيان "من بقية أهل" الدول العربية صاحبة الاقتراحات حسب التعبير الشعبي الدارج، والفلسطينيون هم أولاد "الشغّالة" أو أولاد "البطة السودا"!
وكلّ الاقتراحات "كوم" واقتراح إنشاء دولة فلسطينية مقابل التطبيع الكامل للعلاقات بين الدول العربية و"إسرائيل".. "كوم" آخر!
الجزء الأكبر من الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون وأهالي غزّة حاليا قصفا ونسفا وتدميرا وإبادة وتهجيرا هو بسبب لهاث الدول العربية وراء التطبيع، ومحاولة تهيئة الأرض أمام مشاريع "السلام الاقتصادي" الموعود الذي سيلي هذا التطبيع.. ثمّ يأتي مثل هذا المقترح ليصوّر لنا التطبيع وكأنّه "مأثرة" و"بطولة" و"تضحية" تقوم بها الدول العربية المطبّعة من أجل إنقاذ الفلسطينيين ودولتهم المغدورة!
أكثر ما يحزّ في النفس حيال المقترحات العربية التي تمّ تداولها لغاية الآن نبرة الابتزاز الضمنية التي تنضوي عليها: إمّا أن يوافق الفلسطينيون وتوافق المقاومة على مقترحاتنا، وإمّا نحن في حِلّ من أي تبعات أو التزامات، سواء من حيث المساهمة في المجهود الحربي (لا سمح الله)، أو قطع العلاقات والاستثمارات مع الكيان الصهيوني وحلفائه (أيضا لا سمح الله)، أو رفع الحصار عن أهل غزّة من طرف واحد، أو المساهمة في عملية إعادة الإعمار وتمويلها.
في السابق تمّ رفع شعار "الأرض مقابل السلام" على "مؤتمر مدريد" والمسارات التفاوضية التي تلته وأفضت إلى توقيع اتفاقيتي "أوسلو" و"وادي عربة"؛ أي أن تقوم "إسرائيل" بمنح العرب جزءا من أراضيهم المحتلة مقابل إنهائهم حالة الحرب والعداوة معها.
واليوم، يبدو أنّ الشعار الذي ترفعه مثل هذه المقترحات هو "الحياة مقابل السلام"، بمعنى أن يُعطي الفلسطينيون والمقاومة كلّ شيء، ويتنازلوا عن كلّ شيء، أرضهم وسيادتهم وثرواتهم ونفطهم وغازهم واستقلالهم وكرامتهم الوطنية.. مقابل السماح لهم بالبقاء على قيد الحياة!