الحرب على "الأونروا": أولى بركات "العدل الدولية"!
كمال ميرزا
جو 24 :
الحرب الغربية على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" ليست جديدة، وهي تعود لما قبل "طوفان الأقصى"، وذلك كجزء من الخطط الممنهجة والمساعي الحثيثة لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا.
ولكن بعد (7) أكتوبر، وشروع الكيان الصهيوني في حرب الإبادة والتهجير التي يشنّها على الشعب الفلسطيني، اتخذت الحرب على "الأونروا" منعطفا جديدا من خلال الاستهداف المقصود والمباشر لكوادرها العاملة في قطاع غزّة، والتدمير المُمنهج للمقرّات والمباني التابعة لها خاصة المدارس والمرافق الخدمية.
ومع صدور قرار "محكمة العدل الدولية" المخيّب بحق الكيان الصهيوني، والذي جعل "إسرائيل" هي "الخصم والحكم" في غزّة فيما يتعلّق بالإبادة الجماعية والوضع الإنساني، ها هو الكيان وحلفاؤه الغربيون ينتقلون بحربهم على "الأونروا" إلى مستوى آخر جديد.
عمليا على الأرض يُفترض أنّ "الأونروا" هي الجهة الأممية الرئيسية داخل غزّة التي تتولّى استلام وتوزيع المساعدات الإنسانية التي يتم إدخالها إلى القطاع، وافتعال اللغط الحالي حيال "الأونروا" هو إجراء استباقي قبيل اجتماع مجلس الأمن المزمع يوم الأربعاء القادم من أجل المماطلة وشراء المزيد من الوقت وخلق حجج ومبررات للاستمرار في التضييق على دخول المساعدات والمواد الإغاثية، وإلقاء اللوم في ذلك كلّه على "الأونروا" نفسها باعتبار أنّها هي التي لم تعد طرفا "موثوقا" و"محايدا" للقيام بهذه المهمة.
وبعد استهلاك المزيد من الوقت في المماطلة والجدالات والسجالات أيضا على حساب معاناة الفلسطينيين، سيتفتق ذهن "أحدهم" عن استحداث آلية جديدة لتوزيع المساعدات داخل غزّة بعيدا عن "الأونروا" وكوادرها، بحيث يتولى الكيان الصهيوني أو أيّ من حلفائه أو "قطاريزه" الإقليميين المسؤولية المباشرة عن هذه الآلية.
وبهذا سيصبح توزيع المساعدات (وليس فقط إدخالها) ورقة ضغط إضافية بيد الكيان الصهيوني من أجل التحكّم بأهل غزّة، وابتزازهم، واستدراجهم، والإيقاع بالمطلوبين منهم، وبثّ العملاء والجواسيس بينهم، ودسّ ما يمكن دسّه من خلال المساعدات أو باسمها.
وفي حال امتناع الفلسطينيين عن التعاطي مع آلية توزيع المساعدات الجديدة سيكونون هم الملامون وليس الكيان الصهيوني. وفي حال قيام رجال المقاومة باستهداف عملاء وجواسيس آلية المساعدات الجديدة سيتم إشهار ورقة "الإرهاب" القديمة الجديدة في وجههم، واللعب على نغمة أنّ المقاومة وقياداتها هي التي لا تهتم ولا تعبأ بمعاناة الناس والأهالي وحاضنتها الشعبية!
الهجمة على "الأونروا" تهدف أيضا إلى رفع الغطاء عن المرافق والمباني التابعة لها، خاصة المدارس التي أصبحت الملاذات التي تحتضن وتأوي الأعداد الأكبر من أهالي غزّة النازحين والمشرّدين، وتتيح لنسبة كبيرة منهم القدرة على الصمود والبقاء في مناطق سكناهم أو قريبا منها. ومع أنّ استهداف هذه المدارس لم يتوقّف منذ اليوم الأول، إلا أنّ اللغط الحالي سيتم توظيفه لخلق ذريعة ومبرر لمزيد من الاستهداف، خاصة في المناطق التي يريد الكيان الصهيوني تفريغها وتسويتها بالأرض.
وعلى المدى البعيد، الحرب على "الأونروا" هدفها خلق ذريعة لعدم السماح بإعادة بناء المرافق والمباني والمدارس العائدة لها بعد انتهاء الحرب، وذلك كجزء من سياسة تفريغ قطاع غزّة وجعله مكانا غير صالح للعيش. وفي حال السماح بإعادة الإعمار فإنّ ذلك لن يكون من خلال "الأونروا" وتحت إشرافها، وإنّما من خلال مموّلين ستخضع هذه المرافق والمباني والمدارس إلى سيطرتهم وتحكّمهم و"أجندتهم" بشكل مباشر!
قد يجادل البعض، بحسن نيّة، أو من قبيل الاستغشام، أنّ هذا السلوك من قبل أميركا وحلفائها الغربيين تجاه "الأونروا" وسائر المنظمات الأممية سيعمل على ضعضعة هذه المنظمات، وهزّ ثقة دول وشعوب العالم بها وبحيادها ونزاهتها وجدواها.
وحقيقة الامر أنّ المنظومة الدولية برمّتها، وما يسمّى "الشرعية الدولية"، ما وُجدت إلا من أجل خدمة مصالح وهيمنة القوى الاستعمارية الغربية، وإعادة إنتاج هذه الهيمنة والتأكيد عليها. ولكن الفرق أنّ "طوفان الأقصى" وبطولات المقاومة وأهالي غزّة قد أسقطت القناع عن هذه الشرعية الدولية المزعومة، وأجبرت القوى الغربية على ممارسة انحيازاتها وعنصريّاتها وغطرستها وبطشها "على المكشوف" و"على عينك يا تاجر"!