jo24_banner
jo24_banner

في عيد الحب: كلنا نحب فلسطين.. لكنها تحب المقاومة واهل غزة

كمال ميرزا
جو 24 :


الكلّ يحبّ فلسطين، ولكن الحبّ أصناف.

هناك مَن تمثّل له فلسطين الحبّ الأول، حبّ الطفولة قبل اضطرام الهرمونات واستعار الرغبات وتأجّج الطموحات، حبّ "البراءة"، الحبّ المحفور عميقا في وجدانه، حبّ "نغبشة" المشاعر الأولى وتسارع الأنفاس الأول وفوران القلب الأول.. والتي تصبح جميعها نقطته المرجعية التي يقيس عليها بوعي أو دون وعي أي إحساس أو انفعال لاحق.

وهناك مَن تمثّل له فلسطين حبّ المراهقة، أو حبّ "الولدنة"، حبّ أنا متضخّمة مندفعة بفعل البلوغ ودفق الهرمونات وتفاهة الأفكار حول الرجولة والفحولة واثبات الذات.

وهناك مَن تمثّل له فلسطين حبّ الشباب، حبّ الذي يحاول أن يلعب دور العاشق الرومانسي الولهان، ولكن في نفس الوقت الدمث والرزين والمتّزن، و"من تحت لتحت" يمنّي النفس أن تتاح له فرصة للانقضاض وقضاء وطره وتنفيس كبته ومركبات نقصه وحرمانه دون أن يؤثّر ذلك على صيته ومظهره وبرستيجه الاجتماعي.

وهناك مَن تمثّل له فلسطين حبّ الزواج، الحبّ الذي لا تهمّ فيه حقيقة المشاعر والانفعالات بمقدار ما تهمّ فيه "الحسابات العقلانية" التي تعطي أفضلية للمحبوبة منخفضة التكاليف، والتي تتقاضى راتبا، أو عندها رِزقة"، أو ذات حسب ونسب يمكن أن يساعد "عريس الزين" في الارتقاء الوظيفي والاجتماعي. وهذا الحب يمكن أن ينتهي بـ "قرار" كما بدأ بقرار في حال تبيّن أن "الصفقة" خسرانة، أو إذا لاحت في الأفق صفقة مجزية أكثر.

وهناك مَن تمثّل له فلسطين حبّ أزمة منتصف العمر، حبّ مَن يبحث عن محبوبة تصغره عمرا تمنحه عنفوانا ضيّعه في غمرة لهاثه الحياتي وحسابات الربح والخسارة، أو محبوبة تكبره عمرا يبتزّ سن يأسها لكي تمنحه رضىً وتصالحاً لا يستحقهما مع الذات .

وهناك مَن يدّعي أنّ حبّه لفلسطين هو "حبّ أمومي" طاهر بعيدا عن الرغبات أو الحسابات أو تلك التجاذبات الأزليّة بين "آدم" و"حواء"، وهذا الحبّ رغم طهارته الظاهرة هو أسوأ أنواع الحبّ في مجتمعات ذكورية سلطوية فجّة، حيث يتوقع الذكر الوغد من أمّه أن تمنحه كلّ الحنان غير المشروط، وكلّ الإيثار غير المشروط، وكلّ "القبول" غير المشروط.. في حين عليها هي أن تكتفي منه بفائض برّه ووقته واهتمامه!

وكما أنّ الحب أصناف فهو أيضا درجات على طريقة الشاعر "يعشقون الورد لكن يعشقون الأرض أكثر".

فهناك من يعشقون فلسطين، ولكنّهم يعشقون خسّتهم ونذالتهم وخوفهم وجبنهم وسلامتهم ونجاتهم الفردية ومشيهم "الحيط الحيط" أكثر..

وهناك مَن يعشقون فلسطين، ولكنّهم يعشقون خيانتهم وعمالتهم وتآمرهم وتواطؤهم وتخاذلهم أكثر..

وهناك مَن يعشقون فلسطين، ولكنّهم يعشقون جوعهم وفجعهم وجشعهم وأرصدتهم و"بزنسهم" واستثماراتهم أكثر..

وهناك مَن يعشقون فلسطين، ولكنّهم يعشقون مناصبهم وألقابهم وكراسيهم وصولجانهم وهيلمانهم وتسلّطهم وغطرستهم أكثر..

وهناك مَن يعشقون فلسطين، ولكنّهم يعشقون تبعيتهم وانكسارهم وانسحاقهم تجاه "السيد الأبيض" المتقدّم والمتحضّر المتفوّق أكثر، وتلك النشوة المَرَضيّة التي يشعر بها واحدهم إذا أثنى عليه سيد أبيض أو ربتَ على كتفه حين يطيع أمرا أو يحسن صنعا..

وهناك مَن يعشقون فلسطين، ولكنّهم يعشقون عنصريّتهم وقبليّتهم وجهويّتهم وطائفيّتهم وفصائليّتهم وتطرّفهم أكثر..

وهناك مَن يعشقون فلسطين، ولكنّهم ببساطة يعشقون طاعة الأوامر التي تعفيهم من المسؤولية ومَن يمنحهم راتبا وكسوة وتأمينا صحيا وتقاعدا أكثر!

طبعا الكلام أعلاه كلّه عن العشّاق، ولكن ماذا عن المعشوقة نفسها فلسطين؟

يقول الشاعر أحمد عبد المجيد في الأغنية المشهورة التي لحّنها وغنّاها محمد عبد الوهاب: "كلنا نحب القمر والقمر بحب مين"؟

يا ترى مَن تحبّ فلسطين؟!

للآن ثبت أنّ فلسطين تحبّ المقاومة وأهل غزّة، وما دون ذلك فإن كلّ من أدّعى وصلا بليلى/ فلسطين هو محض كذّاب!

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news