jo24_banner
jo24_banner

اربع فئات من البشر افرزتها طوفان الاقصى!

كمال ميرزا
جو 24 :


الاحترام والتقدير مسألة نسبية تعتمد على تركيبة الشخص النفسية، وتكوينه الانفعالي والعقلي، ومستوى وعيه، وموقفه المسبق من الأفكار والأحداث والأشخاص.

فعلى سبيل المثال إذا كنتَ شخصا صحيح الفطرة، سويّ النفسية، راجح العقل، رشيد التفكير، تمتلك الحدّ الأدنى من المعرفة والثقافة والحس السليم.. فلا بدّ أن تقف مبهورا، وتنحني احتراما وإجلالا وتقديرا، أمام البطولات الأسطورية لأهالي غزّة، وصمودهم التاريخي، وعبقرية مقاومتهم، وأدائها المبهر، وإدارتها الفذّة للمعركة والميدان.

وإذا كنتَ شخصا مشوّه الفطرة، شاذ النفسية والعقل والتفكير، فلا بدّ أن تهيم إعجابا باعتداد وعنجهية وغطرسة "نتنياهو"، وامتلاكه "إرادة القوة"، وإصراره على ما يريد، وصراحته في امتهان أعدائه باعتبارهم لا يرتقون أساسا لمرتبة البشر، واستخفافه بخصومه ومناوئيه ومعارضيه من أبناء جلدته باعتبارهم ضعفاء أو جبناء أو متخاذلين.

وإذا كنتَ شخصا أُشربتَ في قلبك الأصنام والأوثان، وجُبلتَ على عبادة الطاغوت، فلا بدّ أن تُفتن بحكمة وحنكة وذكاء ودهاء الزعماء والحكّام والقادة والمسؤولين وهم يتقافزون بين المطارات، ويتنططون أمام الكاميرات، ويمارسون دبلوماسيتهم البهلوانية، ويدبّجون خطاباتهم المنمّقة وبياناتهم المزوّقة وتصريحاتهم المُزاوِدة بكل ثقة وجرأة و"عين بِلطة"، وهم الذين لم يغيثوا في واقع الحال أهالي غزّة بقشة، ولم ينصروهم برصاصة، بل يتواطؤون ضدهم، ويُحكِمون حصارهم، ويرفدون عدوّهم بأسباب العيش والصمود والاستمرار.

ولكن بعيدا عن هذه الفئات الثلاثة من البشر التي أفرزها "طوفان الأقصى"، هناك فئة رابعة، هي في واقع الحال الفئة الأكبر عددا والأوسع انتشارا، وهي فئة "الخنازير الجذريّين"!

وأنتَ لا تستطيع إلا أن تقف فاغرا فاك دهشة بـ "مبدئيّة" هذه الفئة، وتمسّكها "الجذريّ" بخنزرتها منذ اليوم الأول، ومثابرتها وتفانيها في التمسك بهذه الخنزة مهما كانت الظروف ومهما استجدّ من وقائع وأحداث!

يُقال لهم أنّ أهل غزّة يتعرّضون للإبادة والتطهير العرقي.. الأمر لا يعنيهم، هكذا ببساطة لا يعنيهم!

يُقال لهم أنّ هناك مخططا لتهجير الفلسطينيين، وإجهاض حقّ العودة، وتصفية القضية الفلسطينية نهائيا.. أيضا الأمر لا يعنيهم!

يُقال لهم أنّ هناك مخططا لإعادة احتلال قطاع غزّة، وسلب نفطه وغازه وثرواته ومقدّراته.. الأمر لا يعنيهم!

يُقال لهم أنّ المسجد الأقصى في خطر.. الأمر لا يعنيهم!

يُقال لهم أنّ أهالي غزة يعانون من التجويع والتعطيش والبرد والأمراض وانعدام أبسط سبل الحياة ومقوّمات العيش.. الأمر لا يعنيهم!

يُقال لهم أنّ أميركا والغرب يتكالبون على أهالي غزّة، ويمدّون الكيان الصهيوني بالسلاح والأموال والغطاء السياسي.. الأمر لا يعنيهم!

يُقال لهم أنّ الأنظمة العربية تتواطأ مع الكيان الصهيوني، وتشاطره الهدف المشترك بالقضاء على المقاومة.. الأمر لا يعنيهم!

يُقال لهم أنّ الأنظمة العربية ترفض إعلان الحرب على الكيان الصهيوني، أو قطع علاقاتها به، أو وقف التبادل التجاري وتدّفق المؤن عبر أراضيها إليه.. الأمر لا يعنيهم!

يُقال لهم قاطعوا المنتجات والعلامات التجارية الأجنبية التي تدعم الكيان الصهيوني.. الأمر لا يعنيهم!

يُقال لهم أظهروا قليلا من الذوق والخجل والأدب في مظاهر فرحكم واحتفالكم وتسليتكم وترفيهكم.. الأمر لا يعنيهم!

يُقال لهم ويُقال لهم ويُقال لهم.. ولكن كما يقول المثل: "يا جبل ما يهزّك ريح"! هل متمسّكون بأصغر تفاصيل نمط عيشهم وكأنّ شيئا لم يكن أو سيكون: أكلَ.. شربَ.. نامَ.. تغوّطَ.. تكاثرَ.. أطاع الأوامر.. وما دون ذلك فإلى الجحيم!

والغريب أنّ نسبة كبيرة من هؤلاء يصلّون ويصومون ويقرؤون القرآن ويلهجون بالدعاء ويمجّدون مكارم الأخلاق ويتغنّون بالفضائل ويتمسّكون بالعُرف والأصول والعادات والتقاليد.. ولكنهم لا يرون أي علاقة أو ارتباط بين هذا وذاك!

هذا الكلام ليس سخرية أو استخفافا أو استهانة بهذه الفئة من البشر، بالعكس، تخيّل مثلا أن تكون في يدك بندقية أو سلطة اتخاذ قرار ما صَغُر أو كَبُر، وترى أخوتك ووطنك أمام عينيك يُقتّلون ويُذبّحون ويُستباحون ويُعذّبون ويُنكّل بهم صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم وقويّهم وعاجزهم على مدار أكثر من (130) يوما متواصلة، ثم لا ترتعش في جسدك شعرة ولا يرّف لضميرك جفن ولا تهتزّ لك قناة.. هل تستطيع أن تتخيّل مقدار الإرادة والتصميم والشكيمة التي يستدعيها هذا النوع من الثبات!

لو كان لأصحاب المبادئ والمُثُل والأفكار ومشاريع الإصلاح والتحرّر الوطني عُشر مبدئيّة وجذريّة ومواظبة وثبات هذه الفئة من البشر في تمسّكها بخنزرتها لكان الحال غير الحال منذ وقت طويل!

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news