"طوفان الأقصى" والصهيوني المناوب!
كمال ميرزا
جو 24 :
زمان..
ونحن أطفال..
عندما كان البشر أقل والازدحام أخف والجار يعرف جاره..
قبل أن تتوسّع الأسواق ويتوسّع البشر على هوامشها كمستهلكين مهمتهم فقط الاستهلاك والاستهلاك والمزيد من الاستهلاك..
أيام كانت صلاة المغرب تمثّل الحد الفاصل بين النهار والليل..
أيام كانت الساعة 10 مساء وقتا متأخّرا للسهر أو التواجد خارج المنزل.. أيامها كانت الصحف تلتزم كتقليد يومي ثابت بنشر أسماء الأطباء والصيادلة المناوبين في كل مدينة وبلدة.
مهمة الطبيب والصيدلي المناوبَين يوم مناوبتهما أن يكونا متاحَين لتقديم خدماتهما طوال الليل في حال طرأ عند أحد الأهالي طارئ أو ألمّ عارض.. وفي حال لم يلتزما بذلك فإنّ هذا قد يعرّضهما للمساءلة القانونية.
من بركات "طوفان الأقصى" أنّه كشف لنا أنظمة في المنطقة والعالم تتسابق من أجل لعب دور "الصهيوني المناوب".. وهي تقوم بذلك"طواعية" وعن طيب خاطر وليس تحت طائلة القانون!
من هؤلاء الصهاينة المناوبين "دول كبرى"، علاقتها بالكيان الصهيوني "وجوديّة" وعريقة، وتجمعها به وحدة حال ومصلحة ومصير..
ومن هؤلاء الصهاينة المناوبين "كيانات وظيفية" لم يصبح لهم اسم يُسمع في الساحة إلاّ بالأمس، وهم أقرب إلى الصهاينة الجُدد أو المستجدّين!
صحيح أنّ هذه الكيانات معروفة بميولها أو صبغتها الصهيونية حتى ما قبل "طوفان الأقصى"، لكن المرء لم يكن يتصوّر أنّ الصهيونية قد استفحلت فيها وبلغتْ منها كلّ هذا المبلغ حتى باتت كالدم الذي يجري في العروق!
المشكلة أنّ أمثال هؤلاء الصهاينة الجُدد هم أكثر إخلاصا وحرصا وتفانيا واندفاعا في سبيل صهيونيتهم من الصهاينة القدماء!
المثل الشعبي يصف مثل هذه الحالة بقوله: "هجين وقع بسلّة تين"، وهؤلاء هجناء وقعوا في سلّة صهيونية!
هم يزاوِدون على الكيان الصهيوني نفسه في صهيونيّتهم.. لذا تراهم الأشد استنفارا من أجل حمايته، ومدّه بأسباب الصمود والاستمرار والاستقرار، واجتراح الحلول والبدائل لانتشاله من مستنقع فشله وإخفاقاته وإنكشاف ظهره وسقوط قناعه!
وفي مقابل هذا الهوس بالتصهين، تلمس لدى هؤلاء الصهاينة المستجدّين انسحاقا تامّا تجاه "السيد الأبيض" وحضارته، وكرها شديدا للذات والانتماء القومي والتاريخي أيّا كان.
والمهزلة أنّ الصهاينة الجُدد مهما فعلوا، ومهما بذلوا، فإنّهم لن يلقوا قبول وإقرار السيد الأبيض و"حكماء الهيكل" و"الصهاينة المخضرمين"، ولن يتم الاعتراف بهم كندٍّ ومكافئ، ولن تُقبل منها صهيونيّتهم حتى لو تفوّقوا بها على الشيطان نفسه، وستبقى نظرة الامتهان والازدراء والتبعيّة هي التي تحكم العلاقة بين الطرفين، وكثيرا ما يجري التخلص منهم متى ما استوفوا مهمة قذرة معينة مطلوبة منهم ويتم استبدالهم بمتصهينين طازجين!
يا ترى مَن الصهيوني المناوب الليلة؟ للأسف الكل مناوبون وعلى أهبة الاستعداد من أجل الكيان منذ (7) أكتوبر ولغاية الآن!